«العالم انقسم إلى فسطاطين لا ثالث لهما، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر».. قالها أسامة بن لادن بعد 11 سبتمبر التى احتفل العالم بذكراها أمس الأول وحضرت هيلارى كلينتون التأبين حتى أصابتها ضربة الشمس، السؤال الأهم من حالة «هيلارى» الصحية هو هل ما زالت عقلية الفسطاطين هى المسيطرة على ذهنية حركات الإسلام السياسى، أم أنها ماتت بموت بن لادن؟، للإجابة نعود إلى الماضى، فنقرأ قبلها ما كتبه سيد قطب، منظّر فكر التكفير لجميع تيارات الإسلام السياسى، التى ولدت من رحم التنظيم الأم، تنظيم الإخوان، يقول فى كتابه «فى ظلال القرآن» ما يعد ويعتبر «المانفيستو»، الذى استمد منه بن لادن مقولته، حيث قال «قطب»: «ينقسم العالم فى نظر الإسلام وفى اعتبار المسلم إلى قسمين لا ثالث لهما؛ الأول: دار إسلام، وتشمل كل بلد تطبق فيه أحكام الإسلام، وتحكمه شريعة الإسلام سواء كان أهله كلهم مسلمين، أو كان أهله مسلمين وذميين، أو كان أهله كلهم ذميين، ولكن حكامه مسلمون يطبقون فيه أحكام الإسلام، ويحكمون بشريعة الإسلام.. فالمدار كله فى اعتبار بلد ما دار إسلامٍ هو تطبيقه لأحكام الإسلام، وحكمه بشريعة الإسلام، الثانى: دار حرب، وتشمل كل بلد لا تطبق فيه أحكام الإسلام، ولا يحكم بشريعة الإسلام، كائناً أهله ما كانوا، سواء قالوا: إنهم مسلمون، أو إنهم أهل كتاب أو إنهم كفار، فالمدار كله فى اعتبارِ بلد ما دار حربٍ هو عدم تطبيقه لأحكام الإسلام، وعدم حكمه بشريعة الإسلام».
مات «بن لادن» ولم تمت فكرة الفسطاطين، بل هى فى رأيى نمت وترعرعت وتضخمت ككرة الجليد، الفكرة لم يكن «بن لادن» هو أول من أعلنها، بل هى للأسف موجودة فى باطن كتب التراث، وتم التقاطها من بين سطور بعض كتب الفقه وصفحات بعض التفاسير. دور «بن لادن» فقط كان هو التنفيذ، التجسيد، الإعلان، الصراخ بالفكرة على أرض الواقع وتحويلها إلى عقيدة.
عقلية الفسطاطين عقلية نازية، عنصرية، إقصائية، لا تصلح لهذا العصر، تجاوزها الزمن وتخطتها السنون، عقلية هى بنت ظروفها الاستثنائية، حيث الفتح وإقامة الدولة وحرب الأعداء المتربصين بالأمة الوليدة حينذاك. استمرار هذه العقلية التى تضع حدوداً فاصلة جرانيتية فى عصر الحداثة والعولمة هو تحنيط للزمن وعناد مع التاريخ وانتحار سياسى وحضارى ينذر فى النهاية بلفظ المسلمين من خريطة العالم المتمدن وعزلهم فى صوبة عدوانية وشرنقة تربص ووهم اضطهاد مزمن وقوقعة إحساس «بارانويا» لا يسانده أو يدعمه أى تقدم تكنولوجى أو علمى أو حضارى.
لابد من الانصهار فى سبيكة العالم مع الاحتفاظ بالتميز الحضارى والتفرد الثقافى. لا بد من الامتزاج والتفاعل دون فقدان بطاقة الهوية وشفرة الملامح. يجب أن نفيق من وساوس وأوهام وضلالات الفسطاطين، ولا نعيش أسرى أننا الأفضل والأعظم والأكثر أخلاقاً، بالألف واللام وأفعل التفضيل التى تعمينا عن رؤية أنفسنا فى المرآة، ومن ثم تعمينا عن المواجهة وقت الخطر الحقيقى، وتشلنا عن المشاركة حين نستدعى للبناء والمشاركة فى محفل الحضارة، فنفضل الانسحاب والانزواء ومضغ همومنا واجترار ذكرياتنا وأحزاننا وصنع أحزمتنا الناسفة فى كهوف تورا بورا أو أحراش الصومال.
العالم فسطاط كبير يضمنا جميعاً وليس فسطاطين فى حرب بقاء أو فناء، كل منا يدق وتداً فى تثبيت هذا الفسطاط، ومن يرفض أن يشارك أو يتصور أنه الوحيد الذى له حق امتلاك الوتد، فمكانه سيكون خارج الفسطاط، حيث الرعد والبرق والعقارب والثعابين والعطش والجوع فى صحراء الوحدة بلا رحمة أو مغيث أو مجير.
نقلا عن الوطن