في مثل هذا اليوم، 5 سبتمبر2005
سامح جميل
رفضت النار أن تكون بردا وسلاما على مجموعة من مبدعي المسرح المصري من نقاد وفنانين، والذين ذهبوا لحضور عرضا مسرحيا وعادوا إلى أسرهم جثثا متفحمة.
ففي عام 2005 ذهب 50 مبدعا مصريا لحضور عرض مسرحي بعنوان "من منا"، والمأخوذ عن قصة "حديقة الحيوان" لفرقة نادي طامية بالفيوم، بقاعة الفنون التشكيلية الملحقة بقصر ثقافة بني سويف، لتنتهي مع هذا العرض حياتهم، بسبب سقوط "شمعة" من خلفية ديكور العرض أحدثت حريق في القاعة بأكملها حسب تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر عن جماعة 5 سبتمبر، والتي تشكلت بعد الحادث لمحاولة معرفة ما حدث، بعد إحداثها ثلاثة انفجارات.
كانت هناك محاولات سريعة وقتها لإخماد الحريق، لكن ألسنة اللهب التي ارتفعت وتمسكت في الستائر والسجاد والديكور المكون من الخيش والورق صعب السيطرة عليها، وساعدها في ذلك استخدام مواد سريعة الاشتعال في تجهيزات المكان، فسقط السقف المكون من "الفوم" ليتحول لنيران سائلة تتساقط فوق رؤوس الجمهور والممثلين، واشتعلت الحوائط الخشبية لتحتضن النيران المتواجدين من جميع الجهات.
لم يتمكن عمال الإطفاء وقتها، والذين وصلوا بعد الحريق بحوالي الساعة- كعادتهم- من إخماده، والسبب أنهم لم يجدوا مياه ليضخوها في خراطيم عربة الإطفاء، حالهم مثل حال رجال الإسعاف الذين وصلوا بعدها بساعات رغم تلقيهم الاستغاثات من سكان المنطقة والمسؤولين عن المسرح فور وقوع الحريق، ليذهب المصابون الذين نجحوا في الخروج من الحريق إلي المستشفيات مستقلين سيارات أجرة وسيرا علي الأقدام.
يذكر أن تقرير اللجنة أشار إلى أن الراحل حسن عبده مدير المهرجان، كان قد اتصل بإدارة الدفاع المدني لتأمين المكان قبل العرض، لكن ماكان منها إلا أن أرسلت رجل إطفاء باسطوانة محمولة وجلس في نهاية القاعة.
حسب شهادات أهالي المتوفين، كان يتم نقل الجثث المتفحمة من المسرح جثة تلو الأخرى إلى سيارة إسعاف واحدة باستخدام كيس "واحد" مخصص للجثث، فبعد نقل أي جثة كان يتم وضعها في سيارة الإسعاف "الوحيدة" الموجودة بالمكان، ثم العودة لنقل جثة أخرى باستخدام نفس الكيس، وبعد امتلاء سيارة الإسعاف بالجثث اضطر الأهالي لإيقاف سيارة نقل عابرة بالصدفة وحملوا عليها الجثث.
في المشرحة لم يختلف الوضع كثيرا، فتم إلقاء الجثث المتفحمة جميعها على الأرض بلا أغطية، حتي وصل الأهالي للتعرف علي ذويهم، وسط منظر مفزع للجميع، ما بين أوجه متفحمة وأجزاء منفصلة ملقاة بجوار بعضها بهذه الطريقة الغير ادمية.
تم التعرف علي بعض الجثث من خلال أوراق الهوية، واخرون من معالم اخري مثل الأحذية، الحلي، الهواتف المحمولة، وغيرها، حتي صرحت وزارة الصحة بأنها ستتعرف على هويات الجثث باستخدام الحامض النووي.
يذكر أن فاروق حسني وزير الثقافة وقتها تقدم باستقالته بعد أيام من الحادث، إلا أن المخلوع مبارك لم يقبلها.
وكرد فعل علي الحريق تم تشكيل لجنة تقصي حقائق من جماعة أطلقت علي نفسها "جماعة 5 سبتمبر" لمعرفة ملابسات الحادث ومحاسبة المسئولين، كما تم تشكيل هيئة دفاع قانونية عن شهداء وضحايا الحريق للمطالبة بحقوق المجني عليهم.
في عام 2006 صدر حكم محكمة جنح بندر بني سويف ضد المتهمين الذين قررت الحكومة إدانتهم وهم مصطفي علوي رئيس هيئة قصور الثقافة وقتها و 7 آخرين من الموظفين بالحبس 10 سنواات مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم، كما ألزمت وزير الثقافة بدفع تعويضات لأهالي الضحايا.
وفي مارس 2007 برأت محكمة جنح مستأنف بني سويف أربعة من المتهمين في محرقة قصر ثقافة بني سويف عام ٢٠٠٥، من بينهم مصطفي علوي رئيس هيئة قصور الثقافة، وخففت الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة ضد ٤ متهمين آخرين هم عادل فراج مصطفي فراج، مدير عام فرع ثقافة بني سويف والذي حكم عليه بالسجن لمدة ٣ سنوات وبهجت جابر محمد القباري، مدير قصر الثقافة بالسجن لمدة سنتين، وكلاً من سمير عبدالحميد حامد، رئيس قسم المسرح بقصر الثقافة سنة مع الشغل، ورجب عبدالله محمد عطوة أخصائي أمن بقصر ثقافة بني سويف سنة مع الشغل.
وحتي يومنا هذا، لا أحد يعرف حقيقة ما حدث ولمن نوجه اللوم رغم مرور 11 سنةعلى الحادثة، هل لهيئة الدفاع المدني التي رفضت التواجد من البداية وتأمين المسرح رغم مطالبات إدارة واكتفت بإرسال رجل مطافيء واحد باسطوانة حريق، أم للمسئولين عن المسرح و العرض، أم لسيارات المطافيء والإسعاف التي وصلت بعد الحادث بساعات، أم لإهمال وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة في تجهيز وتأمين القاعات، أم للحكومة التي رغم وعودها لم تدفع كل التعويضات لأهالي الضحايا، أم لوزارة الصحة التي حتي الان لم تتكلف بمعالجة مصابي الحادث رغم عدم تلقي الكثيرين للعلاج الكافي واحتياجهم للعلاج علي نفقة الدولة، أم نصمت ونكتفي بإلقاء المسئولية علي "شمعة" قاعة الفنون التشكيلية، بقصر ثقافة بني سويف؟!!