أقتبس وصف «لعبة القط والفأر بين الدولة والكنيسة» من مقال الكاتب الكبير كمال زاخر فى مجلة قضايا برلمانية «تقنين بناء الكنائس.. ضوابط ومحاذير»، وفيه وصف دقيق يعبر عن العلاقة بين الدولة والكنيسة بشأن قضية بناء وترميم الكنائس، التى شغلت المصريين على مدى أكثر من قرن من الزمن، بسبب ما سمى الخط الهمايونى، وهو مرسوم السلطان عبدالحميد بشأن هذا الوضع. وزاد على هذا المرسوم ما صدر عن العزبى باشا، وكيل وزارة الداخلية فى عهد رئيس الوزراء إسماعيل باشا صدقى، متضمناً نقاطاً تفصيلية وإضافات مجحفة على هذا المرسوم، وتشير لما يلى:
- هل الأرض المرغوب فى بناء كنيسة عليها أرض فضاء أم زراعة؟، وهل هى مملوكة للطالب أم لا؟، مع بحث الملكية من أنها ثابتة ثبوتا كافيا، وترفق مستندات الملكية.
- ما مقادير أبعاد النقطة المراد بناء الكنيسة عليها عن المساجد والأضرحة الموجودة بالناحية؟.
- إذا كانت النقطة المذكورة من الأرض الفضاء.. فهل هى وسط أماكن المسلمين أو المسيحيين؟، وإذا كانت بين مساكن المسلمين.. فهل لا يوجد مانع من بنائها؟.
- هل توجد للطائفة المذكورة كنيسة بهذه البلدة خلاف المطلوب بناؤها؟. وإن لم يكن بها كنائس.. فما هو مقدار المسافة بين البلدة وبين أقرب كنيسة لهذه الطائفة بالبلدة المجاورة؟.
- ما هو عدد أفراد الطائفة المذكورة الموجودين بهذه البلدة؟.
- إذا تبين أن المكان المراد بناء كنيسة عليه قريب من جسور مجرى النيل.. فيؤخذ رأى تفتيش الرى. وكذا إذا كان قريبا من خطوط السكة الحديد.. فيؤخذ رأى المصلحة المختصة.
- يجب على الطالب أن يقدم مع طلبه رسما عمليا بمقياس واحد فى الألف، وعلى الجهة المنوطة بالتحريات أن تتحقق من صحته.
الآن يمكن القول وبكل صدق إن القيود السابقة لم يعد لها فى مشروع القانون المطروح- حتى بعد تدخل الحكومة بتعديله- أى وجود، فغالبية المسائل غير التقديرية وغير الخاضعة للقياس تلاشت من المشروع.
الواقع أنه لا يمكن لأحد أن يصف حكومتنا بالتطرف الدينى، مهما تعددت الأوصاف السلبية عنها بأنها حكومة جباية أو تحابى الفساد أحياناً، أو أنها كانت فى وقت ما تغازل تياراً سياسياً. الأمر وما فيه أن الدولة تخشى أن تحدث مشكلات اجتماعية جمة إذا ما ترك الحبل على الغارب فى أعمال البناء والترميم، نتيجة استمرار مناخ التطرف لدى ثلة من الناس الموصوفين بالتخلف والرجعية.
عندما رفعت الدولة قيودها عن الانتخابات بعد يناير 2011 أبقت على قيد واحد مستتر، وهو موافقة وزارة الداخلية على تقسيم الدوائر، وقتها كنت أول من رحب بذلك، لأنها الجهة الوحيدة التى تعلم طبيعة المشكلات الاجتماعية الممكنة نتيجة ذلك.
الآن نفس الشىء، وزارة الداخلية هى الجهة التى تدرك، بسبب الخبرة وبسبب ميراث التخلف الاجتماعى، حجم الضرر من ترك الأمور على الغارب. لذلك كله نقول بملء الفيه إن المعروض حالياً هو عين المواءمة، إلى أن تتغير الأوضاع الاجتماعية بعد فترة يؤمل أن تكون قصيرة.
نقلا عن المصري اليوم