لطيف شاكر
ورث الاقباط عن اجدادهم الفراعنة براعة في الطب والتشريح والكيمياء والصيدلة والهندسة والفلك , واستمروا علي نبوغهم في هذه العلوم طوال العصرين اليوناني والروماني , حتي اصبحت مدرسة الاسكندرية البطليمية هي اقوي مدارس العالم في هذه الدراسات , ثم تأسست المدرسة القبطية المسيحية واضطرت ان تدرس هذه المواد ايضا ونتج عن كل ذلك نهضة علمية لامثيل لها ونبغ من الاقباط اساتذة تخرج عليهم كثير من علماء العالم القديم .
وظهر فيهم هيروفيلاس مؤسس علم التشريح وايريستسراتوس مؤسس علم وظائف الاعضاء وديموكريتوس صاحب نظرية الذرة كما ظهر العالم الماهر كرنيليوس كلسوس الذي وضع تذكرته الطبية الشهيرة لمنع تلف الاسنان وسرابيون الاسكندري الذي تعمق في دراسة العقاقير ولاسيما الكريهة الطعم منها وهو الذي قدمها للعصورالمتتابعة فظلت مستعملة الي القرن الثامن عشر .
ووضع القبط في الاسكندرية غالبية المصطلحات الطبية ومنها كلمة عقاقير ودواء و سم ومخزن الدواء , واخذ عنهم العالم هذه المصطلحات التي ماتزال مستعملة .
وهذه الشهرة التي نالتها مصر القبطية في الطب والصيدلة والكيمياء جذبت اليها العلماء من اقطار العالم للدراسة علي اساتذتها ومن امثلة ذلك جالينوس العالم المشهور الذي ظهر في القرن الثاني للميلاد والذي تنسب اليه مجموعة العقاقير الجالينوسية المستعملة في العصور الحديثة وتتلمذ هذا العالم في الاسكندرية واخذ من جامعتها فلسفته وطبه وصيدلته .
وقد نشط العالم لدراسة المخطوطات القبطية الخاصة بالدراسات الطبية ولمس مافيها من فائدة . وقد ظهر بحث للعالم الاستاذ "تل" في العقاقير الطبية القبطية يتبين منه مدي تقدم الاقباط في علوم الصيدلة والكيمياء والطب. كما وضع العالم " دوسن" سنة 1924م كتابا عن تاريخ الطب عند الاقباط في القرون الاولي للمسيحية وشرح بالاضافة الي العقاقير ادوات الجراحة التي كانوا يستخدمونها .
ومن اهم ماوصلنا من المخطوطات الطبية القبطية بردية "شاسيناه" التي تمتاز بعلاج امراض العيون ومداواة الخراجات وعلاج امراض النساء والاطفال .
وبردية شاسيناه المكتوبى بالقبطية في القرنين التاسع والعاشر الميلادي وجدت بالصعيد تحتوي علي 237 وصفة طبية للعيون والجلد وامراض النساء وصفاتها قبطية اصيلة تبعد عن الوصفات اليونانية والاسلامية
ولا تقل بردية " زينون"اهمية عن بردية شاسيناه , وهذه البرديات تشهد علي مدي ماوصل ليه صيادلة الاقباط من معرفة بأصول فن صناعة الدواء وتحضير اللصقات , كما تدل علي علمهمالوافر بالتفاعلات الكيمائية المختلفة وبالاخص التي تتم علي النار.
ويقول " نيتولتسكي" في كتابه الطب الشعبي المقارن ان كثيرا من العلاجات والمستحضرات العلاجية المعروفة في اوربا منذ القرون الوسطي تحمل الطابع المصري القديم , كما ان كثير من الوصفات لازال مستعملا في مصر وفي كثير من بلدان الشرق .
وبردية جولنشيف في القرن الثالث الميلادي كتبت باليونانية ومخصصة لامراض النساء
وبردية قطادي في القرن الثالث مخصصة للجراحة
ووجدت برديات طبية مصرية وقبطية عديدة جدا موجودة بالمتاحف الاوربية لاهتمامهم بها وتحتوي علي وصفات كثيرة وقيمة والمقال لايسمح ذكرها وعلي سبيل المثال بردية تشتر بيتي وبردية برلين وبردية لندن وبردية ايبرس 1550 ق.م اهم واطول بردية طبية طولها 20 مترا و30 سنتيمتر وبها معلومات عن وظائف الاعضاء والعقاقير المختلفة وعلاج امراض الجهاز الهضمي والعيون والجلد والحروق والكسور وامراض النساءوالروماتزم وجراحة الاورام وبها تشريح ووظائف القلب والدورة الدموية برديات
والبرديات الطبية المصرية القديمة التي عثر عليها في الآثار اغلبها نسخها الكاتب المصري عن اصول اقدم منها , ويرجح ان ايموحتب والذي سماه الاغريق "اسكلوبيوس" .
والبرديات تمثل مجموعة من الكتب الطبية مثل كتاب القلب وكتاب العض واللدغات والبرديات الموجودة في مصر تحتوي علي مقتطفات من هذه الكتب الطبية .
وكان الطب يلقن من اأب لابنه ومن الاستاذ لتلاميذه في سرية تامة في بيت الحكمة . ومحتويات البرديات الطبية هي غاليا وصفات علاجية وتوجد بردية "ادوين سميث للجراحة والتي سجل فيها كيفية فحص وتشخيص وعلاج حالات جراحية (حسن كمال المجلد الثاني )ولخص د.خليل مسيحه موجزا عن البرديات الطبية في جدول واضح ونال عنها رسالة دكتوراه في "تأثير الطب الفرعوني في الطب المصري"
اما التخدير في تاريخ الطب الفرعوني وفي العصر القبطي كان باستخدام اعشابا طبية مخدره شديدة منها اللفاح والخشخاش والسكران والداتوره وقنب هندي وهناك نباتات اخري يختلف مفعولها المخدر حسب كل حالة .
ويعوزنا الكثير لكي نتكلم عن آلات الجرحة والعقاقير المصرية القديمة والتي توارثها الاحفاد الاقباط فضلا عن اضافاتهم الهامة
ولم يقتصر نبوغ الاقباط العلمي علي الطب والصيدلة والكيمياء وانما برعوا في الحساب والرياضة ايضا . وليس ادل علي ذلك من انهم تولوا الاعمال الحسابية والمالية والادارية طوال العصور الاسلامية , بل ظلوا الي عهد قريب يشغلون غالبية وظائف الدولة في هذا الميدان.
ولم يقل نبوغهم في الهندسة واعمال البناء عن نبوغهم في الطب والحساب و وتشهد علي ذلك الكنائس الفخمة التي بنوها والاديرة ذات الاسوار العالية والحصون الضخمة , وليس ادل علي ذلك من آثار "أبا مينا" بمريوط والديرين الابيض والاحمر في منطقة سوهاج , وغير ذلك من الاثار المعمارية الكثيرة الدينية والغيردينية . ستحتاج الي مقالات عن العمارة والفنون المتعددة التي اخذ منها المحتل العربي .
مصر ياسادة لم تكن سكنا مفروشا بالاشباح او الخفافيش حينما غزاها العرب .مصر كان يعيش فيها اهلها الاقباط اصحاب حضارة باسقة معروفة باسم القبطولوجي , ولا يمكن دراسة المصريات دون الولوج في علوم القبطيات , ولكي نتعمق في اغوارها يجب ان نتعلم اولا اللغة القبطية التطور الاخير للغة المصرية الاصيلة والتي تدرس حاليا في عدة جامعات محترمة في العالم .
لطيف شاكر
توت/ سبتمبر