الأقباط متحدون - الحصاد المر
أخر تحديث ١٢:١٤ | الأحد ١١ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ١ | العدد ٤٠٤٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الحصاد المر

د. عماد جاد
د. عماد جاد

 نظرة سريعة على خريطة توزيع نظم الحكم الديمقراطية فى العالم تقول لنا إن المنطقة العربية تكاد تكون الاستثناء الوحيد من الديمقراطية، فالديمقراطية انتشرت فى دول كانت حتى عقود قليلة ماضية توصف بأنها سلطوية، استبدادية أو فاشية، انتشرت الديمقراطية فى الشطر الأوسط والشرقى من القارة الأوروبية بعد سقوط النظم الاشتراكية فى نهاية الثمانينات وتحديداً اعتباراً من سقوط سور برلين عام ١٩٨٩، واجتاحت الديمقراطية أيضاً دول أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى بعد أن كانت ترزح لسنوات طويلة تحت حكم ديكتاتورى عسكرى أو سلطوى مدنى، ثم بدأت الديمقراطية تنتشر فى ربوع آسيا وأخيراً زحفت الديمقراطية على القارة السمراء ووصلت إلى دول ودويلات تقوم على نظم قبلية قاسية تفصلها عن المدنية الحديثة عقود وعقود من السنين.

 
الملاحظ أن الديمقراطية لم تستقر فى العالم العربى لا شقه الآسيوى ولا جناحه الأفريقى، فكل منهما مثل استثناء من ظاهرة انتشار الديمقراطية وبينما تخندقت دول كالسعودية وراء الخصوصية الثقافية والذاتية، اكتفت نظم أخرى لا سيما الجمهوريات الرئاسية بقشور الديمقراطية حيث اعتبرت وجود المؤسسات كافياً للادعاء بوجود الديمقراطية، اختزلت الديمقراطية فى مجموعة من الإجراءات والطقوس، منها إجراء انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء البرلمان، وهى انتخابات شكلية يجرى تحديد الحصص والمخصصات من قبل أن تجرى الانتخابات ومن ثم لا تعدو الانتخابات أن تكون مجرد إجراء شكلى، كذلك الحال بالنسبة للاستفتاءات على منصب الرئيس، والتى تحولت مع الموجة قبل الأخيرة التى وصلت المنطقة أوائل القرن الحادى والعشرين إلى انتخابات تعددية شكلية.
 
من بين ٢٢ دولة عربية تتوزع على قارتى آسيا وأفريقيا لا توجد دولة واحدة يمكن وصف نظامها بأنه ديمقراطى حقيقى، فالنظم القائمة فى هذه الدول لا يمكن وصفها بالديمقراطية، بعضها لا يعنيه الوصف ومن ثم يرفض الديمقراطية ويعتبرها بدعة وضلالة غربية لا تتوافق وحضارة وثقافة الأمة، وبعضها الآخر يأخذ بقشور الديمقراطية والإجراءات الشكلية فقط. لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تقاوم انتشار قيمة الديمقراطية ومعها قيم مصاحبة لا مجال لرسوخ الديمقراطية دونها كالمساواة، الحرية والعدل، لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تتحايل على الديمقراطية عبر ادعاء الخصوصية والذاتية، قليلة هى دول العالم خارج المنطقة العربية، التى يمكن وصفها بأنها دول غير ديمقراطية، فالديمقراطية استقرت فى أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى، واجتاحت قارة آسيا، ثم بدأت تنتشر فى القارة الأفريقية لكنها لم تجد موطئ قدم فى البلدان العربية فى آسيا وأفريقيا،
 
الدول الآسيوية التى كانت ترزح تحت حكم عسكرى وتلك التى كانت تحكم بنظم شمولية وسلطوية تغيرت وباتت ديمقراطية وحققت تقدماً كبيراً على طريق التنمية السياسية والاقتصادية وبعضها غادر العالم الثالث بتخلفه وفقره ودخل العالم الثانى ومنها من بدأ يغادر العالم الثانى فى طريقه إلى العالم الأول، مثل كوريا الجنوبية، تحقق الأمر نفسه فى أفريقيا لكن جنوب الصحراء وباتت الدول والدويلات القبلية المتخلفة دولاً ديمقراطية حقيقية، بل إن جنوب أفريقيا نفضت عن نفسها غبار العنصرية بسقوط نظام الفصل العنصرى وشقت طريقها باتجاه نظام ديمقراطى حقيقى قفز بها مراحل عديدة على طريق التنمية، ويكفى أن العالم عندما يبحث عن دول تحصل على العضوية الدائمة فى مجلس الأمن الدولة أسوة بالدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية، توقف عند جنوب أفريقيا ممثلاً للقارة السمراء وعند البرازيل والأرجنتين عن أمريكا الجنوبية والهند عن القارة الآسيوية، ولا مجال لذكر دولة عربية واحدة، فجميع الدول العربية استراحت فى مصاف دول العالم الثالث واستقرت هناك وغير مرشحة لمفارقته لفترة زمنية طويلة مقبلة، وهناك دول أخرى قريبة من التعثر ويمكن أن تنزلق إلى مرتبة الدول الفاشلة. السؤال هنا لماذا كل ذلك ولِم بات العالم العربى استثناء من التنمية الشاملة وفى مقدمتها السياسية التى تعنى إرساء أسس الديمقراطية؟ إنها الثقافة المعادية لقيم الحرية، المساواة والديمقراطية والتى تجرح قيم حقوق الإنسان، إنه التخلف الثقافى الذى جعل عالمنا العربى يقبع فى منطقة ما قبل التحضر عبر الخلط بين الدين والسياسة، عبر تديين المجال العام، ومن ثم عرقلة القبول بقيم الحرية، المساواة، المواطنة، ومن ثم الديمقراطية.
 
نقلا عن الوطن

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع