«إذا كانت النزاعات التى تحولت إلى حروب مفتوحة فى سوريا والعراق واليمن وليبيا جذبت إليها التحليلات الاستراتيجية، فإن هناك تغافلاً حقيقياً عن ملفات أخرى لا تقل أهمية عن مصير الدول العربية، ومنها تلك المتعلقة بمستقبل الأجيال الشابة والمرأة والتحول الديمقراطى والتنمية والطائفية ونسيج المجتمعات العربية والتكنولوجيا وأثرها فى المجتمعات العربية، كما هى المعنية بتطور منظومة القيم الإنسانية ومدى استجابة المجتمعات العربية لها. وهى ملفات ما زالت مطروحة على بقية الدول العربية التى لن تكون فى عزلة فى حال اتساع نطاق النزاعات القائمة».
بهذه الفقرة المثيرة واللافتة للانتباه بقوة، قدمت «مكتبة الإسكندرية» مؤتمرها الذى تصدت لتنظيمه بمقرها الرئيسى فى الفترة ما بين 5 و8 سبتمبر 2016م، تحت عنوان أكثر أهمية «مستقبل المجتمعات العربية.. المتغيرات والتحديات»، ودعت إدارة المكتبة، وفق القواعد الأكاديمية المحكّمة، العديد من الأسماء المرموقة لتناول محاور المؤتمر والإسهام بالجهد العلمى واستشراف المستقبل، بالأوراق البحثية والمحاضرات الثرية التى تتناول العناوين المشار إلى معظمها فيما جاء فى كلمة المكتبة المشار إليها، مثلت أولى خطوات النجاح والوعى بأهمية تلك القضايا أن أسندت لـ«وحدة الدراسات المستقبلية» التابعة للمكتبة مهمة عقد هذا المؤتمر، فالنشاط البحثى والأكاديمى إن كان يستهدف حقيقة الاشتباك الجاد مع الهم والمهددات الواقعة على مجتمعنا العربى، فعليه أن يضع نفسه مباشرة أمام سؤال المستقبل، متسلحاً بما يستلزم من وعى جاد وإلمام كامل بخطوط السير فى آفاق هذا المقبل، وهذا ما أخذته المكتبة على عاتقها من خلال أجندة المؤتمر وأشهرت فيه أحد أهم أسلحة الفوز والحماية، لا سيما وقد ألزمت نفسها والمشاركين بقدر كبير من الصدق وشجاعة الطرح وحرية الرؤى واقتحام المشكلات الراكدة، فتدافع بانضباط علمى رصين كل ما يمكن وصفه بمشكلات الحاضر المعقد، والمأزوم فى غالبيته تحت وطأة الجمود والخوف وتشوش الرؤية وتضارب الأولويات.
ربما لا تكفى المساحة بالطبع لطرح كافة فعاليات أربعة أيام ماراثونية من الجلسات وورش العمل والمحاضرات وجميعها مهم، لكن يمكن الاستعاضة ببعض النقاط التى شكلت من وجهة نظر الحضور أبرز ما تم ذكره، عنونة المؤتمر بالمجتمعات العربية صادف حقيقة معرفية ثابتة بأن الشعوب والمجتمعات هى الأبقى دوماً على الأرض، ومنها تتشكل الصفوف الأولى التى تجابه التحدى وتتعاطى مع الأزمة وهى من ستتقدم للمستقبل دون ريب. ومن هذه الصورة برز توافق آخر يتعلق بمفهوم ومكون الدولة الوطنية التى تتعرض لمحطة تاريخية فاصلة، فهناك من حدد مساحات الخصم التى تتعرض لها كسلطة حاكمة لصالح قوى أخرى بداخل المجتمع، وآخرون فصّلوا فى استعراض تلك القوى المجتمعية، فمنها الصالح «منظومات المجتمع المدنى» ومنها الطالح «جماعات وتنظيمات العنف المسلح»، وأمام تلك المعادلة المختلطة التى تشتبك مع المستقبل مباشرة كاد الجميع يتوافق على بعض نقاط القصور لدى مجتمعاتنا العربية، وهى من الآليات المعطلة بالقطع، ومما يدعو للفخر فى هذا الإطار أن «مكتبة الإسكندرية» كمؤسسة ثقافية ضخمة برئاسة د. إسماعيل سراج الدين هى من أطلقت ودعمت هذا الوجود الشبابى وجود الشباب فى العديد من أطر المؤتمر، تكليف «وحدة الدراسات المستقبلية» بمديرتها الشابة د. أمنية الجميل التى تتميز بوعى وانضباط وحرص كبير على النجاح، كان مفتاحاً حقيقياً لتحقيق التميز الذى أشاد به المشاركون والحضور على السواء.
نقلا عن الوطن