مهندس نبيل المقدس
مافيش مكان فيكي يا مصر إلا والفساد مِعشْشْ فيكي ... مافيش واحد منك يا مصر إلا وهو فاسد وأولهم أنا ... تتصوروا أنا أتهم نفسي بالفساد لأن كل ما يكون لي مصلحة معينة في أحد المصالح الحكومية أضع في جيبي اليمين بعضا من عشرات الجنيهات خصيصا لكي أغمزهم للموظف الذي بين يديه طلبي لكي ينهيه بدون تعقيد.. الكل يُساهم في الفساد .. الكل يستبدل إستنشاق الهواء النقي بالهواء الفاسد .. إلي أن أصبحت رائحة الفساد في مصر السمة المميزة لها . مصر لا تستحق كل هذا الفساد يمرح فيها بدون عقاب أو ربط .. مصر طيلة عمرها شريفة طاهرة .. لا أستطيع تحديد زمن بداية الفساد .. لكن كل ما أعرفه أن الفساد يزداد يوم بعد يوم حتي وصل إلي رموش عُيونا .
الفساد له تأثير مباشر علي الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لمصر وخصوصا في وقت تتسابق فيه مصر مع الزمن لكي تتقدم وتنهض وتعوض الأوقات التي يفقدها الإرهاب وهؤلاء الذين يقصدون هدمها. وتعريف الفساد هو "أنه استغلال السلطة المفوضة وغير المفوضة لتحقيق مصلحة خاصة على حساب المصلحة العامة للمؤسسات ذات الربحية وغير الربحية". ويعتبر انحراف أداء المؤسسات بحسن نية أو بسوء نية هو في إطار الفساد الإداري والتنفيذي مهما كانت النية حسنة. الموظف أو المدير المهمل يتحول إهماله وعدم مبالاته إلى فساد إداري وتنفيذي , المفروض يٌعاقب عليه النظام لأنه يؤثر سلبياً في نتائج المؤسسات.
وأكثر الأماكن فسادا في الحكومة كمثال واضح أمامنا هي المجالس المحلية .. ولي مثال علي ذلك أن المنطقة التي أسكن فيها كانت عبارة عن فيلات لأشهر الكتاب والفنانين في الزمن الجميل .. ومنذ صدور قرار عدم هدم الفيلات في ثمانيات القرن الماضي , بإعتبارها مباني أثرية تَحْكِي مراحل هندسة المعمار في جميع العصور الغابرة , إذ فجأة نجد أن كل شهر تقريبا وحتي الأن يتم هدم فيلا , وقيام بدلا منها عمارة شاهقة من 14 دور مخالفة لقانون البناء .. وخصوصا وجود الألات والمعدات الحديثة التي قللت زمن البناء من سنة إلي شهرين او ثلاثة بالكثير, مما أضافت تشويها لجمال المنطقة ... وأسأل نفسي أين كانت المجالس المحلية وقت تشييد هذا الكم من العمارات.. !؟ ... كيف يتم تسليم " حديدة نمرة الكهربا " والتصريح بمد "ماسورة المياه" ومعروف أن إنشاء هذا المبني في الأصل مخالفا. ؟ طبعا كل هذا يتم خلال أفراد ضمائرهم ماتت وتم دفنها في " رُزم" الآف الجنيهات في جيوبهم بدون إستحياء أو خجل ..!!
هناك من يرى إن الفساد يرتبط بدرجة تطور المجتمع إقتصاديا بطرق عشوائية , وخصوصا في الدول النامية والدول التي تمر بمرحله انتقاليه من نظام سياسي واقتصادي إلى نظام آخر. وطبقا لهذا الرأي فان ضعف موارد ألدوله وانخفاض الرواتب والأجور يؤدي إلى تفشي الفساد خاصة بين بعض موظفي ألدوله الكبار قبل صغار المسئولين . ولا ننسي أن عمليات الخصخصة حيث تم طرح أصول ضخمه للبيع هو السبب الرئيسي وراء تفشي الفساد في مصــر . فبيع شركات القطاع العام الكبيرة او حتي الصغيرة تعطي مجالا واسعا للانحراف الوظيفي والتربح غير المشروع, كما إن المسئولين القائمين على تلك العملية عادة ما يتمتعون بسلطات تقديريه واسعة مما يوجد مساحه كبيرة للفساد والتربح غير المشروع.
هناك حادثة فساد مشهورة , فيها ألقت الشرطة المصرية القبض على برلماني سابق ( لا داعي لذكر اسمه ) في قضية فساد كبري، تم إتهامه بالحصول على رشوة بقيمة مليون جنيه مصري مقابل تنازله عن دعوى كان قد رفعها لبطلان بيع أرض لإحدي شركات القطاع العام..! والمثير في قضية هذا النائب أنه شخصيا يترأس جمعية لمكافحة الفساد، وأقام من قبل برفع عدة دعاوي ضد حوادث فساد حكومي ومخالفات بيع أراضي كانت مملوكة للدولة لصالح رجال أعمال. هذه الحادثة تشير إلي مدي تغلغل الفساد حتي انه وصل إلي من يحاربون الفساد نفسه . ولا ننسي تم إتهام وزير الزراعة السابق مع بعض اعوانه في قضية رشوة ... وما خفي كان اعظم طيلة السنوات السابقة منذ ثورة يوليو 52 . فكل حقبة لن تفلت من الرشاوي والسرقات والتملك إما بطرق شرعية صورية أو بوضع اليد .
منذ تولي السيسي الحكم في يونيو 2014 أصدر تشريعات عدة من شأنها محاربة الفساد، جاء في مقدمتها القانون رقم 89 لسنة 2015، بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم. لكن لم يتم تطبيقه كاملا , وكأنه لم يصدر .. كما أنه استحدث السيسي منصبا مستشار رئيس الجمهورية لمكافحة الفساد، الذي اختاره من هيئة الرقابة الإدارية ، لمتابعة وضمان تحقيق التعاون والتنسيق بين هيئة الرقابة الإدارية ومختلف الأجهزة الأمنية... وما زالت الإنحرافات موجودة بشدة . أخرها فضيحة صوامع القمح , والذي دلت التحريات أن هذا الفساد لم يكن مستحدثا , بل كان يتم ممارسته منذ عشرات السنوات .
الحل الوحيد اولا : هو تعيين لكل مجلس حي رجل من الجيش يديرها لفترة محددة ثم يتم إستبدال مكانه لرجل عسكري أخر , بشرط أن يبقي علي ذمة الجيش برتبته .. اتصور ان هذه الرئاسات سوف تتحكم في محو الفوضي والفساد في هذه المؤسسات .. وسوف تتحكم في المصاريف التي تُصرف في شراء اشياء وهمية .. كما اتصور أن هذه الرئاسات سوف تمنع الرشاوي التي تساعد في تسهيل عمليات الإنشاءات التي تتم بدون وجه حق .
أما الحل الثاني يتمثل في نفوسنا وضمائرنا... فعلينا ان نكتسب ثقافة عدم تقديم الرشاوي .. كما نتعلم أن لا نتطلع إلي الأعلي بطرق ملتوية لا إخلاقية .. فمن روائع المتنيح البابا شنودة ما قاله عن هذا الفساد حيث يقول : (من أجل هذا قال الوحي " الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا وفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. (مز 14: 3).. فالإنسان هو صورة الله ومثاله. لكن عندما تدخل الخطية فيه .. يصير فاسدا ، وفقد صورة الله.. لذلك ليس من المقبول أن الذي يسقط في الخطية ويفسد يدافع عن هذه الذلة بأنها " الطبيعة البشرية وإحتياج النفس ومغريات العالم " هم السبب بالقيام علي هذه الأعمال الفاسدة ... لذلك علينا ان نتمسك بالتقوي الحقيقية , ونتحلي بالضمائر الحية ... )
المفروض القضاء علي الفساد هو من أولي الأشياء والإهتمامات في جدول الرئيس والحكومة . فقد إنتهينا تقريبا من فض مفاصل الدولة من الإخوان . وتركنا العصابات الفاسدة التي تنخر في مفاصل الدولة .
وغلاوتك يا نور عينينا .. الفساد تجاوز الركب , ووصل لرموش عينينا ...!!