بقلم منير بشاى
مصطفى مصرى مسلم تربطنى به علاقة صداقة وود. أتحاور مع مصطفى كثيرا فى قضايا عديدة ومن الطبيعى ان يكون على رأسها ما يتعلق بهموم الوطن. واحيانا يتخطى النقاش هذه الموضوعات ليصل الى الكلام فى المحظور، اى فيما له صلة بالدين. ولكن لم يحدث يوما ان تحول النقاش الى مشادة او خصومة او حتى مجرد ان "يأخذ احدنا على خاطره من الآخر".
فى ذات يوم جاءنى مصطفى ليقول انه يريد ان يسألنى سؤالا واعطانى الحرية ان اجيب او أمتنع عن الاجابة. وكان شرطه الوحيد ان اكون صريحا. كان سؤاله يتعلق برأيى فيما اذا كان الاسلام يدعو الى قتل المسيحيين. قلت له تريدنى ان اكون صريحا، والصراحة هى ما ستأخذها منى.
الاسلام – يا عزيزى- كلمة واسعة. هل تقصد بالاسلام نصوص القرآن ام تقصد الحديث والسيرة واقوال الصحابة وآراء الفقهاء؟ أم هل تقصد المذاهب المتشددة مثل الوهابية والسلفية. كل هذه انتجت لنا كتبا تدرس فى جامعة الازهر (الوسطى)، وبعضها يشيب لسماعه الرضيع، وهى تدعو ليس فقط لقتل من يسمونه كافرا بل لأكل لحمه.
فى الظروف العادية فان عقيدة اى دين شىء شخصى لا يهم غير اتباع ذلك الدين. ولكن اذا اثرت هذه التعاليم على المجتمع وتسببت فى متاعب للآخر فهنا يصبح من حق هذا الآخر ان يتكلم. وعلى ذلك فصميم المشكلة حاليا يتعلق بسلوك شركاء الوطن ممن يسمون انفسهم مسلمين. لا مشكلة لنا مع الاسلام الا بقدر ما يسببه لنا المسلمون من مشكلات.
شركاء الوطن هم اساسا جزء منا ويجمعنا معهم الكثير من الجذور الاثنية. كيف بعد ادخال الدين فى المعادلة تم خلق هذا الجدار العازل، الذى يفرق بين اناس ربما يشتركون فى الجدود، ويولد فيهم هذا الكم الخطير من الكراهية والنفور؟
ما اعرفه أن مسلمى مصر فصائل عديدة تتفق فى القليل وتختلف فى الكثير. ويمكن تقسيمهم الى شرائح سأعطى لكل منها نسبة مئوية. هذه النسبة تقديرية وتمثل ما أعتقد انه الرقم الاقرب للصحة طبقا لملاحظاتى الشخصية وليس بناء على احصائيات علمية او رأى غيرى من الناس.
بداية أظن ان هناك نسبة تقل عن 1% وقد تصل الى واحد فى الألف ممن لهم ميول داعشية. هؤلاء يكرهون كل من هو غير مسلم بل وكل من لا يؤمن بالاسلام بطريقتهم الخاصة. وطبعا يكنّ هؤلاء كراهية كبرى مصحوبة بالرغبة فى ابادة المسيحيين عامة والاقباط خاصة. وان كان بعض هؤلاء احيانا يترددون فى تنفيذ رغباتهم فهذا ليس لوازع اخلاقى ولكن خوفا من ملاحقة القانون. هذا بينما تحيز القانون فى صالح هؤلاء يعطيهم الجرأة لارتكاب المزيد من الارهاب.
وهناك نسبة اكبر قد تصل الى 10% وهؤلاء من يؤمنون بنفس مبادىء الفصيل الاول ويتمنون ان يروا غير المسلمين يبادون ولكنهم ليس لديهم الجرأة على القتل ولا يحبوا منظر الدماء. هذا الفصيل لا يقتل ولكن لا مانع عندهم لو قام آخرون بهذا العمل نيابة عنهم.
ثم هناك نسبة قد تصل الى 1% وهم عكس الفصيل الاول والثانى هؤلاء لا يوافقون على قتل أو ايذاء أحد لأى سبب وخاصة لاختلاف الدين ويرون ان من حق الانسان ان يختار عقيدته مهما كانت مخالفة لعقيدة الغالبية. هؤلاء يمتلكون الشجاعة ان يتصدوا للمتطرّفين ويحاولوا ايقافهم عن تنفيذ مخططاتهم سواء عن طريق دحض فكرهم او المطالبة باصدار القوانين الرادعة او الاشتراك فى مظاهرات الاحتجاج ضد التمييز. هم نوع رائع من الناس يتمتعون بالنزاهة التى تلزمهم بالدفاع عن الضعيف الذى لا يستطيع الدفاع عن نفسه. هؤلاء ليس هدفهم مجرد ان يدافعوا عن مجموعة من البشر ولكن ان يقفوا مع المبادىء الشريفة ويقاوموا الظلم اينما وجد. بل ان بعضهم يؤمن ان واجبه ان يرفض الظلم حتى لو قبله الأخر مرغما. بعض الأمثلة لهؤلاء فرج فودة ونصر حامد ابو زيد واسلام بحيرى وابراهيم عيسى وسيد القمنى ونوال السعداوى وخالد منتصر ورفعت السعيد وطارق حجى. هذا على سبيل المثال وليس الحصر. من هؤلاء من قتل ومنهم من سجن ومنهم من استجوب ومنهم من تم تفريقه عن زوجه وجميعهم يعيشون تحت التهديد المستمر. لهم جميعا منا كل التقدير والعرفان.
واخيرا هناك ذلك القسم الكبير الذى يمثل ما يقرب من 90% وهم ما اسميهم الغالبية الصامتة. هؤلاء اناس طيبون لا يرغبوا فى قتل احد ولا يسعدهم ان يروا احدا يقتل. ولكنهم سلبيون لا يعملون شيئا ايجابيا لتحقيق الهدف. وقد تكون سلبيتهم ناتجة عن اسباب اورد هنا بعضها.
•السبب الاكثر شيوعا هو عدم رغبتهم الدخول كاطراف فى النزاع الطائفى حتى لا يتعرضوا للاخطار التى قد تنتج. كل واحد من هؤلاء يتبنى شعار "لا ارى ولا اسمع ولا اتكلم" و "اريد ان أبعد عن المشكلات واربى عيالى"
•وربما لأنهم انانيون فهم مشغولون دائما فيما يخصهم وليس لديهم الوقت أو الرغبة ليتطوعوا لمساعدة غيرهم. هؤلاء شعارهم "ايه اللى هاستفيده؟" أو "وأنا مالى؟".
•وربما هناك من يخشى ان يتهم بموالاة (الكفار) و يريد ان يعطى الانطباع انه لا يقل اسلاما عن غيره. وفى سبيل ذلك يريد التظاهر بانه يشارك المتطرفين فى كراهية الكفار والتمسك بعقيدة الولاء والبراء فيكره غير المسلمين فى الله. وحتى يقوم بهذا الدور لا مانع عنده من ان يتحاشى تهنئة المسيحيين فى اعيادهم او الابتعاد عن مصادقتهم او زيارتهم والاختلاط بهم.
هذا الفصيل فى اعتقادى هو أكثر الكل خطورة مع انه يظهر وكأنه لا يؤذى احدا. فهؤلاء بحكم عددهم الكبير كانوا يستطيعون التغيير ولكنهم بالتزامهم الصمت يساعدون قوى الشر على الاستمرار والانتشار. عن هؤلاء قال المفكر الأيرلندى إدموند بيرك "الشىء الوحيد الذى يلزم توافره لينتصر الشر هو ان الناس الطيبين لا يفعلون شيئا".
فى هذا الاجواء يعيش المسلمون والمسيحيون فى مصر. حسب الظاهر هم مثال للتعايش السلمى المشترك ولكن، من تحت السطح، هناك مشاكل تمزق هذه الوحدة الجميلة، وتتسبب فى حرق البيوت وقتل البشر وتهجير العائلات - مشاكل كبيرة، خطيرة، فظيعة، مثل بناء كنيسة!