الأقباط متحدون - سيادة اللواء سيقاتل الشعب
أخر تحديث ١٢:١٤ | الثلاثاء ٦ سبتمبر ٢٠١٦ | نسئ ١٧٣٢ش ١ | العدد ٤٠٤٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

سيادة اللواء سيقاتل الشعب

زينب ابو المجد
زينب ابو المجد

 في الأسبوع الماضي عقد اللواء محمود نصر- مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية والمحاسبية، عضو المجلس العسكري- مؤتمراً صحفياً للحديث عن ميزانية القوات المسلحة. على مرأى ومسمع من ممثلي العديد من الصحف والقنوات المصرية، قال سيادة اللواء إن ما لدى القوات المسلحة «ليست أموال الدولة وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد مشروعاتها»، وإنها تدفع عليها ضرائب وجمارك. ثم أضاف أن «القوات المسلحة ستقاتل من أجل مشروعاتها الاقتصادية… ولن تتركها لأى شخص أو جهة». 

 
وفجأة تكشف لنا، نحن الشعب، أن «آخر عمود للدولة»، الجيش، إنما يستبطن الانفصام عنها والانشقاق عليها!
 
في واقع الأمر، بيزنس الجيش المدني ليس عرق القادة الجالسين في المكاتب المكيفة، وإنما هو أولاً عرق جبين الشعب من مجندين وعمال غلابة، وأي حديث دون ذلك هو إبخاس مُهين لجَهد هؤلاء. بالإضافة لذلك، قامت القوات المسلحة المصرية باختراق البنية القانونية للدولة لتأسيس نفسها كمتهرب رسمي من الضرائب والجمارك، متسترة في ذلك تحت غطاء هامش الإنتاج الحربي الذي تقوم به.
 
سأضرب بعض الأمثلة على هذا فيما يلي. وسأتحدث قليلاً أيضاً عن التجربة الصينية، التي نزع فيها الحزب الحاكم عن الجيش كل المشروعات المدنية، التي امتلكها ووضع موازنته تحت رقابة البرلمان، ولم يحتج الجيش الصيني عندها قائلاً إن «المال مال وزارة الدفاع».
 
كما أوضحت في مقالات عدة سابقة، تدير القيادات العليا في الجيش - سواء كانت في الخدمة أو بعد تقاعدها- عدداً ضخماً متشعباً عبر بقاع الجمهورية من مصانع وشركات مدنية. فيما عدا القليل من الإنتاج الحربي، الذي تقوم به بعض من تلك المشروعات، ينخرط رجال الأعمال الجدد المرتدين للزي الكاكي في كل شيء، بداية من إنتاج المكرونات الفاخرة ومبيدات الصراصير والنمل، لبيع السولار المنعدم من السوق في بنزينة وطنية، لإدارة مزارع الفاكهة والحيوانات وتنظيف البيوت ورشها وبيع الخردة المتينة.
 
من الصعب تخيل أن الجنرالات الكبار المانحين للأوامر من مقاعدهم الوثيرة فوق يتصببون عرقاً في أماكن تلك المشروعات.  إنما هو العرق القاسي المر لمئات الآلاف من المجندين من زهرة شباب مصر الفقراء والمتعلمين تعليم عالٍ منهم. يقضي هؤلاء أفضل سنوات عمرهم بالجيش ليتم أثنائها استغلال أجساد الكثيرين منهم للعمل المجاني المشبع بالذل في مشروعات لا تمت للقتال بصلة. جميعناً يعرف أن راتب المجند لا يتجاوز جنيهات زهيدة، تتراوح حسب الروايات الشفاهية لمجندين سابقين وحاليين بين ١٠٠ جنيه و١٨٠ جنيهاً في الشهر، تلك الأموال لاتكفيه حتى لدفع ثمن مواصلاته الشاقة من وإلى معسكرات سخرته.
 
جدير بالذكر هنا أن راتب المجند في إسرائيل- التي يوجد بها تجنيد إجباري مثلنا- يصل إلى ٢٠٠ دولار شهرياً، وهو تقريباً عشر راتبه، الذي قد يحصل عليه من وظيفة تقتضي مؤهل جامعي بعد التخرج، في بلد يصل مستوى الدخل فيها إلى ٢٥٠٠ دولار شهرياً. لكن فوق ذلك الراتب، يحصل المتزوجون من المجندين الإسرائيلين على إضافات أسرية وأخرى للإيجار والمياه والكهرباء..إلخ، وتيسر شهادة الخبرة المتخصصة من الجيش بعد ذلك حصول المجند على عمل وعلى قروض لشراء منازل في المناطق حديثة الإنشاء. أما المجند في الولايات المتحدة- التي لا يوجد بها تجنيد إجباري مثلنا، لكنه بالاختيار والتطوع- فهو في هناء ونعيم يُحسد عليه مقارنة بالجندي المصري البائس. حيث يصل راتب المجند، بالأخص الذي يخدم في مهمة خارجية، إلى ٥٠٠٠ دولار شهرياً، وهو تقريباً ضعف راتب أي طالب جامعة حديث التخرج. بالإضافة لما يحصل عليه من منح تعليمية ضخمة.
 
أموال القوات المسلحة هي أيضاً عرق جبين عشرات الآلاف من الصنايعية والفنيين المدنيين المهرة. على سبيل المثال، يوجد على الأقل ٤٠ ألف عامل مدني في وزارة الإنتاج الحربي، يقفون في ورش نصف إنتاجها تقريباً من السلع الاستهلاكية وليست الحربية- حسب تصريحات وزير الإنتاج الحربي السابق.
 
الكثير من هؤلاء العمال يتمتعون بحرفية عالية وأحياناً نادرة في مجال أو آخر، حيث يتخصصون في أشياء غاية في الدقة، مثل إنتاج أجهزة التليفزيون، أنابيب البوتاجاز والحواسب الآلية، ولا يمكن تصور أن لواءات الجيش، مديري المصانع الحربية، يمتلكون مثل تلك المهارات اليدويه اللازمة لتجميع هذه السلع.
 
أما عن الضرائب والجمارك، التي أكد سيادة اللواء أنهم يدفعونها، فبنظرة سريعة على قوانين الدولة نجد أن العسكر قد أسسوا لأنفسهم وضعية، «متهربين رسميين» من أي مستحقات للبلد عليهم. يكاد لا يوجد قانون متعلق بدفع مال إلا وفيه بنداً يستثني مشروعات القوات المسلحة، وحجتها في تلك الإعفاءات هو القليل الذي تنتجه من سلع حربية.
 
على سبيل المثال وزارتي الدفاع والإنتاج الحربي، فكلتاهما معفيتان من الجمارك. بنص المادة (١) من قانون الإعفاءات الجمركية رقم ١٨٦ لعام ١٩٨٦: «يعفى من الضرائب الجـمركية…١-ما تستورده وزارة الدفاع والشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربى لأغراض التسليح من أسلحة وذخائر وتجهيزات ووسائل نقل ومواد وأدوات وآلات ومهمات وأجهزة طبية وأدوية. ٢-ما تستورده الحكومات والمؤسسات الأجنبية، تنفيذاً لعقود تبرمها مع وزارة الدفاع لأغراض التسليح». وبالطبع أي شيء وكل شيء يمكن إدراجه تحت بند الحاجة له في أغراض التسليح. والدليل الرسمي على ذلك صدر على لسان اللواء على صبري، وزير الإنتاج الحربي، حيث صرح في الشهر الماضي بأن بعض منتجات الوزارة المدنية من «الصلب والمنتجات الهندسية والإلكترونية معفاة من الجمارك أو تُفرض عليها رسوم زهيدة».
 
أما جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ، التابع لوزارة الدفاع، فهو معفى من الضرائب على الدخل، بنص المادة (٤٧) من قانون رقم ٩١ لسنة ٢٠٠٥ للضريبة: «تُفرض ضريبة سنوية على صافى الأرباح الكلية للأشخاص الاعتبارية أياً كان غرضها، وتسرى الضريبة على…عدا جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع».
 
مشروعات العسكر معفاة أيضاً من ضريبة المبيعات، بنص المادة (٢٩) لقانون رقم ١١ لسنة ١٩٩١ للضريبة العامة على المبيعات: «تُعفى من الضريبة كل السلع والمعدات والأجهزة والخدمات المعنية في هذا القانون اللازمة لأغراض التسليح للدفاع والأمن القومي وكذلك الخامات ومستلزمات الإنتاج والأجزاء الداخلة في تصنيعها». ثم تشرحها المادة رقم ٢٣ من اللائحة التنفيذية لعام ٢٠٠١ مفصلة: «تسرى أحكام هذه المادة على جميع قيادات القوات وهيئات وإدارات وأجهزة القوات المسلحة والصناديق التابعة لوزارة الدفاع أو الملحقة بها»، ويتضمن ذلك، حسب نص المادة، «الشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربى» و«الهيئة العربية للتصنيع». مرة أخرى، بالطبع أي شيء يمكن تأويله على أنه أجزاء تدخل في صناعة التسليح.
 
في نهاية القرن الماضي، جرد الحزب الحاكم الصيني جيش الدولة من جميع ممتلكاته من بيزنس مدني مربح. لم تتمرد جنرالات القوات المسلحة الصينية عندها قائلة أنها ستقاتل الجميع من أجلها. لكن ابتلع الجيش أوامر الحزب صاغراً، وعاد لشغلته الأصلية. 
 
تورط الجيش الصيني في مذبحة كبرى ضد المتظاهرين العزل عام ١٩٨٩، حيث قتل في ميدان تيانانمين المئات وربما الآلاف من الطلبة المحتجين، ولم يترك خلفه في الميدان دليلاً واحداً على فعل القتل. ثم انخرط الجيش الصيني بعد ذلك في بيزنس مدني، لأن بلاده كانت قد توقفت عن الحروب مع جيرانها ولم يعد لديه شيء يفعله. طوال التسعينيات، توسعت مشروعات جنرالات الصين من تجارة الشقق والأراضي والمقاولات وإنتاج سلع استهلاكية وإدارة الفنادق والمزارع. ووُصمت أعمالهم بالفساد المتزايد، وكشفت الرقابة الحكومية عن تهرب من الجمارك وأرباح غير معلنة واستغلال النفوذ في التسويق. وصل عدد تلك المشروعات إلى٢٠ ألفاً قامت بتوظيف ملايين العمال، معظمهم إما من صفوف الجيش أو أقاربهم، وكانت تربح حوالي ١٣ بليون دولار سنوياً.
 
لم يرضَ الحزب الحاكم في الصين عن ذلك الوضع، حيث استشعر قادته المدنيون بدء استقلالية الجيش وانشقاقه عن باقي مؤسسات الدولة. فجاءت ضربة الحزب القاضية عام ١٩٩٨، عندما تمت مصادرة ممتلكات الجيش التجارية وبيعها، وتُركت له فقط المشروعات التي تخدم الاحتياجات الدفاعية. وفي خلال عامين اثنين فقط انتهى الحزب الحاكم في الصين من عملية بيع بيزنس الجيش، وفوق ذلك أيضاً تم جعل موازنته علنية منشورة، بعد أن ظلت لسنوات سرية تظهر كرقم واحد فقط في ميزانية الدولة، فضلاً عن أنه لابد أن يوافق عليها البرلمان بعد مناقشتها تفصيلاً في جلساته.
 
هذا عن الحزب الحاكم الصيني، أم عن الحزب الحاكم المصري، «الحرية والعدالة»، فإنه في الواقع الآن يقتسم حصص البيزنس في البلد مع العسكر، على مرأى ومسمع من شعب وصل به إحباط الوقوف أمام محطات البزنين ومستودعات الأنابيب وأفران العيش للحلقوم. يحدثنا قادة حزب الحرية والعدالة عن وضعية خاصة وأحياناً متميزة للعسكر في الدستور، وحتى إن وصل الأمر لرقابة برلمانية على موزانة العسكر فلا داعي إطلاقاُ للقلق، فرئيس لجنة الدفاع  بمجلس الشعب، الذي سيقوم على تلك المهمة لواء جيش سابق وعضو حالٍ في الحزب. ثم أخيراً ظهر خيرت الشاطر، أخطبوط البيزنس السري الغامض، كمرشح الحزب للرئاسة، بعد أن منحه العسكر العفو اللازم من عقوباتهم السابقة عليه، ليتمكن من خوض المعركة. بالإضافة إلى أنه لا أحد حتى الآن يعرف لماذا بالضبط يخوض «الشاطر» تلك الانتخابات، لا نعرف أيضاً ما الوعود التي قطعها على نفسه للسماح له بذلك، هل كان منها لا تقلقوا، لن نمس ما تملكون، «لكم بيزنسكم ولنا بيزنسنا!».
 
في النهاية أحب أقول لسيادة اللواء وخيرت معه اقتلونا.. «قتلي ما حيعيد دولتك تاني»
 
نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع