الأقباط متحدون - حوار مع أبى: وألحقنى بالصالحين
أخر تحديث ٠٦:٥٩ | الأحد ١١ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ١ | العدد ٤٠٤٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

حوار مع أبى: وألحقنى بالصالحين

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 سمعتُ أبى يختمُ صلاتَه بقوله: «ربِّ أوزعنى أن أشكرَ نعمتَك التى أنعمتَ علىَّ وعلى والدى وأنْ أعملَ صالحًا ترضاه، وأدخلْنى برحمتِك فى عبادِك الصالحين». 

 
فاندهشتُ وسألتُه: «يا أبى، لماذا تتواضع فى دعائكَ ربّكَ وهو الكريم ذو الفضل؟! أنت رجلٌ صالحٌ بالفعل. فكيف تدعوه أن يُدخلكَ فى زُمرة الصالحين وأنت منهم؛ بينما بوسعكَ أن تدعوه أن يُدخلك الجنّة مباشرة؟ أليس الطمعُ فى كرم الكريم مُباحًا؟ هل تدعوه بما فى يدك، وتستحى أن تدعوه بما هو المُنتهَى حيث الفردوس الأعظم؟».
 
ابتسم أبى فأشرقت وسامتُه، وقال: «ومَن قال إن مرتبة الصالحين ليست هى المُنتهَى الأعظم؟! مرتبةُ الصالحين هى حُلمُ الأبرار والأتقياء، بل هى حُلمُ الأنبياء والرسل». هل تدرين مَن قائلُ ذاك الدعاء الذى ختمتُ به صلاتى؟ إنه لنبى الله سليمان؛ قاله ضاحكًا حين سمع النملة تُحذّر رفيقاتها ليدخلن مساكنَهن لئلا يدهسهن موكبُ الملك سليمان. «حتى إذا أتوا على وادِ النملِ قالت نملةٌ يا أيها النملُ ادخلوا مساكنَكم لا يحطمنّكم سليمانُ وجنودُه وهم لا يشعرون. فتبسّم ضاحكًا من قولها وقال ربِّ أوزعنى أن أشكرَ نعمتَكَ التى أنعمتَ عليَّ وعلى والدىّ وأن أعملَ صالحًا ترضاه وأدخلنى برحمتِكَ فى عبادك الصالحين». (النمل 18-19). هتفتُ متعجّبةً: «نبىّ مُرسَل يرجو ربّه أن يجعله عبدًا صالحًا؟» فقال أبى: «وبرحمة الله، لا بعدله»، كأنما يخافُ النبىُّ ألا يستحق تلك المرتبة العليا بعدل الله، فطلبها برحمته. 
 
ثم أردف أبى: «وليس النبىّ سليمان وحسب من تمنّى هذا على الله، بل كذلك نبىّ الله يوسف. حيث يقول القرآنُ على لسانه عليه السلام: (ربِّ قد آتيتنى من الُملك وعلّمتنى من تأويلِ الأحاديث فاطِرَ السمواتِ والأرض أنتَ وليِّى فى الدنيا والآخرة توفَّنى مسلمًا وألحقنى بالصالحين). (يوسف 101). كذلك أبوالأنبياء إبراهيم عليه السلام كان يدعو ربَّه أن يجعل ذريّته من الصالحين، كما فى قوله: (ربِّ هَبْ لى من الصالحين، فبشّرناه بغلامٍ حليم،....، وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصالحين). (الصافّات 100-101- 112)». وفى موضع آخر: «ووهبنا له إسحاقَ ويعقوبَ وجعلنا فى ذريّته النبوةَ والكتابَ وآتيناه أجرَه فى الدنيا وإنه فى الآخرةِ لمن الصالحين» (العنكبوت 27). وفى موضع آخر: «ووهبنا له إسحاقَ ويعقوبَ كلاًّ هدينا ونوحًا هدينا من قبلُ ومن ذُريّته داودَ وسليمانَ وأيوبَ ويوسفَ وموسى وهارونَ وكذلك نَجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياسَ كلٌّ من الصالحين». (الأنعام 84). ثم يصفُ اللهُ نبيَّه إبراهيم بقوله: «ولقد اصطفيناه فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين»، (البقرة 130). 
 
التفتَ لى أبى سألنى: «ما سرُّ سؤالك اليوم عن الصالحين يا حبيبتى؟ لابد أن فى الأمر خطبًا عظيمًا». فقلتُ: «نعم يا أبى. ذكرتُ سيدنا إبراهيم فى تغريدة على صفحتى بأنه (رجل صالح)، فقال نفرٌ إننى أهنتُ أبا الأنبياء ونزعتُ عنه نبوتَه! ورفع أحدُهم ضدى دعوى ازدراء إسلام!»، ابتسم أبى فى مرارة وقال: «إنما نعتِّه يا ابنتى بما كان يتمنّى أن يناله ويُنعَتَ به»، فقد دعا الخليلُ ربّه قائلا: «ربِّ هَبْ لِى حُكْمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِين» (الشعراء 83). كذلك فعل سيدنا محمد عليه الصلاةُ والسلام فى دعائه لنفسه: «اللهمَّ توفَّنا مسلمين، وأحيينا مسلمين، وألحِقْنا بالصالحين، غيرَ خزايا ولا مفتونين». لو أتعب مَن قاضاكِ نفسَه قليلا وبحث فى الطبرى أو فى كتاب الله، لعرف أن القرآن الكريم، وحتى الأسفار القديمة منذ التلمود، قد نعتت الأنبياءَ جميعَهم بالرجل الصالح. وأنّ مقام الصالحين من المقامات الرفيعة العليا، الّتى اجتهد الأنبياءُ والأولياء والرسلُ فى طلبها والوصول إليها. مَن قاضاكِ يا حبيبتى، شأنه شأنَ كلّ من يجعلون من أنفسهم خلفاءَ الله على الأرض، غير مشغولين بالتعلّم والبحث. فلا تحزنى، ألا إنّ نصرَ الله قريب. رحمكَ اللهُ يا أبى، وألحقكَ بالصالحين.
نقلا عن المصرى اليوم
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع