تأملات فى أنجيل سحرية يوم الأحد 4 -9 -2016
تبعية المسيح من خلال أنجيل يوحنا
الأب أثناسيوس حنين- مطرانية بيرية – اليونان
قرأنا اليوم فى سحرية (صلاة باكر) القداس البيزنطى مقطعا من انجيل اللاهوتى يوحنا والذى فيه حوارا ساخنا بين ثالوث الحب والرعاية والتبعية ( أتحبنى أكثر من هؤلاء ...أرع خرافى ...) يوحنا 21 : 15 -25 . نحن نعتقد أن بشارة يوحنا تختص برمتها بقضية تبعية المسيح وهل للمسيحية كلها من هدف سوى تبعية المسيح وأختبار حبه فى رعاية خرافه . الاصحاحات الاحدى عشر لبشارة اللاهوتى يوحنا ليس لها سوى قصد واحد وهو خارطة طريق المسيح . الدعوة الى تبعية المسيح لم تبدأ فى نهاية الانجيل اليوحنائى ’ بل قد وجهها السيد نفسه الى فيليبس فى الاصحاح الأول من الانجيل ’ يسوع هو الذى وجد فيليبس وقال له ( ..أتبعنى...)يوحنا 1 : 43 . الأية باللغة اليونانية هى :
Ακολούθει μοι
وحينما يسمع الرومى الذى تدربت أذناه على خبرة اختبار الكلمة
فى الليتورجيا هذه الكلمة ’ سوف يذهب كيانه كله الى تعبير ليتورجى بات تراثا فى العبادة الحسنة وهو :
Ακολούθεία
والكلمة تعنى أو تشير الى خدمة أو دورة من دورات العبادة أى أن الكلمة الانجيلية (أتبعنى أكولوثى مى ) تحمل وجدانا ليتورجيا ’ هذا معناه أن تبعية المسيح هى تبعية وشركة وليتورجية وحب ومسيرة ورعاية . لا يوجد ’ عند أكابر الروح فى المسيحية ’ تبعية للمسيح ’ (منازلهم !) شفاهية أو كلامية أو دماعية أو هيولية أو صالوناتية أو حتى فيسبوكية غامضة وباسماء مستعارة ! ’ بل يوجد تبعية كيانية ظاهرة فى شركة الحب ومتجسدة فى مسئؤلية الرعاية.
اذا من (أتبعنى ) الفيليوبوسية فى الاصحاح الأول من انجيل يوحنا الى (أتبعنى أنت) البطرسية فى الاصحاح الأخير من الانجيل اليوحنائى ’ تنتقل دعوة التبعية من العام ( أتبعنى ...) ألى الشخصى ( أتبعنى أنت ! أنت بالذات ) !
العلاقة بالمسيح ’ بكل تأكيد علاقة شخصية ’ لكنها ليست فردية ’ ولكنها شخصية فى شركة. المتوحد الناسك التائه فى البرارى ’ وحده ’ هو شكليا وحده ’ ولكنه وجوديا يحمل الكون كله معه ليقدمه ذبيحة للرب فى البرية ! والا يكون قد تبع سرابا وليس شخصا ! أوهاما وليس اعلانات !
ندعو الاصدقاء الى التعرف وبشكل سريع على أهم علامات طريق تبعية المسيح من خلال مواقف فى أنجيل يوحنا ونترجى أن يشاركونا فى فتح كتابهم المقدس وعليهم أن يعرفوا أنها محاولة روحية وكتابية للتأمل فى تبعية المسيح من خلال مواقف فى انجيل يوحنا وهى لا تدعى أن تكون تفسيرا ولكنها رياضة روحية وجولات كتابية ’ ونحن نقدم هذه القرأة لأننا شعرنا بأن التركيز الكبير على الأبائيات واللاهوتيات والحوارات ’ قد يؤثر على بساطة المسيح التى فى الانجيل ’ هذا يعنى أننا أنجيليون قبل كل شئ ولكننا انجيليون فى شركة الافخار ستيا ومعية الرسل والأباء .
1 – من هو الذى نتبعه ؟ (يوحنا 1 )
هو الذى كان فى البدء ’ هو الله الكلمة – اللوغوس ’ هو الحياة ’ الحياة الغير منكفية ولا مكتفية بذاتها ’ بل الحياة التى ظهرت للناس وفى الناس ’ الحياة التى صارت جسدا محسوسا وملموسا ’ الله الذى ليس عنا ببعيد بل أظهر مجده فى وجه يسوع ’ نحن مدعوون لتبعية ذاك الذى (...يرفع خطية العالم ..) يوحنا 1 :29 . الذى نتبعه لا يشهد عن نفسه بل أخرون يشهدون له وعنه ( يوحنا 1 :34 ). قبل أن يدعونا فيليبس الى الخبرة ( تعال وأنظر ..) يو 1 :46 ’ سبقه يسوع نفسه وقال لنا حينما سألناه مع يوحنا وتلاميذه عن اين يمكث ’ فاجاب ( تعاليا وأنظرا ...) يو 1 :39 . الخبرة اساس التبعية .
وسط هذه الاجواء من الحوارات والاعلانات ’ تأتى الدعوة بأن ( أتبعنى ...) يوحنا 1 :43 ’ والتى سبق واشرنا الى أبعادها الليتورجية . نحن نتبع سماوات مفتوحة ولكننا لا ننسى أنفسنا فى السماء ’ بل تنزل الينا السماء وملائكتها على ( ابن الانسان ) ’ نحن لا نتبع خرافات مصنعة (2بطر 1 :15 ) ’ بل نتبع (أبن الانسان الذى صار مكان لقاء ملائكة الله وأولاد الله ) .
2 – رؤية الأيات (يوحنا 2 )
تبدأ تبعية المسيح أو طريق تبعية السيد بمعاينة سره المسيح ’ سر العرس ’ سر الحب وزمان الحب فى عرس قانا الجليل . اذا تكلمنا بشكل كيانى ووجودى ’ فلكل نفس مدعوة لتبيعة المسيح ’ قاناها وعرسها ’ هنا يستلزم ’ من كل نفس تشتاق للتبعية ’ الاعتراف الصادق والعذراوى ( ليس لهم خمر) يوحنا 2 : 3 ثم الطاعة بلا نقاش ’ النقاش يأتى لاحقا ’ هنا طاعة فقط للأمر الالهى ( قال لهم يسوع أملأؤا الأجران ماء ) ’ يسوع يعلن نفسه للطالبين وبشوق ’ ويمكن أن يغير برنامجه ’ فالبرغم من أن ساعته لم تأت بعد ’ الا أنه صنع الأية وأظهر مجده فأمن به تلاميذه) يوحنا 2 : 1 – 11 . هنا الايمان هو اعلان مجده واستعلان الايمان فى القلب ’ فى كل كل تلميذ .
3 – الولادة من فوق (يوحنا 3 )
لقد أستنفرت الأيات التى صنعها يسوع وألتى ذكر يوحنا أهمها فى عرس قانا ’ أستنفرت حب استطلاع الناس وليس فقط الناس العاديون بل الأعيان والرؤساء (يوحنا 3 :1 ) . صحيح أمن التلاميذ فى الاصحاح الثانى ’ ولكن لابد للايمان من أن يستعلن فى ( الولادة من فوق) ’ وهذه هو الترتيب الليتورجى والكنسى لتبعية المسيح ’ الايمان ومن ثم الاستعلان والولادة ’ ومن هنا تأخذ الصلاة لأجل الموعوظين فى الليتورجية كل قوتها :
( صلوا أيها المؤعوظون للرب
يارب ارحم
أيها المؤمنون من أجل الموعوظين نطلب
لكى يرحمهم الرب
ويعظهم بكلمة الحق
ويعلن لهم بشارة العدل
ويضمهم الى كنيسته المقدسة الجامعة الرسولية ...).
4 – التبعية بين الأكاذيب والشكوك وتجديد العهود (يوحنا 4 )
( كان لابد أن يجتاز السامرة ...) يو4 :3 ’ أبدا لم يكن هناك ضرورة جغرافية ’ بل (لابد ..) من أجل أن يدعوا نفس واحدة سوف تغير وجه البشارة وتمارس الحب بعد العشق والعطاء بعد الشح والسجود بالروح لمن تعلم ’ بعد سنوات كانت تسجد فيها لمن لا تعلم ! هنا تحلو الاسئلة ’ اذا كان القصد منها النهائى هو اكتشاف اليات تبعية المسيح وأسرارها ’ وليس مماحكات الكلام ! تبداء التبعية بأن يعطينا السيد احساسا حقيقيا وواقعيا أنه يحتاجنا ..( أعطنى لأشرب ..) يو 4 : 7 . وهنا تتولى النفس الأمارة بكل سؤء الى التفنن فى أدخال المعلم فى متاهات طائفية ومعارك جانبية عرقية وسراديب مذهبية ( كيف تطلب منى ... وأنت يهودى وأنا أمرأة سامرية ...) يو4 :9. لا يدخل معنا يسوع فى متاهات ضيقة الأفق ’ بل يرجع كل متاهاتنا الى الجهل ( ..لو كنت تعلمين عطية الله ...) ’ من وجد أجابات لاسئلة الحياة المصيرية واللاهوتية ’ لا يحتاج الى تسلاية دينية أو سياسية أو طائفية أو عرقية(المطران جورج خضر). ! الأسئلة تتوالى كزخات المطر ’ فبعد ( كيف ..؟) ’ تذهب النفس الى ( من أين ؟ ) .... وهنا يتنطع العقل ليؤكد الشك ( ليس لك دلو والبئر عميق !) يو 4 : 11 . ثم يتطور السؤال الى سؤال دينى من العيار الثقيل وفذلكة شرعية واستعراض لمعلومات دينية ( ألعلك أعظم من أبينا يعقوب .....) يو 4 : 12 . أه من الدين والتدين ! لعلهما من أكثر العقبات فى طريق تبعية المسيح ! السيد يذهب الى الهدف مباشرة ’ والنفس الصادقة تتبعه ’ سيبك من
من الفذلكات الدينية والمتاهات العقلية والترهات المذهبية ’ ...( أذهبى ....أدعى زوجك ...) يو 4 : 16 . هنا نقطة الفصل فى بدايات تبيعة السيد ’ على الأجابة ’ تعتمد خارطة طريق السائح المسيحى فى دروب الرب ! ليس لى زوج ’ حسنا قلت ! ومن ثم بدأ فى أن يكشف لها سر السجود بالروح والحق ’ ذلك السجود الذى انسكبت الجماعة المسيحية الاولى على تفسيره ومازالت الكنيسة تفسره ! السجود بالروح والحق ! لقد كرس كيرلس الاسكندرى عشرة أجزاء من الباترولوجيا لشرح معنى السجود بالروح والحق ! صارت السامرية أول مبشرة فى تاريخ المسيحية . لقد قررت أن تتبع المسيح بكل كيانها ومن خلال كل حيرتها وأسئلتها وشكوكها ووجدت فيه الانسان الذى شاركها فى همومها وأخرجها من طائفيتها وشكوكها وقال لها كل شئ (يو 4 :39 )و هنا صارت التبعية نهجا ونبراسا وطعاما . النفس التى تتبع المسيح ’ وبعد كل هذه الحوارات ’ تقرر ( أن تترك جرتها ..) يو 4 :28 . السامرية لم تترك شيئا تافها كما قد يظن البعض ’ بل تخلت عن مكتب العلاقات العامة بحاله وهو (الجرة ) التى كانت تذهب بها الى البئر وأعين الشباب والشيوخ تلاحقها وبهما ومن خلالها تنسج علاقات شرعية وغير شرعية ( أذكر ’ ونحن صغار ’ أن أحد جيراننا حينما تقدم به السن وشعر بالوحدة والملل ’ قام بدق طلمبة قدام البيت ’ حتى يشعر بالونس وخاصة من الجنس اللطيف من اللواتى ياتين ويتبخترن لملء الجرر والحلل والبلاليص ! ) ترك الجرة هو قرار خطير بالتخلى عن مشروع استثمارى ضخم !!! الا يوجد بيننا حتى اليوم من يتبع المسيح مع التلاميذ ويتعجب من أنه ( يتكلم مع أمرأة !!! ) يو 4 : 27 .
5 – الذين يتبعون المسيح ’لا يتكلون على انسان (يوحنا 5 )
يسير انجيل يوحنا فى طريق تبعية المسيح بخطى ثابتة ’ بعد أن سجدنا بالروح والحق ’ ويقدم رؤية أخرى فى وسط أورشليم وفى أهم أعياد اليهود ’ ذهب يسوع ليلتقى تلميذا أخر ’ مقعد منذ 38 عاما ’ قرر وسط الزحام أن لا يتكل على انسان ’ قرر اليأس من كل ذراع بشر مهما علا شاؤ هذه الذراع ’ يأسا وجوديا وكيانيا وروحيا ’ من أهم شروط تبعية المسيح ( ...ليس لى انسان يلقينى فى البركة ..متى تحرك الماء) يو 5 : 7 . كان هناك زحام كبير ’ لكن الرجل قرر أن لا يستجدى انسانا لكى يلقيه ’ أحدهم ’ فى البركة ! قرر أن لا يصنع من عاهته ( الدينية أو الصحية أو النفسية أو الطائفية ..) مادة للتجارة والمزايدات الرخيصة ! جاء الأمر المباشر أن ( قم أحمل سريرك ...) ’ قرر الانتظار وان طال انتظاره ! ’ كان الشفاء كامنا فى الطاعة ! خبراء الكلام وأساتذة الجدل لم يفهوا شيئا ! بالطبع ! كل ما شغلهم ( لا يحل لك أن تحمل سريرك ’ لأنه سبت !!!) يو 5 : 11 . دول رؤساء الطوائف الدينية ووجهاء الأمة !!!
6 – زاد الطريق (يوحنا 6 )
التبعية الصادقة يلزمها طعام صحى وخبز حقيقى وشركة ’ هنا يقدم السيد نفسه خبزا لتابعيه ’ ولكى يقودهم فى مدرسة التبعية تدريجيا ’ قام باشباع الجموع بالخمس أرغفة والسمكتين ’ ورد بهذا عمليا على اعتراض فليبس والذى صار اعتراضنا جميعنا ( من أين !!! لا يكفيهم !!!)يو 6 : 7 . وأما يسوع فلم يدخل فى حوار أو جدل بل ( رفع عينيه ...)’ ينسى الكثيرون الغلام الذى ’ ربما أو فى الغالب ’ كان ذاهبا بالخبزات والسمكتين الى بيته وتنتظره أفواه كثيرة ’ قرر أن يتبع السيد وقدم ’ طوعا ’ قوت يوم وعائلته ’ وتركه بين يدى المعلم ’ كم أود أن أرى بحثا تلرؤيخيا عن هذا الغلام ! هذا التكريس الصبيانى والبرئ ! لقد أخزى ’ بتسليمه قوت يومه ’ أغنياء كثيون من جيله ! أمرأة وغلام هم أول من تبع السيد وقدموا له كل ما يملكون ! الأولى (جرتها ) والثانى ( لقمة عيشه وقوت يومه ) ! هم دول تلاميذ السيد فى كل جيل ’ وهم دول التابعون الحقيقيون فى كل زمان ! ثم أنتقل المعلم وبمنهجية تعليمية رائعة فى أن يكلمهم عن ( أنا هو خبز الحياة ....) يو 6 : 35. هو هو خبز الحياة ’ وليتنفلق المتذمرون من المتهودين فى كل جيل وليخاصم الأغبياء ’ دينيا ’ بعضهم بعضا لأن الزمان ليس زمانهم بل زمان اللاهوت والمتألهون العقول من التابعن للسيد والمعلم ( يو 6 :41 ’ 52 ). التابعون الحقيقيون لا يتذرعون بالحجة البليدة والكسولة ( هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه ! ) يو 6 : 60.
هنا دخلنا ف الجد ’ ووضعت الفأس على أصل الشجرة ’ شجرة تبعية المسيح ’ وبينما الكثيرون يمتنعون ويتراجعون ...يعطى يسوع الحرية لتلاميذه ومريديه وتابعيه ’ ( ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا ؟ ) يو 6 :68 ’ هنا ينبرى أحد التابعون أن يتولى عنا الاجابة ’ وهذا يحدث فى كل جيل ’ أن يجيب واحد صادق عن أمة كاذبة ! قالها بطرس وصارت حياة التابعين وقانونهم ( يا سيد ة الى من نذهب ......كلام الحياة الأبدية ...عندك ...) يو 6 : 66 . التابعون الحقيقيون لا يستلمون مسيرتهم من انسان ولا من تقاليد ولا من عادات لأنهم ’ وبكل تأكيد ’ سيخورون فى الطريق ’ بل ( نحن أمنا وعرفنا أنك أنت المسيح أبن الله ) يو 6 :69 . وهنا وأمام التلسيم الكامل للتلاميذ ’ لم يقدر المعلم الا أن يصارحهم بكل شئ لأن الطريق طويل والمسيرة تحتاج الى رجال ’ صارحهم بأن هناك حرام وسط اسرائيل الجديد ( ...أليس أنى أخترتكم الاثنى عشر وواحد منكم شيطان ...) يو 6 : 70 ’ ويصارحنا يوحنا باسم هذا الحرام وهو يهوذا ويحدد عمله ( المزمع أن يسلمه ) !!!
نكتفى اليوم بهذا القدر ونتابع فى المرة القادمة .