بقلم :الانبا ارميا | السبت ١٠ سبتمبر ٢٠١٦ -
٤٧:
٠٤ م +02:00 EET
الانبا ارميا
أهنئ إخوتنا المسلمين جميعًا فى "مِصر" والشرق الأوسط والعالم بـ"عيد الأضحى"، ونصلى إلى الله أن يهب للجميع سعادة وسلامًا، متمنين كل الخير لوطننا المُفَدَّى "مِصر".
ومع قُدوم الأعياد، تشعر بنبضات الحياة تسرى بين الجميع محتفلين كانوا أو مهنئين، فى محبة ووئام، يتشاطرون السعادة والأمنيات السعيدة بعضهم لبعض؛ وفى هٰذا التشارك تتدفق مشاعر المحبة والخير والعطاء بينهم. وهنا أتذكر "تِشِن": ذٰلك الطفل الذى عاش زمانًا بأسره، ربما لم يَعِشه كثيرون كان عدد أيامهم فى الحياة أضعاف أيامه على الأرض، وقدم عطاءً يحمل معه نبض الحياة لآخرين، ونموذجًا يحمل أول دُروس الأعياد: "العطاء"؛ لا لمن نعرِفهم فقط، وإنما العطاء للجميع: للأسرة، للأقرباء، للجيران، للمعارف، وأيضًا للغرباء، والمحتاجين.
إعلاء الإنسانية
فى العطاء: أنت تقرر أن الإنسان هو الأهم، وأنه يجب أن يُبذل من أجله المال، والجُهد، بل الجَهد، إذ هو نواة الإنسانية التى يجب أن تُحفظ كرامتها، ويجب أن تساعد البشرية فى بنائه وتعليمه؛ إنها شركة العائلة الإنسانية التى نحياها حقًّا.
أسلوب حياة
لا يستطيع الإنسان أن "يُعطِي" ولا "يُعطِي" فى وقت واحد! فهو إما أن يُعطِى حقيقةً أو لا يعطي، أى إن الإنسان إما يكون محبًّا للآخرين ويساعدهم على نحو حقيقى فيقدم لهم ما يحتاجونه بصدق وأمانة، وإما أنه يحاول اتخاذ مظهر العطاء ولٰكنه فى حقيقة الأمر لا يقدم لهم شيئًا مفيدًا، أو أنه يقدم محبة ضارة، أو شيئًا بعيدًا عن احتياجهم الحقيقى. وليس العطاء هو مجرد انفعال لمشاعر مؤقتة تزول سريعًا. أعجبتنى كلمات تقول: "العطاء ليس لحظة انفعال وقرار، بل هو ممارسة وأسلوب حياة.". أمّا أولٰئك الذين يقدمون لمن يحبونهم فقط، فهم لم يتعلموا بعد سر العطاء الحقيقى.
كذٰلك فإن العطاء ليس تبادلاً بين البشر، يمُد الإنسان فيه كلتا يديه: واحدة تمنح، والأخرى تنتظر أن تأخذ!!
ثنائى الاتجاه
يقولون: "فعل الخير لا يضيع هدْرًا مهما صغُر". إن من أهم سمات العطاء هى أنه "ثنائى الاتجاه": فحين يُعطى الإنسان فهو فى اللحظة نفسها يأخذ أيضًا ! وليس المقصود هنا هو حصوله على مقابل للعطاء، وإنما هو يمتلئ بمشاعر السعادة والراحة والفرح إذ بذور الخير فى أعماقه تنبت وتهب ثمارًا لا تُشترى بأموال وكُنوز. أيضًا تفيض فى نفس المعطى المسرور مشاعر المحبة التى تقربه من الله ـ تبارك اسمه ـ كلى المحبة والعطاء لجميع البشر، الذى يجازى كل إنسان بحسب عمله. فإن طالت الأيام أو بعدت، فلن يضيع أجر خير قدمته. وبذٰلك تصير الحياة طريق إسعاد الآخرين. وفيما نحن نقدم للجميع، يُرسِل الله إلينا من يقدم لنا ما نحتاجه؛ وهٰكذا: كلما بذل الإنسان مزيدًا، وجد أكثر يقدَّم له، حتى دون أن يفكر فى طلبه !
والعطاء ليس فى المال فقط بل فى جميع جوانب الحياة.
كل عام وجميع المِصريِّين بخير.
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع