اعترض الصديق العزيز د. منير مجاهد، رئيس مؤسسة «مصريون فى وطن واحد»، على ما ذكرته من أن أعضاء حزب النور السلفى قد خرجوا على الإجماع الوطنى عندما رفضوا قانون بناء الكنائس، رافضاً وصف الخروج على الإجماع الوطنى بشأن قانون بناء الكنائس، متسائلاً هل هناك إجماع وطنى بشأن هذا القانون؟ أعلم تماماً أن د. منير مجاهد وقطاعاً من النخبة المصرية ومن الشباب الناشط يرفضون القانون ويدعون الرئيس إلى عدم التصديق عليه، ويطالبون بقانون موحد لدور العبادة، كما يرفضون غياب المعايير الموضوعية فى القانون الذى تم تمريره فى مجلس النواب. وبداية ما قصدته من وراء الإجماع الوطنى ليس الإجماع المجتمعى بقدر ما هو الإجماع داخل مجلس النواب مع إدراكى للفارق بين التعبيرين، فى الوقت نفسه لا يختلف أى مدافع عن الدولة المدنية الحديثة ومن أنصار المواطنة والمساواة على سلامة موقف هذا الفريق الذى يعبر عنه الدكتور منير مجاهد من الناحية المبدئية، فمن حيث المبدأ لا بد من وجود قانون موحد يحكم بناء دور العبادة، ومن حيث المبدأ ليس من حق الدولة أن تحدد للمواطنين أدياناً وتحظر أخرى، ومن حيث المبدأ من حق كل مواطن أن يعتنق ما شاء من أديان وعقائد ويعتقد فيما يشاء ويرغب فى القيم والمبادئ، وهو أمر غير متوافر فى بلدنا بموجب الدستور حددت الدولة للمواطنين المصريين الأديان الإبراهيمية الثلاثة كى يختار بينها، وترفض أن يعتنق أى مواطن مصرى أدياناً وعقائد أخرى، وإذا أصر على غير ذلك فالحل هو وضع (-) أمام خانة الديانة كما هو الحال مع المواطنين المصريين البهائيين. ورغم ذلك فإن الدولة المصرية غير محايدة بالمرة تجاه الأديان الإبراهيمية الثلاثة، فهناك نص على أن الإسلام هو دين الدولة، وهناك تبنٍ كامل لكل ما هو إسلامى من طقوس وشعائر، كما تنفق الدولة على مؤسسة الأزهر التى تتحدد مهامها فى نشر الإسلام فى العالم، وتمول جامعة الأزهر التى تنفق على طلاب مسلمين من مختلف جنسيات العالم. فى المقابل تتعامل الدولة مع المواطنين الأقباط باعتبارهم ملفاً أمنياً، مسئولية إدارته بيد جهاز مباحث أمن الدولة (الأمن الوطنى حالياً) الذى لديه إدارة تدعى إدارة مكافحة التنصير، أما اليهودية فحدث ولا حرج، فقد تم الخلط بين اليهودية والصهيونية وبات العداء لليهود واليهودية جزءاً من الثقافة الشعبية المصرية.
هذا هو واقعنا وواقع مجتمعنا، ومن الحكمة أن نتعامل مع الواقع القائم ونسعى إلى تغييره تدريجياً. التغيير الشامل والجذرى والفوقى يتم من خلال الثورات الكبرى فى العالم، وهى ثورات دموية أطاحت بالنظام القائم وطبقته الاجتماعية وأحلت محلها طبقة جديدة ونخبة جديدة، كما كان حال الثورات الفرنسية والروسية (البلشفية) أما الدول التى لم تشهد ثورات جذرية شاملة فقد تعرضت لموجات متتالية من التغيير والتطور التدريجى، وتحقق ذلك عبر تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية وتدشين بنية تحتية متطورة وتبنى نظام تعليمى جيد ومتطور على النحو الذى يحقق التنمية الشاملة ويقضى على الفقر والجهل، وبعد تحقيق الإشباع المادى يأتى الطلب على الشق المعنوى من حرية وكرامة وعدل وديمقراطية ومساواة، ولعل النموذج الأبرز هنا هو كوريا الجنوبية التى حققت فى الستينات والسبعينات قفزات تنموية عالية تحت حكم عسكرى وجرى الاهتمام بالتعليم والبحث العلمى وجرى الإنجاز فى غياب كامل للديمقراطية، ومع تحقيق التقدم الاقتصادى والإشباع المادى وارتفاع معدلات التعليم والتطور العلمى، جاء الطلب على الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان وهو ما تحقق بالفعل لاحقاً وباتت كوريا الجنوبية صاحبة أكبر عاشر اقتصاد على مستوى العالم، دولة ديمقراطية وفق المعايير الغربية.
ما أود التشديد عليه هنا هو أن واقع مجتمعنا المركب والمعقد وطبيعة الثقافة السائدة فى المجتمع اليوم لا تسمح بأكثر مما صدر ممثلاً فى قانون بناء الكنائس، وأن الوصول إلى قانون موحد لدور العبادة لا يمكن تحقيقه إلا فى مجتمع تنتشر فيه كافة القيم الإنسانية وتحديداً المساواة التامة.
نقلا عن الوطن