من حقك أن تكتب كما تريد، أن تنتقد كيفما تشاء، أن تطلق سهامك بكل قوة، وأن تكشف الفساد فى عقر داره، وأن تبلغ الرأى العام بحقائق ما يجرى، ولكن فقط يجب أن يكون الانتقاد مبنياً على معلومات حقيقية، وليست كاذبة أو مغلوطة، أو أن ترويجها يستهدف أهدافاً أخرى خفية.
وفى الأسبوع الماضى سادت الأوساط المصرية حالة من الارتباك الشديد، والادعاءات المغلوطة التى وصلت إلى حد التجنى، إذ قام البعض بنشر خبر كاذب على مواقع التواصل الاجتماعى يؤكد أن محافظ القاهرة الجديد عاطف عبدالحميد اتُهم من قبل جهاز الكسب غير المشروع فى عام 2013 بأنه تعدى على المال العام؟!
وبين يوم وليلة، قامت الدنيا ولم تقعد، تحركت اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان وغيرها، وبدأت الفضائيات تتساءل، وظل الناس فى حيرة من أمرهم.. بل إن البعض بدأ يردد أن هذا النظام يفتح الطريق أمام «الفساد والفاسدين».
لم يكلف أحد من هؤلاء نفسه أن يتساءل عن حقيقة ما يتردد قبل أن يتورط فى الكتابة، ويردد شائعات كاذبة، كان بإمكان أى من هؤلاء الكتاب أو الإعلاميين أن يتواصل مع جهاز الكسب غير المشروع ويسأل ويتساءل عن حقيقة ومضمون الخبر الذى يسرى كالنار فى الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعى.
ولكن واأسفاه، لقد انقادوا خلف الخبر المجهول، وراحوا يرددون ذات الأكاذيب فى برامجهم ومقالاتهم، واستغل هؤلاء العطلة الأسبوعية لنشر هذا الكلام على نطاق واسع وعندما أطل المستشار يحيى قدرى محامى المهندس عاطف عبدالحميد ليروى الحقيقة فى هذه القضية راح البعض يشكك ويردد نفس الأكاذيب.
وصباح السبت كانت هناك العديد من المقالات والتغطيات الصحفية، تتساءل كلها عن الهدف من وراء تعيين شخص اتُهم بالتعدى على المال العام فى منصب المحافظ، وراح البعض يشير فى خبث إلى أن الحكومة المصرية تدعم الفساد والمفسدين.
وفى صباح ذات اليوم اتصلت بالمستشار عادل السعيد مساعد وزير العدل ورئيس جهاز الكسب غير المشروع لأسأله عن حقيقة ما يتردد، فنفى الأمر جملة وتفصيلاً، وقال إن الجهاز سيصدر بياناً فى نفس اليوم، وبالفعل ساعات قليلة وأصدر جهاز الكسب بياناً أكد فيه عدداً من الحقائق الدافعة أبرزها:
1- نفى الجهاز فى بيانه بصورة قاطعة صحة ما تناولته بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية ووسائل الإعلام وما تردد حول حصول أعضاء مجلس الإدارة من ممثلى المال العام فى الشركة المصرية لخدمات الطيران، ومن بينهم المهندس عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة الحالى، على مبالغ مالية بالمخالفة للقانون.
2- أن المهندس عاطف عبدالحميد لم يقم بسداد أية مبالغ مالية لجهاز الكسب أو أية جهة أخرى.
3- أن التحقيقات التى جرت فى شأن البلاغات المقدمة من بعض الأفراد قد انتهت إلى حفظ الأوراق بالنسبة لجميع المشكو فى حقهم فى عام 2013.
والحقيقة أن الأمر لم يتوقف عند جهاز الكسب غير المشروع أو البيان الصادر من محافظ القاهرة أو محاميه، بل إن مجلس الوزراء ذاته أصدر بياناً من خلال مركز المعلومات التابع له ينفى فيه هذه الواقعة ويؤكد على تحريات الأجهزة الرقابية عن أى شخص مرشح لمثل هذه المناصب.
وقد جرى اتصال بينى وبين السيد المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء عصر السبت نفى فيه كل هذه المعلومات الكاذبة والتى استهدفت الدولة المصرية قبل أن تستهدف محافظ القاهرة الجديد.
وحقيقة الأمر التى يتوجب أن يدركها البعض، أنه فى ظل حكم محمد مرسى، تقدم بعض الأفراد المرتبطين بجماعة الإخوان بعدد من البلاغات استهدفت الفريق أحمد شفيق وبعض أركان فريقه الانتخابى، وكان من بينهم المهندس عاطف عبدالحميد. وجاء فيه أن هذه القيادات حصلت على بدلات مقابل عضويتهم بمجالس إدارات عدد من الشركات وبدأت نيابة الأموال العامة فى التحقيق وأحالت البلاغ فى الوقت نفسه إلى جهاز الكسب غير المشروع، والذى باشر التحقيقات أيضاً.
وقد طلب جهاز الكسب من المشكو فى حقهم ضرورة دفع الأموال التى حصلوا عليها، أو الحبس، ورغم رفض كافة المشكو فى حقهم لهذه الاتهامات وتوضيحهم أنهم لم يتجاوزوا القانون ولم يخالفوه، إلا أن الجهاز أجبرهم على كتابة شيكات بالمبالغ التى حصلوا عليها انتظاراً لمعرفة الحقيقة، فإن كانوا قد حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة فسوف تصادَر الشيكات، وإن كان الأمر مشروعاً، فسوف يستردون هذه الشيكات، وبالفعل بعد التحقيقات والتحريات من الأجهزة الرقابية ومراجعة اللوائح الحكومية، تقرر حفظ القضية فى الأموال العامة وحفظها أيضاً فى جهاز الكسب غير المشروع واسترد المشكو فى حقهم الشيكات التى سلموها وبُرّئت ساحتهم.
تلك كانت القضية.. والملاحظ هنا.
1- أن الشكوى قد تمت فى فترة حكم الإخوان وكان الهدف هو تشويه سمعة كل من ساند الفريق شفيق أو عمل معه، وصولاً إلى إدانته هو شخصياً.
2- أنه رغم محاولات التجنى والسعى إلى تلفيق الاتهامات إلا أن الجهات القضائية لم تلتزم إلا بالقانون والعدل فأصدرت قرارها بإبراء ساحتهم وحفظ القضية ورد الشيكات إلى أصحابها.
3- أن الهدف من إثارة هذه القضية من خلال المعلومات الكاذبة والمغلوطة قامت به عناصر إخوانية وأخرى معادية للدولة المصرية والإدارة الحاكمة بهدف تشويه سمعة النظام ووصفه بالفساد واختيار العناصر الفاسدة عن عمد وهو أمر من شأنه أن يثير الشكوك ويضع الاستفهام بهدف الإثارة والتحريض.
4- أن بعضاً من النخبة التى يفترض فيها الدقة والتحرى والاتصال بمصادر المعلومات مضت على نفس الطريق ولم تكلف نفسها عناء السؤال، وهو أمر يضعنا أمام إشكالية كبرى حول دور النخبة والإعلام الوطنى فى التوعية من مخاطر الأكاذيب والشائعات.
5- أن الترويج الواسع لهذا الكلام المغلوط يستدعى الحرص فيما هو قادم من محاولات لاصطياد الأخبار الملفقة وترويجها وهو يدخل فى إطار منظومة ما شهدته الساحة من شائعات وأكاذيب فى الفترة الماضية استهدفت تحريض الجماهير وشحنها ضد الدولة المصرية، وهو ما يؤكد أن هناك عقلاً يدبر وإمكانات تشحذ وتحرض وتروج.
وأخيراً من الواضح أن البعض لم يتعلم من دروس الماضى وتحديداً التى عاشها الشعب المصرى أسيراً للشائعات والأكاذيب التى استهدفت الدولة المصرية ومؤسساتها فى أعقاب أحداث ثورة 25 يناير، فبالرغم من سقوط الأكاذيب وتبيان عدم مصداقيتها، إلا أن هناك من يردد الادعاءات والشائعات المغرضة وكأنها حقيقة، فراح يتعامل معها ويرددها ظناً منه أنه يقوم بدوره الوطنى فى الكشف عن الفساد والدفاع عن قيم الشفافية تارة، وتبنّى مصالح الشعب فى مواجهة الحكومة تارة أخرى.
ويبدو أن هؤلاء لا يدركون أن وقوفهم فى خندق واحد مع جماعة الإخوان ولجانها الإلكترونية وترديد ما تبثه من أخبار مصطنعة وشائعات مغرضه، هو ذاته الذى يمكن أن يؤدى إلى أحداث قد تشهدها البلاد ويدفع ثمنها الجميع، وساعتها لن ينفع الندم.
نقلا عن الوطن