فى رسالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم إلى كهنة دير سانت كاترين، بدا الهدى النبى فى التعاطى مع المسألة كما يكشف نص الرسالة "بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب كتبه محمد بن عبدالله الى كافة الناس أجمعين بشيرا ونذيرا ،ومؤتمنا على وديعة الله فى خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ،كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها ،قريبها وبعيدها فصيحها وعجميها ومجهولها كتابا جعله لهم عهدا، فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره ،كان لعهد الله ناكثا ولميثاقه ناقضا وبدينه مستهزئا وللعنة مستوجبا، سلطانا كان أو غيره من المسلمين المؤمنين – لايغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولاحبيس من صومعته ولا سايح من سياحته، ولايهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شىء من بناء كنايسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين، فمن فعل شيئا من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله، ولايحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزية ولا غرامة، وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر فى المشرق والمغرب والشمال والجنوب،وهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى من كل مكروه- ولا يجادلوا إلا بالتى هى أحسن ويحفظ ( ويخفض ) لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حلوا،ويعاونوا على مرمة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم وفعالهم بالعهد".
تبدو الرسالة والتكليف النبوى واضحا جليا، فهل التزم الإسلاميون بمضمونه وجوهره ؟وهل وافق معتقدهم سلوكهم فى مواجهة إخوانهم من النصارى
تأمل تلك الإشارة التى خرجت عن أكثر فصائل السلفيين إعتدالا واقترابا من قبول الدولة المدنية، التى تقوم على المواطنة وقد دخلوا البرلمان وابدوا استعدادهم للإندماج الكامل فى بنية تلك الدولة، يقول مصدر بحزب النور ذراع الدعوة السلفية أن الهيئة البرلمانية للحزب سترفض قانون بناء الكنائس ، لماذا؟ لأن الحزب قواعده لاتتبنى هذا الإنفتاح النبوى بل تتبنى فتاوى شيوخ الوهابية، التى تقول عينة منها " لايجوز لمسلم بناء كنيسة ولا ترميمها بنفس ولا بمال، لأن فى بنائها إعانة لأهلها على باطلهم، بل يحرم على الكفار أيضا بناؤها وترميمها ثم يفصل فى أقسام البلاد التى دخلها الإسلام فيقول فى أول أقسامها ،مثل مصر والعراق وهى التى مصرها المسلمون فهذه البلاد صافية للإمام ،إن أراد الإمام أن يقر أهل الذمة فيها ببذل الجزية جاز، فلو أقرهم الإمام على أن يحدثوا فيها بيعة او كنيسة أو يظهروا فيها خمرا أو خنزيرا أو ناقوسا لم يجز، وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان العقد والشرط فاسدا ،وهو اتفاق من الأمة لايعلم بينهم فيه نزاع"
هذه الفتوى هى الأشهر والأكثر رسوخا فى وعى القطاعات الأوسع من المسلمين ،مقارنة بالنص النبوى السابق ورسالته الى كهنة دير سانت كاترين ،وكشأن جملة الأفكار التى تصنع بينة التطرف سلفية كانت أم إخوانية أم جهادية ،تتقدم الأذواق الخاصة بهم وبنفوسهم على الهدى النبوى ،كما يكشف هذا التناقض بين أثر تلك الفتوى وأثر النص النبوى
فى البنية النظرية لمجموعات التطرف أفكار مثل الولاء والبراء ،وهى بوابة واسعة للتكفير واعلان الحرب على فئات أو تهميش فئات والتعامل معها بتمييز وعنصرية ،وهى من جملة أفكار أخرى لم يبذل علمائنا جهدا يذكر فى تفكيكها وإعلان القول الفصل فيها ،لذا تبرز رسائل كتلك الرسالة الأخيرة لحزب النور، الذى للأمانة يعد الأكثر صراحة فى إعلان معتقداته مقارنة بمن أدمنوا التقية السياسية ،ممن لايجهرون بحقيقة معتقداتهم ويبدو سلوكهم متناقضا معها فى إنتظار القدرة أو إمتلاك الشوكة، التى تجعل داعش بممارساتها تتوارى خجلا فى موا جهة ما سيفعلونه لو تمكنوا
إن بناء الكنيسة شأن الأقباط تنظمه الدولة إداريا ،كما تنظم أى بناء فى ضوء عدد السكان واحتياجاتهم وقواعد تنظيم المدن والعمران البشرى، أما تلك العصبية التى تنتج هذا التحرش المعمارى كلما بنيت كنيسة بنى فى مواجهتها مسجد، فليس من هدى النبى ولا من مقاصد الإسلام الذى يريد لكل الناس أن يقتربوا من ربهم ويعبدونه بالطريقة التى يعرفونها، وهو وحده الذى يرضى أو يغضب ،وهو وحده من يملك مقاليد السموات والأرض والجنة والنار ورحمته وسعت كل شىء ، لكن أبواب السماء الواسعة تحاول فئات من شذاذ الأفاق أن يضعوا عليها الأقفال التى هى إنعكاس أمين لأقفال قلوبهم وعقولهم، التى تدعى الإتباع وهى ترزح فى الإبتداع وتشويه حقائق الدين .
نقلا عن دوت مصر