(١) أعلم أن سلسلة المقالات التى تعاقبت حلقاتها فى هذا المكان، على مدى أكثر من عام، تضمنت وقائع مؤلمة لم تتوقعوها فى يوم من الأيام.. بعضكم سوف ينكرها ولا يصدقها، وربما قال إنها ما كُتبت إلا لتصفية حسابات.. وربما قال أيضاً ولماذا نُشرت فى هذا التوقيت بالذات، ولم تنشر من قبل، خاصة عندما كان الإخوان فى الحكم؟ وربما قال كذلك إن الكاتب سلط الضوء فقط على السلبيات دون الإيجابيات، أو أنه توسع فى عرض السلبيات وقلص كثيراً من الإيجابيات لغرض أو لهوى ما فى نفسه، وأنه لو كان منصفاً وموضوعياً لساوى -على الأقل- بين الطرفين (الإيجابيات والسلبيات).. البعض الثانى قد تصدمه الوقائع.. هو لن ينكرها، لكنه سوف يبحث لها عن مبرر، كما اعتاد دائماً.. هذا الصنف موجود، وعدده ليس قليلاً داخل الجماعة، فقد درج فى تربيته من خلال السمع والطاعة والثقة فى القيادة على تصديق كل ما يقال له، حتى وإن كان مخالفاً للمنطق البسيط، أو مناقضاً للبديهيات العادية التى تعلمها على أيدى هؤلاء.. لذا، من الصعب عليه -إن لم يكن مستحيلاً- أن يكذبها أو ينكر عليها ما فعلته أو تفعله.. هو لا يريد أن يقع فى أزمة نفسية بسبب قياداته، ومن ثم سوف يحاول نسيان الوقائع، وربما نسيان المقالات برمتها.. البعض الثالث سوف يصدق الوقائع الواردة فى سلسلة المقالات، خاصة إذا كان لديه ما يؤيدها من وقائع، لكنه كان فى حاجة إلى مزيد من الأدلة والقرائن.. لذا، قد يفقده ذلك الثقة فى هذه القيادات، وربما فى الجماعة كلها، وقد يخرج منها وهو غير آسف.
(٢) وصيتى للشباب أن يقفوا مع أنفسهم لحظة صدق.. أن يفكروا ويتأملوا ويتدبروا فيما أوصلتهم إليه هذه القيادات.. فقد كانت وراء الفشل الذريع الذى مُنيت به الجماعة بعد أن وصلت إلى قمة هرم السلطة فى مصر.. هناك خطأ فى الفكر، والفهم.. كما لم يكن هناك إعداد مسبق لتحمل هذه الأمانة الكبرى، وبدا عليها الغطرسة والكبر والغرور، وارتكبت أخطاء قاتلة ما كان لها أن تقع فيها.. وكما كان الصعود سريعاً، كان السقوط سريعاً أيضاً.. وقد خلفت هذه القيادات صورة ذهنية مشوهة عن الجماعة وعن الدعوة إلى الإسلام.. للأسف، ظللنا طويلاً ننصح لها دون كلل أو ملل.. لكنها أصمّت أذنيها كى لا تسمع، ووضعت على عينيها غشاوة حتى لا تبصر.. كانت ماضية فى طريقها لا تعبأ بأى شىء، اللهم إلا السلطة التى فشلت فى إدارتها.. هل من الممكن إعادة إحياء الجماعة، لكن على أصول جديدة من حيث البناء الفكرى والتنظيمى والوسائل والأدوات والأهداف، فضلاً عن الوضع القانونى؟ هل من الممكن استعادة الدعوة بجوهرها وأصالتها، على أسس سليمة وصحيحة، لتعبر بحق وصدق عن سمو الإسلام وكماله وجماله؟
إن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو الإسلام الذى لا يعرف غلاً ولا حقداً ولا كراهية، ولا عنفاً، ولا إرهاباً.. لكن، يبدو أن الطريق طويل.. تعالوا معى نسترجع فى هدوء ما جرى، من باب «وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين»، لتروا بقلوبكم وعقولكم وأعينكم كم الأخطاء والخطايا التى ارتكبتها هذه القيادات التى لا تريد أن تعترف بها أو تعتذر عنها، وعما سببته من مآسٍ وكوارث..
(٣) تزعم هذه القيادات أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة (بقيادة السيسى) كانت تتحين الفرص لكى تنقض على السلطة.. حسناً، فكيف تم ذلك؟ هل استيقظت هذه القيادات فجأة، فوجدت القوات المسلحة قد سيطرت وهيمنت على كل شىء، أم كانت هناك أجراس إنذار وصفارات للتنبيه والتحذير من جهات شتى، بل وفرص كثيرة لاستدراك ما فات وعلاج ما وقع، لكنها أضاعتها؟ ثم من الذى وصف «السيسى» ومن معه فى آخر خطاب له بأنهم «رجال من ذهب»؟ ومن الذى كان يبحث عن مخرج آمن للمجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى؟ ومن الذى صمت على المذابح التى تمت فى عهده؟ ومن الذى قال لرجال الشرطة: «أنتم قلب العبور إلى ثورة ٢٥ يناير»؟! ومن الذين كانوا يدافعون عنهم؟
إن الشرطة فى عهدكم، هى نفسها الشرطة فى عهد غيركم، فما الذى تغير؟ هل كانت عظيمة ورائعة، ثم أصبحت شيئاً آخر مختلفاً؟ ومن الذى قال: «يعنى إيه شوية لما يروحوا، من أجل أن يعيش الباقون»؟!
(٤) وتزعم هذه القيادات أن الأجهزة (الأمنية والاستخباراتية) هى التى قامت بتثوير الشعب ليخرج ضد الإخوان فى ٣٠ يونيو.. حسناً، فلماذا لم تدفع بالشعب ليقف خلف الفريق أحمد شفيق فى الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة؟! ولماذا قبل هذا الشعب أصلاً أن يستدرج أو يساق هكذا إلى ثورة هو لا يريدها، وضد أناس هو يتعاطف معهم ويرى فيهم أمله وحلمه؟! حتى لو فرضنا جدلاً أنه كان لهذه الأجهزة دور فى تثوير الشعب، فإن الأخير ما كان ليستجيب إلا لأنه ضاق بحكم الإخوان وكره سوء إدارتهم.
(٥) القضية أن هذه القيادات الفاشلة ليس لديها ما تقدمه، فهى تضحك على نفسها وعليكم.. تريد أن تتنصل من فشلها، وتعلق خيبتها على شماعة الأجهزة.. لقد أساءت هذه القيادات التقدير عندما قالت إن الجماهير الثائرة لن تتجاوز بضعة آلاف، وهو ما يدل على أنها لم تكن تعيش الواقع ولا تعى ما يجرى على أرضه.. وكانت مضحكة عندما قالت إن هذه الملايين ليست حقيقية وإنما «فوتوشوب»! وكانت مثيرة للشفقة والرثاء عندما أقرت ضمنياً بحقيقتها، لكنها -أى الجماهير- خرجت مكرهة!
يا شباب.. من الذى أوصلكم إلى قمة هرم السلطة؟ أليس هو الشعب؟ حسناً، وهل أوصلكم عن طريق الحرق والتخريب والتدمير وعمليات الاغتيال، أم بالوسائل السلمية عن طريق صناديق الاقتراع؟ لماذا لم تلجأ قياداتكم إلى الشعب يوم أن «انقلب» عليكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ لماذا لم تقبل باستفتاء أو انتخابات رئاسية مبكرة، وساعتها كان من الممكن أن تضع من «يتآمرون» عليكم فى حرج أمام الشعب، وأمام العالم؟ وساعتها أيضاً كان من الممكن أن تعطى درساً لخصومها أنها تمارس الديمقراطية فعلاً، ولم تتخذها سلماً للوصول إلى السلطة.. وساعتها كذلك، كان من الممكن أن تجتذب الشعب، أو قطاعاً منه، للتعاطف معها.. لو أن القيادات فعلت ذلك، لتجنبت وجنبتكم وجنبت الوطن الكثير.. لكن هذه القيادات جعلتكم تخسرون كل شىء.. جعلتكم تقفون فى مواجهة مؤسسات الدولة، والشعب، حتى الذين عصروا على أنفسهم الليمون واختاروكم.. والحقيقة أنكم تخسرون كل يوم، والمنطق والعقل والواقع والتاريخ، كل ذلك يقول بضرورة إعادة الحسابات ومراجعة المواقف.
(وللحديث بقية إن شاء الله).
نقلا عن الوطن