الأقباط متحدون - سعد زغلول.. شرارة ثورة 1919 الذي نفي مرتين وعينه الشعب زعيمًا عليه
أخر تحديث ١٩:٥٠ | الأحد ١٨ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٨ | العدد ٤٠٥٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

"سعد زغلول".. شرارة ثورة 1919 الذي نفي مرتين وعينه الشعب زعيمًا عليه

سعد زغلول و رفاقة
سعد زغلول و رفاقة
كتب: هشام عواض
كانت أحوال مصر والشعب خلال سنوات الحرب العالمية الأولى سيئة للغالية وكان الشعب يلاقي معاملة ظالمة ومجحفة من قبل قوات الاحتلال الإنجليزي المحتلة لمصر في تلك الأعوام، في الريف أجبر الفلاحين علي زراعة محاصيل بأعينها تناسب متطلبات الحرب، كما سيق الآلاف من أبناء المزارعين للمشاركة بشكل قصري في الحرب نفسها، وتم حشد الآلاف من المصريين للعمل خلف خطوط القتال للمحاربين في سيناء وفلسطين والعراق وبلجيكا وغيرها من الدول التي شهدت الحرب، فنقصت السلع الأساسية بشكل حاد، كما شهدت محافظات القاهرة والإسكندرية مواكب من العاطلين ومشاجرات بين الجائعين، ولم تفلح محاولات الحكومة من توزيع الخبز وبعض السلع في مواجهة الغلاء ولسد الأفواه الجائعة، وكان الظروف السياسية العالمية قد ألقت بظلالها على المجتمع المصري، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ليقوم الشعب بالحراك السياسي والشعبي للانتفاض من الاحتلال إلى أن حدثت ثورة 1919 وتبعاتها من نفسي سعد زغلول، ونستعرض في هذا التقرير هذه النقطة المضيئة من تاريخ مصر.
 
بدايات النضال السياسي لسعد زغلول 
كان سعد زغلول مشاركًا في الثورة العرابية وكتب العديد من المقالات حث  فيها على الثورة، وكان يروج  للتصدي لسلطة الخديوي توفيق التي كانت منحازة إلى الإنجليز ضد الوطن، وبسبب ذلك  فقد وظيفته. وعمل بالمحاماة مع صديق يدعى حسين صقر، غير أن المحاماة لم تكن مهنة محترمة في ذلك الحين، فكان العمل في المحاماة شبهة ومهانة، بل كان لا ينبغي لقاض أن يجالس محاميًا، و لكن سعد استطاع أن يرتفع بمهنة المحاماة حتى علا شأنها وأصبح فيها من هم أصحاب ذمة و شرف، ولاسيما انتخب قضاه من المحامين ، وكان أول محام يدخل الهيئة القضائية، ووضع حجر الزاوية في إنشاء نقابة المحامين عندما كان ناظرًا للحقانية وأنشئ قانون المحاماة 26 لسنة 1912.
 
السعي لتمثيل المجتمع المصري في مؤتمر الصلح بباريس
في 18 يناير من العام 1919، افتتح مؤتمر باريس للسلام أو ما عرف بمؤتمر الصلح، والتي قد شاركت فيه وفود من 27 دولة قسمت إلى 52 لجنة، عقدت 1646 جلسة لإعداد التقارير، بمساعدة العديد من الخبراء، حول مواضيع شتى منها تقرير مصير الشعوب، وقبيل افتتاح المؤتمر تعالت في مصر أصوات داعية بضرورة مشاركة الشعب المصري في مؤتمر الصلح، في 24 نوفمبر قام سعد وزملائه من أعضاء الجمعية التشريعية، علي شعراوي وعبد العزيز فهمي، بزيارة للمندوب السامي البريطاني السير وينجل، لمقابلته والمطالب بالاستقلال، وعرفت هذا اليوم بـ"يوم الجهاد"، وحدث الحوار بينهم واحتدم النقاش بين المندوب السامي والثلاثة، وقال لهم لماذا تريدون السفر، فردوا نحن نمثل الشعب المصري ، فرد بأي صفة ؟، فقالوا نحن أعضاء في الجمعية التشريعية، فقال لهم إن هذه الجمعية تم حلها وطردهم من مكتبه.
 
وفيما بعد شجبت الخارجية البريطانية السير وينجل وعلى أنه استقبل الوفد، وقالت علينا أن نجعل سياستنا أكثر وضوحًا، وأنه كان على وينجل التعامل بشدة أكبر من ذلك مع سعد ورفاقه.
 
وأعقب هذه المقابلة التي فشلت مساعيها تأليف وفدًا مصريًا، للسفر للمشاركة في مؤتمر الصلح، وقامت حركة جمع التوكيلات الشهيرة بهدف التأكيد على أن هذا الوفد يمثل الشعب المصري في السعي إلى الحرية، فتهافت على التوكيلات المصريين من كل حد وصوب، ومثلوا المسيحيين والعصبيات الكبيرة من القبائل والعائلات في أنحاء مصر.
 
وفي المادة الثانية من قانون الوفد المصري، أن من مهام الوفد السعي بالطرق السلمية المشروعة للاستقلال بمصر استقلالًا تامًا، وإزاء تمسك الوفد بهذا المطلب، وتعاطف قطاعات شعبية واسعة مع هذا التحرك.
 
القبض على سعد زغلول ورفاقه ونفيهًا سرًا إلى مالطا
في مساء يوم الثامن من مارس من عام 1919، قامت السلطات البريطانية بالقبض على سعد زغلول وثلاثة من أعضاء الوفد المصري وهم محمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي، واعتقلوا في قصر النيل، ثم قام الإنجليز بترحيلهم تحت حراسة مشددة إلى بورسعيد، وهناك تم نقلهم على ظهر باخرة عسكرية وفي حينها أدرك سعد ورفاقه إنه يتم نفيهم إلى جزيرة مالطا.
 
اندلاع الثورة 
بداية من صباح اليوم التالي 9 مارس،  انتفض الشعب بكل طوائفه ومكوناته وفئاته ضد الإنجليز والمطالبة بتحرير سعد ورفاقه، فأشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات، وفي خلال يومين فقط، امتدت الاحتجاجات لتشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الأزهر، وخرج في الشوارع 
 وخلال بضعة أيام كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن في أنحاء المحروسة، ففي العاصمة قام عمال السكك الحديدية بإضراب  والذي جاء عقب قيام السلطات البريطانية بإلحاق بعض الجنود للتدريب بورش العنابر في بولاق للحلول محل العمال المصريين في حالة إضرابهم، مما عجّل بقرار العمال بالمشاركة في الأحداث.
 
 ولم يكتف هؤلاء بإعلان الإضراب، بل قاموا بإتلاف محولات حركة القطارات وابتكروا عملية قطع خطوط السكك الحديدية – التي أخذها عنهم الفلاحون وأصبحت أهم أسلحة الثورة، واضرب سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك، وعقب ذلك إضراب عمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية ومصلحة الجمارك بالإسكندرية.
 
وارتبطت حركات الإضراب بين مشاركة العمال في الحركة وبين المطالب النقابية، وهو ما حدث على سبيل المثال في حالة إضراب عمال ترام الإسكندرية ومصلحة الجمارك والبريد، حيث سبق الإضراب رفع هؤلاء العمال مطالب بزيادة الأجور وتحسين شروط العمل، ولم تتوقف احتجاجات المدن على التظاهرات وإضرابات العمال، بل قام السكان في الأحياء الفقيرة بحفر الخنادق لمواجهة القوات البريطانية وقوات الشرطة، وقامت الجماهير بالاعتداء على بعض المحلات التجارية وممتلكات الأجانب وتدمير مركبات الترام.
 
 
بريطانيا ترضخ لإرادة المصريين
أرغمت الاحتجاجات الشعبية والسياسية الواسعة في أنحاء مصر، على تنفيذ مطلب المصريين وسببت حرجًا كبيرًا، واضطرت إلى  عزل الحاكم البريطاني السير وينجل، وتعيين بدلًا منه الجنرال لمبي، والذي قرر رفع حظر السفر على المصريين، ويفرج عن سعد ورفاقه ويسمح لهم بالسفر للمشاركة في مؤتمر الصلح في باريس وتمثيل مصر، لتنتصر بذلك إرادة المصريين، و تكون فرصة سانحة لسعد زغلول ورفاقه لتحقيق مطالب الشعب المصري والاستقلال. وعقب ذلك انخفضت حدة ثورة 1919 والذي جاء تاليًا لأسابيع من العنف الهائل من جانب السلطات في مواجهة الشعب، بدأت تهدأ الاحتجاجات شيئًا فشيئًا.
 
لجنة ملنر تشعر ثورة المصريين مرة أخرى
عندما ذهب سعد إلى مؤتمر الصلح تعرض للصدمة هو ورفاقه بتخازل الرئيس الأمريكي وليسون، أن ليس من حق مصر الاستقلال التام عن بريطانيا، وهو ما واجهه سعد ورفاقه المعارضة الشديدة، ومما دعا الشعب إلى الإنتفاض مرة أخرى وازدياد نيران الثورة بعد خفوتها، وكانت المظاهرات تجوب القاهرة حتى وصلت إلى عدلي يكن رئيس الوزراء، وهتفت " خرابًا خرابًا ديار العدليين".
 
 وبادرت بريطانية بإرساله لجنة وعلى رأسها ألفريد ملنر وزير المستعمرات البريطانية، للتحقيق في  أحداث الثورة، ودعا سعد زغلول من باريس إلى مقاطعة اللجنة،  وعدم التعامل معها فأستجاب له الشعب، ومن هنا أيقنت بريطانيا عن مدى زعامة سعد زغلول ومدى تأثيره وكاريزمته على الشعب، وأدار سعد لجنة المقاطعة من باريس فتبادل الخطابات السرية مع سكرتير الوفد وقائد التنظيم السري للثورة عبد الرحمن فهمي المكتوبة بماء البصل في المجلات الطبية المرسلة إلى مصر.
 
سعد زغلول يحث الشعب على الجهاد الوطني ضد الإنجليز 
أظهر سعد زغلول الشدة والحسم في تلك المرحلة بالتمسك التام بالاستقلال الكامل عن مصر، وتواردت الأخبار عن مصر أنه الأحداث تغلي وتشهد حالة من الثورة على أشدها ، فيعود سعد زغلول من باريس ويستقبل استقبال الأبطال، ويخرج جموع الشعب لاستقباله في  مواكب مهيبة وتغنت الأغاني في حبه ودعمًا له، هذا بالرغم  من عدم نجاحه ورفاقه في مهمتهم.
 
وواصل سعد الحث على الجهاد ضد الإنجليز وعدلي يكن، ويجتمع مع رفاقه في بيته وأرسلت السلطات البريطانية خطاب إنذار له لكن سعد تجاهل التحذير واجتمع برفاقه. 
 
 
نفي سعد زغلول إلى جزيرة سيشل 
وبذلك اعتقلت السلطات البريطانية سعد زغلول وتم نفيه هو ورفاقه خارج البلاد وتم حظر أي شكل من أشكال الاحتفاء والذكر و التبجيل  من الشعب لسعد زغلول، وكسر المصريون هذا الحظر فانطلقت الأغاني التي تتحايل على الحظر مثل "يا بلح زغلول  يا حلاوة".
 
سعد زغلول يعود للبلاد من المنفى
 28 من فبراير عام 1923 أعطت بريطانيا الاستقلال المشروط لمصر، واصدر اللورد لمبي بإلغاء الأحكام العرفية وعودة المنفيين للوطن، ومنهم سعد ورفاقه وفي 17 سبتمبر 1923 وصل سعد ورفاقه إلى ميناء الإسكندرية واستقبل بحفاوة بالغة ليؤكد المصريون إن سعد بحق هو زعيمًا لهم وهتفوا في الشوارع "سعد زعيم الأمة .. سعد زعيم الأمة"، وعاد سعد زغلول ليشارك في الانتخابات النيابية وبفوز باكتساح في الانتخابات بعد حصد 90% من الأصوات، وتولى بذلك رئاسة الوزراء، سميت بوزارة الشعب، وكان بذلك أول طريق لسعد زغلول في تحقيق مطالب الشعب المصري.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter