نادر محمد
يعد البحث عن القواسم المشتركة من أهم دعائم العمل فى مجال التقارب بين الطوائف الدينية المختلفة فى نفس الدين كما هو الحال فى العمل المسكونى (من كلمة المسكونة وهى الأرض) للتقارب بين جميع الكنائس المسيحية. ولأن الإشتراك فى تبجيل نفس القديسين الذين هم بدورهم حلقة الوصل بين الكنائس المسيحية المختلفة بإستثناء البروتساتنية منها التى لا تعترف أو تمارس أى تبجيل للقديسين إلا فى أضيق الحدود، فوجدت من الأهمية إلقاء الضوء على أحد القديسين الذى يربط بين طائفتين من المسيحين العرب وهم الطائفة القبطية الأرثوزكسية والطائفة السريانية الأرثوزكسية ألا وهو القديس مار إفرام السريانى فبمناسبة عيد نياحته يوم الأثنين 10 أبيب 1729 الموافق 22 يوليو 2013، قررت أن أكتب هذا المقال: القديس مارإفرام السريانى - المحبوب من جميع المسيحيين – لمحة عن حياته وأعماله. وهو ملخص لمحاضرة يوم الأحد الموافق 21 يوليو 2013 بدير العذراء والقديس موريس بمدينة هوكستر بألمانيا. ولد إفرام فى سنة 306 ميلادية فى مدينة نصيبين ببلاد الرافدين على الحدود التركية السورية.
هذه المدينة المتعددة الأعراق واللغات حيث يتحدث أهلها لهجات أرامية عديدة ويتحدث المسيحيون من سكانها اللهجة السريانية للغة الأرامية وهى لغة السيد المسيح. كان يعيش فى تلك المدينة فى زمن القديس مارإفرام السريانى الوثنيون واليهود وجماعات مسيحية مختلفة وبعد إتفاق سنة 298 ميلادية بين الإمبراطور الرومانى دقلديانوس وسيرس ملك الفرس إنتقلت نصبين إلى الحكم الرومانى فإرتكب الإمبراطور دقلديانوس أفظع الجرائم ضد المسيحيين وقتل الكثير منهم، فشهداء عصردقلديانوس هم الإرث الدينى لكنيسة نصيبين وهى الكنيسة الأم للقديس مار إفرام السريانى حيث تربى فيها على يد أول أساقفتها ماريعقوب الذى رسم أسقفا عليها سنة 308 ميلادية.
شارك مار يعقوب أسقف نصيبين فى مجمع نقية وربما إصطحب معه مار إفرام السريانى الذى عمده سنة 324 ميلادية وأعطاه لقب ملفان أى معلم. مار إفرام السريانى هو مؤسس مدرسة نصيبين التى أصبحت بعد عدة قرون مركز للكنيسة الآشورية الشرقية (النسطورية) فهو أيضاً كان محبوب من النساطرة وهم فرقة مسيحية خارجة عما أجمع عليه المسيحيون من الإتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية فى شخص المسيح حيث يعتقدون بميلاد المسيح بشر ثم تأله فيما بعد، فهم لا يقبلوا بلقب والدة الإله للسيدة العذراء مريم التى يرونها ولدت بشرا. قابل القديس مار إفرام السريانى القديس باسليوس الكبير فى قيصرية فى نهاية حياته سنة 372 ميلادية كما زار الرهبان المصريين.
قام مار إفرام السريانى بكتابة الأشعار الدينية المسيحية المدراشة (56 قصيدة) والميمرى وهم نوعان مختلفان فى طريقة النظم وإمكانية التغنى بهما بالإضافة إلى الكتابات الأخرى وبخاصة فى اللاهوت الدفاعى.
مار إفرام السريانى هو أعظم الأدباء المسيحيين السريان ويطلق عليه قيثارة الروح القدس وترجمت أعماله للغات كثيرة من بينها اللاتينية بدءا من القرن السادس الميلادى.
مار إفرام السريانى كان شاعرا ومفسر للكتاب المقدس وواعظ ومدافع عن العقيدة. تتسم كتاباته من حيث الموضوع بالأخلاقيات والحث على الفضيلة. تتخذ تفسيراته للعهد القديم الصبغة العلمية وللعهد الجديد الطبيعة الوعظية. أهم وأشهر أعماله الشعرية هى الأغانى النصيبية نسبة إلى مدينته، وفيها يتحدث عن مدينته فى زمن الحروب الرومانية – الفارسية ومدح لمجهودات أساقفة مدينته أثناء الحصار الفارسى لنصيبين. يتحدث فى تلك الأغانى عن راهبين معروفين له جيدا وهما أبراهام من كيدون وجوليان سابا.كما مدح السيدة العذراء مريم وابنها السيد المسيح وينهى هذه الأغانى بوصايا وأمنيات المعلم الروحى لتلاميذه.
رد فى كتاباته على هرطقات بارديسان وماركيون ومانى والغنوسيين والأريوسيين. بعد سقوط نصيبين فى يد الفرس سنة 363 ميلادية إنتقل مار إفرام السريانى إلى كهف بالقرب من مدينة الرها حيث عاش متوحدا يكتب الأشعار الدينية التى فيما بعد أضيفت فى القرن الخامس للقداس والتفاسير لأسفار الكتاب المقدس.
قام فى سنة 372 بمساعدة ضحايا المجاعة قبل وفاته فى كهفه فى عام 373 ميلادية بعد حوالى 50 سنة فى حياة الرهبنة.
فى يوم الخامس من أكتوبر سنة 1920 منحته الكنيسة الكاثوليكية لقب معلم الكنيسة وبذلك زادت الكنائس المحبة له فأعطتته لقب المحبوب من جميع المسيحيين.
قال عن القديس مار إفرام السريانى القديس يوحنا ذهبى الفم "إفرام قيثارة الروح القدس، مخزن الفضائل، معزى الحزانى، ومرشد الشبان وهادى الضالين، كان على الهراطقة كسيف زى حدين".