نبيل المقدس
منذ الأزل .. ومنذ ما كنت جنينا في بطن أمي .. كانت معي ولا أعلم عنها شيئا , كانت أحد الأسباب التي جمعت أبي وأمي في جسد واحد فكنت انا ثمرة هذين الجسدين الواحد .
و منذ خروجي إلي العالم خرجت معي و لم أنتبه لها , مع أنها هي التي تغلغلت في مشاعر مَنْ كان يحيطني لكي يرحبوا بي ... عندما كنت أرضع من لبن أمي كانت تحوطني وأنا لم أحس بها بالرغم أن هذا الغذاء المُنهمر هو نتيجة ملء والدتي بها ... عندما كنت أكبر وأنمو كانت عشيقتي هذه تحفزني دائما أن أكون مقبولا بين الناس ... وأنا لم ألاحظها ... عندما كنت أتدرج في مراحل تعليمي كانت تعلمني أن لا انحاز أو اتحزب , أو أتخذ موقفا من عدوي... بل لو سخرني أحد ميل , كانت تحفزني أن أمشي له ميلين ..!!
عندما أحببت لأول مرة حُب الصبيان خافت عليّ وعلي من احببتها ولم أدرك لماذا كان خوفها ... عندما أصادق صديقا كانت تتدخل و تمنحني الصديق المخلص وكنت لا أفهم ما سر تدخلها . عندما كنت أفتح الكتاب المقدس كانت تفتح عقلي وانا الجاهل ... وأخيرا عندما إتولدت الولادة الثانية إنكشفت أمامي , وظهرت لي ذاتها فتعرفت عليها ... عشت معها ليلا ونهارا ... لم تتركني ابدا , وأنا كنت أحاول أن لا أتركها .. بعد ما عرفتني وعلمتني سبب عمل المسيح الكفاري , لذلك أقول : من ذا الذي يتجرأ و يفصلني عنها؟؟!! .
حكت لي صليب الجلجثة وكم قاسي يسوع عليه لأجل نفسي الملوثة لكي اكون في حظيرته الأبدية .... أوضحت لي أن إبن الإنسان لا بد أن يعلق علي خشبة العار, لتكون الحياة الأبدية لكل مَنْ يؤمن به .... علمتني أن أتقرب لأعدائي ... علمتني أن ابارك لاعني ... أوصتني أن أصلي لأجل الذين يسيئون إليّ ...
حتي ولو كنت أتكلم بلغات الناس والملائكة بدونها, لما كنت إلاّ نحاسا يطن وصنجا يرن! ولو كانت لي موهبة النبوة وكنت عالما بجميع الأسرار والعلوم جمعاء , وكان عندي الإيمان كله حتي أنقل الجبال, وفي نفس الوقت أنا بعيد عنها , فلست شيئا.! ولو قدمت أموالي كلها للإطعام, وسلمت جسدي لاُحرق , وهي غير موجودة في داخلي , لما كنت أنتفع شيئا!
إتسمت بطول الاناة والصبر, وعلمتني ان لا أحسد, وأن لا اتفاخر ولا اتكبر. ربتني أن لا أتصرف بغير لياقة ولا اسعي لمصلحتي الخاصة. لم تجعلني أن اُستفز سريعا, ولا أنسب الشر لأحد. أفهمتني أن لا أفرح بالظلم بل أفرح بالحق. هي الوحيدة التي تستر كل شيء, وتصدق كل شيء, وترجو كل شيء, وتتحمل كل شيء.
مواهب النبوات, تزول أما هي لا تزول ابدا ... مواهب اللغات ستنقطع في يوما ما , أما هي لا تنقطع ابدا بل تزداد نموا ... مواهب المعرفة ستزول أما هي تبقي دائما وتتطور. نبوءتنا جزئية ومعرفتنا جزئية أما هي فهي كاملة المعرفة , وعندما يأتي ما هو كامل يـُزال ما هو جزئي.
ادركتها انها كيان حقيقي لأنها جوهر من خلقني, كيان لأنها تصدر من الله , لذلك كل من يتمسك بها يكون مولودا من الله ويعرف الله, أما من يجحدها فهو لم يتعرف بالله قط لأنها هي جوهر ولب الله. نحن نرفعها إلي الله لأنه هو الذي أعطاها لنا أولا. إن الله لم يره أحد من الناس قط, ولكن حين نتبادلها مع بعضنا البعض , يتضح لنا أن الله يحيا في داخلنا.
لم استطيع ان أنكرها فقد عشقتها جدا وعليّ أن لا أنكر هذا العشق الكبير وياليتكم تعشقونهـــا مثلما أنا أعشقها فهي ليست معشوقة لي لوحدي , بل هي معشوقة للجميع واتمني كل الشعوب أن تتحلي بها .. سوف تقول لي كيف تفرط في معشوقتك لغيرك ؟؟ أهذا هو عشقك لها أن تجدها بين أحضان كل الناس ؟؟!! أقول له بل هي التي تاخذكم بين أحضانها لأنها آتية من فوق والذي يأتي من فوق هو روح .
نعم ... وبصوت عال أعلن مَنْ تكون هي ؟ وبكل فخرأقول أنها " المحبة الحقيقية" فليس في المحبة أي خوف, بل المحبة الكاملة تطرد الخوف خارجا, فإن الخوف يأتي من العقاب , والخائف لا تكون محبة الله قد أكتملت فيه. ونحن نحب لأن الله أحبنا أولا . فإن قال أحد أنا أحب الله ولكنه يبغض أخاه فهو كاذب, لأنه إن كان لا يحب أخاه الذي يراه فكيف يقدر أن يحب الله الذي لم يره قط؟؟
هذه هي المحبة التي لازمتني منذ الأزل , وعلينا أن نسلك وفقا لوصاياها.
فلنرم لإله المحبــة :
بحــر محبة الفادي لا يحد متسعُ الأرجــــاء
في طوله وعمقه سرمدي وماله إستقصـاء
***
قد فاق حبــــــه, قد زاد فضلـــــــــه إذ جعلني هيكلا لروحـــــه
غدوتُ وارثـــا لله في المسيــــــــــح فترنمت شفتاي بالتسبيــح
كل مالي في الحياة كل عمري للممات للحبيب مَنْ فداني بالصليب