الأقباط متحدون - «ماسبيرو زمان»
أخر تحديث ١١:٢٧ | الخميس ٨ سبتمبر ٢٠١٦ | نسئ ١٧٣٢ش ٣ | العدد ٤٠٤٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

«ماسبيرو زمان»

خالد منتصر
خالد منتصر

أصبحت مشاهدة قناة «ماسبيرو زمان» بالنسبة لى إدماناً يومياً وطقساً تليفزيونياً ثابتاً، هناك جزء مرتبط بالنوستالجيا حنين الماضى أما الجزء الأكبر فمرتبط بإنعاش الذاكرة وتنظيف الأذن وغسيل العين واستدعاء عمالقة هذا الزمن من مفكرين وفنانين، بالطبع هناك أوجه قصور كبيرة فى القناة على رأسها أنها لا بد أن تتخلص من فلسفة «الزنبيل» وسياسة «مقاول الأنفار»، فهى ليست مجرد شاشة ترص فيها البرامج جنباً إلى جنب على رف السوبرماركت بدون رؤية تجمع وتحلل وتفرز، هذه القناة ليست زنبيلاً تلملم فيه هذه الكنوز والجواهر، وليست مقاول أنفار يجمع عمال التراحيل «كلّشينكان» وعلى كل لون يابطسطه للم الدودة ولطع القطن!!

المسئول عن قناة «ماسبيرو زمان» لا بد أن يملك رؤية يجمع فيها كل هذه الجواهر فى عقد منتظم لفرز الغث من السمين، ويختار من برامج العمالقة ما يستحق التحليل والدراسة والتعليق عليه، قناة «ماسبيرو زمان» ليست متحفاً للأنتيكات ولا متجراً للروبابيكيا، لا بد ألا يتعامل معها التليفزيون بهذا المنهج الرث المتهافت، أسعدنى الحظ خلال أسبوع أن أشاهد ثلاثة من عمالقة الإبداع والفكر المصرى والعربى، د. طه حسين مع المذيعة المثقفة المتألقة ليلى رستم، والكاتب القصصى يحيى حقى مع المذيعة الراحلة أمانى ناشد، وعملاق المسرح توفيق الحكيم مع الشاعر الكبير فاروق شوشة فى أمسيته الثقافية، تلك التجربة البرامجية التى لم تتكرر حتى الآن، هذه اللقاءات الثلاثة تحتاج أعداداً خاصة من الجريدة لتفريغ وتحليل ما قيل فيها، لذلك سأكتفى بثلاث لقطات أو لمحات من تلك اللقاءات الثرية، التى لو فطن إليها المسئول عن تلك القناة لخرج منها ببرامج تعلق وتحلل وتكون مصدر ثراء موازياً آخر، طه حسين فى لقائه الذى أعده كاتب له وزن وصحفى هو شخصياً قامة ثقافية مستقلة، أنيس منصور الذى سأله عميد الأدب العربى عما إذا كان قد فهم العبقريات أم لا؟، وعندما ارتبك أنيس سارع طه حسين بالإجابة بأنه شخصياً لم يفهم ما سر ربط النبى محمد بنابليون ومقارنتهما كقائدين عسكريين!!

انتقد طه حسين هذا الربط المتعسف بكل جسارة دون الوقوع فى فخ بيان الإعجاز الحربى للإسلام.. إلى آخر هذه الطنطنة التى نقدمها بشكل دعائى غير علمى، كان هذا هو مستوى النقاش، كان هذا هو مستوى المذيع، أما الضيوف فيكفى أن تعرف أن الصالون كان يضم يوسف السباعى ونجيب محفوظ ومحمود أمين العالم وعبدالرحمن بدوى وعبدالرحمن الشرقاوى وأمين يوسف غراب.. الخ، والذين يمثل كل ضيف منهم مؤسسة ثقافية متحركة، أما حلقة يحيى حقى، هذا الكاتب الكبير المتواضع الوحيد الذى وضع القلم جانباً واعتزل قائلاً بمنتهى الصدق مع النفس «كفى ما عدت قادراً على العطاء»، قال جملة بليغة عبقرية تعبر عن مستوى التعامل الراقى بين مبدعى ذلك الزمان والمفروض أنهما متنافسان فـ«حقى» ملك القصة القصيرة آنذاك ومحفوظ ملك الرواية، الجملة التى قالها حقى هى «أنا فخور بأننى أعيش زمن نجيب محفوظ»!!! فى نبوءة مبكرة بـ«نوبل»، نأتى إلى ثالث القمم التى أطلت من نافذة «ماسبيرو زمان»، توفيق الحكيم، والذى قال وتنبأ لفاروق شوشة بأن العصر المقبل هو عصر الروبوت الذى ستسيطر فيه التكنولوجيا على كل شىء وتجف فيه المشاعر وسبل التواصل، قالها برؤية المثقف زرقاء اليمامة الذى يلملم قطع بازل الواقع المبعثرة ليشكلها أمامنا حياة نابضة نراها على الهواء مباشرة من خلال نظرته وعقله وقلبه وإحساسه.

هذه مجرد لمحات من دقائق عشتها مع ماضٍ ما زال قادراً على تعليمنا وشحن بطارياتنا الفكرية والعاطفية حتى الآن.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع