كتب : مدحت بشاي
يبدو أننا ، وفي معايشتنا لكل تفاصيل حياتنا ، وعندما نواجه مشاكلنا ، ونمارس فنون المعارضة بكافة أشكالها في البيت والشارع ودواوين الحكومة وفي كافة المؤسسات حتى المعنية منها بأمر إنتاج الفكر الإصلاحي والرأي الحر..في كل تلك المواقع نمارس حقنا في الاعتراض على بعض الظواهر السلبية ، وتتوقف مشاركتنا للأسف عند اقتراح ووضع حلول توفيقية غير حدية جازمة ملزمة تنقلنا إلى مواقع التطبيق ومن ثم إمكانية حدوث الانفراجة .. حلول نتوهم فيها الخلاص رافعين شعار افتراضي يُرضي كل الأطراف ، فنصل في النهاية إلى حال نبدو فيه وكأننا واجهنا المشكلة وكأننا قد وضعنا الحلول ..إن اتباع نظرية وضع " كأن " في مواجهة العواصف والأزمات أمر خطير لابد من تجاوز التعايش السلبي معها ، والمثل واضح في مواجهة الأحداث الطائفية كمثال ..
عقب كل حدث طائفي يتنادى أهل الرأي ، وتتدفق الحلول على طاولات الحوار..وتنشب معارك غريبة حول خيارات مثل :
ــ هل الحل في إنشاء مجلس للمواطنة ، أم ندع الأمر للمجلس القومي لحقوق الإنسان ؟!
ــ إنشاء لجنة عليا تضم شيخ الأزهر وبابا الأقباط ، أم الاكتفاء بلجنة حكماء ولا داعي لإقحام المؤسسات الدينية ؟!
ــ تفعيل ميثاق الشرف الصحفي ، أم تطبيق آليات المساءلة النقابية ؟!
كل ذلك وأكثر طرحه رؤساء تحرير صحف ومجلات مصر ، ونخبة من أهل التنوير ، وقد يكون البعض منهم من رموز التبكيت على أحوال البلاد ومن عليها من عباد..نعم العباد بعد أن بات أمر تعايش بعضهم سوياً مشكلة في زمن صعب !
ويظل هناك حوار مختلف في الشارع .. ينظر الناس في وجوه بعضهم وهم يتابعون بملل ودهشة في آن واحد وجوه نخبة الوطن .. الملل مبعثه تكرارحدوث مثل هذه الفعاليات بنفس السيناريو ، و كانت الدهشة عندما حدقوا النظر في وجوه البعض منهم ، وتأكد لهم تورطهم في ذات الفعل الذي من أجل مناهضته كان الاجتماع ، ومع ذلك أتوا بكل براءة يحدثوننا عن الفتن وسنينها !
في اجنماع شهير عُقد في الزمن المباركي ، خرج المجتمعون بـ 26 توصية من بينها 15 توصية موجهة للحكومة و6 توصيات للصحافة والاعلام أبرزها تجريم الخطاب الطائفي و4 توصيات للمؤسسات الدينية وتوصيتان للأحزاب السياسية.أوجز البعض منهم كلامه في أربعة محاور:
- الأول: النخبة التي يجب أن تدير حوارا فيما بينها وان يتواصوا بالحق ، وان يكون لديهم وعي بخطورة الاستخدام الطائفي حتى يعود الجميع إلى جادة الصواب.
- الثاني: الرادع المؤسسي مما يعني تفعيل مواثيق الشرف الصحفي وتوقيع جزاءات على الخارج عن هذا النهج من النقابات.
- الثالث: الصحافة المصرية لم تكن على المستوى المطلوب في معالجتها لأحداث الفتنة الطائفية عندما تناولت موضوعات الأسلمة والتنصير كوسيلة لإحراز توزيعات صحفية غير مسبوقة ..
كلام طيب ومتكرر ، وتوصيف يتم تحديثه وفق تجدد شكل الفتن وصانعيها والظروف المحيطة لصياغتها ..ولكن يبقى ما توقف عنده الكاتب الصحفي مجدي سلامة بجريدة الوفد ، وهو الأهم والذي ينبغي أن نتذكره ، ونذكر به الحكومات المتعاقبة ، التي وصفها ــ ومعه كل الحق ــ أنها مركز إشعال الفتنة الطائفية لأنها لم تفعل ما لديها من قوانين .. هناك المادة 160و المادة 161 من قانون العقوبات تجرم التشويش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو عطلها بعنف أو تهديد ، وأيضاً تجريم كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أوإزدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الطعن في كتاب مقدس أو تحريفه عمداً أو السخرية من الاحتفالات الدينية، كما أضافت المادة 171 من قانون العقوبات نصاً يقضي بعدم التعدي بالنشر بكل الوسائل " الصحف والكتب ، وغيرهما من وسائل النشر على أي دين " .. ماذا فعلنا بكل تلك القوانين سوى انتقاء نخبة قليلة شاع أمرها ، ولم يتم تفعيلها مع من قاموا بسب الأديان ورموزها وعقائدها وتعاليمها ؟! ..
إلى من يتنادون للتوصيف والاقتراح ، العقوبات موجودة والمواطنة أمرها مرهون ببسط يد العدالة .. نعم العدالة وتفعيل القانون .. إن ما تم ذكره من قوانين أرى ضرورة تكرار تصديرها إعلامياً لتوقيف من يشعلون الحرائق بكل بساطة واستهتار مقيت ، وحتى لانكتفي بتصور وكأننا واجهنا الفتنة !! ..
بقى أن أذكر أن مثل تلك الاجتماعات منذ ذلك الزمان الحاشد بالفتن والكوارث الطائفية ، وحتى تاريخه وبعد قيام ثورة من أجل إقامة عدالة اجتماعية ، وأخرى لإسقاط حكم ديني مستبد ، يجري على أرض الوطن ، وداخل أول برلمان بعد الثورة الأخيرة و كتابة الدستور الأحدث لم تخلف لنا إلا مجموعة أوراق بحثية ، هي اجتماعات يعمرها وجهاء المجتمع وأشاوس الكلام ، ولا شئ يحدث !!
إلى برلماننا في دورته القادمة ، فليكن أمر إقامة مفوضية مناهضة التمييز الديني هو الأمر الأولى بالرعاية حقناً لدماء ضحايا التخلف الفكرى وشهداء جرثومة التخلف الحضاري ... إلى الرئيس السيسي ينبغي التأكيد للشعب وأعداء الحرية أن هناك إرادة سياسية حقيقية للتغيير وتحقيق حلم إقامة دولة مدنية معاصرة ..
"ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا نبنيه معاً "
قالها رفاعة رافع الطهطاوي رائد التنوير في مصر الحديثة..هل نستجيب ؟!