كتب: هشام عواض
خلال فترة قبل حركة ضباط الجيش في 23 يوليو 1952، شهدت الساحة المصرية العديد من الرموز الوطنية، ومنهم المسيحيون الذين وصلوا لأعلى المناصب في الدولة ومنها تولى الوزارات وحتى رئاسة الحكومة نفسها مثل نوبار باشا نوباريان، وتولى غيره العديد من الوزارات والمناصب الحكومة في عد العهد الملكي خلال الأسرة العلوية، وحتى في بدايات التأسيس، فكان من أقرب الأقربين من محمد علي باشا شخصيات مسيحية من الأرمن واليونانيين، وعلى رأسهم بوغوص يوسيفيان، مما جعل محمد علي وأبنائه فيما بعد يقربوا أكثر الشخصيات الأرمنية واليونانية وغيرها من المسيحية عامةَ، ونستعرض في الأسطر التالية بعض من الشخصيات التي تولت أرفع المناصب.
مكرم عبيد رفيق سعد زغلول في الكفاح ووزير 3 مرات
شغل مكرم عبيد باشا، العديد من المناصب الحزبية في حزب الوفد والحكومية حيث شغل منصب وزير المواصلات ثم وزير المالية في مصر في 3 وزارات، وهو السياسي البارع والبارز خلال فترة الكفاح الوطني خلال فترة ثورة 1919، ويعد من أبرز المفكرين المصريين، وولد مكرم عبيد في محافظة قنا يوم 25 أكتوبر 1889، ويعد أحد أبرز رموز الحركة الوطنية في مصر.
وكان "مكرم" ضمن الوفد المصاحب لسعد زغلول باشا وتم نفيه مع سعد زغلول ورفاهم إلى جزيرة مالطة وعادوا بعد ثورة 1919، كما يعد من أبرز رموز حزب الوفد بعد تأسيسه عام 1918.
وبعد وفاة سعد زغلول تولى منصب سكرتير لحزب الوفد وترشح كعضو في مجلس النواب حتى عام 1946، وأحد مفكري مصر في حقبة الأربعينات والخمسينات.
ودرس مكرم القانون في جامعة أكسفورد البريطانية، وحصل على ما يعادل الدكتوراه في عام 1912، عمل سكرتيرًا لصحيفة الوقائع المصرية ثم سكرتيرًا خاصا للمستشار الإنجليزي أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم عمل في المحاماة وأختير كنقيب للمحامين، في لنقابة التي أسسها سعد باشا زغلول.
وفي عام 1919م انضم إلى حزب الوفد ، وفي عام 1928 تم تعيينه وزيرًا للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتيرًا عاما للوفد، وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيرًا للمالية، وحصل على البشوية، وشارك في الوزارات الثلاثة التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي في عام 1946.
وبعد خلافات دبت داخل حزب الوفد قرر الانفصال وتأسيس الكتلة الوفدية وقدم مكرم عريضة تضم مخالفات مالية في مجلس النواب تعرف بـ"الكتاب الأسود"، لكن تسببت في عزله لاحقاً من مجلس النواب ثم اعتقاله.
كان مكرم عبيد خطيباً بارعاً ، حيث ساهم في ذلك إتقانه الشديد للغة لعربي ، يُعد مكرم عبيد أيضًا صاحب فكرة النقابات العمالية وتكوينها، والواضع الأول لكادر العمال في مصر ووضع الحد الأدنى للأجور وتوفير التأمين الاجتماعي لهم، وواضع نظام التسليف العقاري الوطني، كما أنه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل، وتوفي 5 يونيو 1961. ناصب في المملكة المصرية، قبل إعلان الجمهورية.
بطرس غالي.. أول باشا مسيحي ووزير الخارجية الأبرز
صعد نجم بطرس غالى سريعًا لبراعته وحنكته، فتولى في عام 1893 نظارة المالية في بداية عهد الخديو عباس حلمي الثاني في نظارة رياض باشا التي استمرت قرابة عام، ثم لم يلبث أن أصبح ناظرًا للخارجية، في النظارة الثالثة التي شكلها مصطفى فهمي باشا الذي كان يعتبر رجل الإنجليز فى مصر، واستمر فى نظارة الخارجية ثلاثة عشر عامًا من 12 نوفمبر1885 حتى 11 نوفمبر 1908 وهى أطول فترة يشغلها ناظر فى هذا المنصب الكبير، وكان بطرس غالي هو أول من يحصل على رتبة الباشاوية من المسيحيين.
ولكن قبل كل ذلك كان بطرس غالي، الذي ولد في بلدة الميمون بمحافظة بني سويف سنة 1846، وفي طفولته ذهب إلى أحد الكتاتيب كغيره من المصريين حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة ثم التحق بالمدرسة القبطية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مدرسة البرنس مصطفى فاضل، وكانت تلك المدرسة تهتم بتدريس اللغات فأتقن الإنجليزية والتركية، تلقى تعليمه في كلية البابا كيرلس الرابع.
في بدايات حياته يعمل مدرسًا، حيث عُين مدرسًا بالمدرسة القبطية بالقاهرة، لكنه سافر بعد ذلك في بعثة إلى أوروبا لتلقي تعليمه العالي هناك، وعندما عاد بطرس من أوروبا عمل في الترجمة بالإسكندرية، وعندما قامت الثورة العرابية في مصر بقيادة أحمد عرابي كان بطرس من أنصارها ومن المنادين بالتفاوض مع الخديوي، ولذا اختير ضمن وفد المفاوضة للتفاوض مع الخديوي باسم العرابيين.
وفي حين تولي غالي، وزارة الخارجية صاغ ووقع على اتفاقية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان عام 1899، كرئيس وزراء، وافق على تمديد امتياز شركة قناة السويس 40 عامًا إضافية من 1968 إلى 2008 في نظير 4 مليون جنيه تدفع على أربع أقساط، تمكن محمد فريد من الحزب الوطني من الحصول على نسخة من المشروع في أكتوبر 1909 ونشرها في جريدة اللواء.
ويذكر أن نشأ بطري غالي محبًا للإنجليز مما مهد لعمله في وزارة مصطفى فهمي باشا الذي وصفه الإنجليز بأنه "إنجليزي أكثر من اللازم ومصري أقل من اللازم"، فكان ذلك سبب لاغتياله وذلك في حين تنامي الحركة الوطنية بمصر تحت شعار "مصر للمصريين"، أصبحت سياسات بطرس غالي شديدة الولاء لبريطانيا بؤرة لنقمة الوطنيين المصريين.
في الساعة الواحدة بعد الظهر يوم 20 فبراير 1910، خرج بطرس غالي من غرفته في ديوان الخارجية بصحبة حسين باشا رشدي ناظر الحقانية، وفتحي باشا زغلول (وكيل الحقانية)، وعبد الخالق ثروت النائب العمومي، وأرمولي بك التشريفاتي بالخارجية، ثم فارق من كانوا معه عند السلم الخارجي، وبينما هو يهم بركوب عربته اقترب منه هذا الفتي إبراهيم نصيف الورداني، الصيدلي الشاب العائد حديثًا من إنجلترا باغتيال بطرس غالي، متظاهرًا بأنه يريد أن يرفع له عريضة وأطلق عليه رصاصتين أصابته إحداهما في صدره، وما كاد يلتفت خلفه ليرى صاحب هذه الفعلة حتى أطلق عليه الفتس ثلاث رصاصات أخرى أصابت عنقه من الخلف واثنتين في كتفه، وأطلق رصاصة سادسة أصابت ثيابه. وتوفي بطرس غالي في صباح اليوم التالي متأثرًا بجراحه.
نوبار باشا.. أول رئيس وزراء مصري
حظي نوبار نوباريان الأرمني الأصل الذي يتحدث عشر لغات باختيار الخديوي إسماعيل كأول رئيس وزراء لأول وزارة مصرية في العصر الحديث، في الثالث والعشرين من أغسطس من عام1878، ليلعن بذلك تولي أول أرمني ومسيحي ثاني أعلى منصب في مصر، ووالد تاجر أرمني يدعى موغرديتش الذي كان متزوجًا من قريبة لبوغوص بك يوسفيان الذي كان وزيرًا ذو نفوذ في حكومة محمد علي باشا، وتعهد بوغوص بك نوبار بالرعاية وأرسله ضمن بعثات محمد علي إلى فيفي ثم تولوز في فرنسا لكي يتتلمذ لدي اليسوعيين "الجيزويت" مما أكسبة اتقانًا حاذقًا للغة الفرنسية.
ولد نوبار باشا ولد نوبار باشا بأرمينيا في 4 يناير عام 1825، والتحق بمدرسة ابتدائية بمدينة جنيف السويسرية، وتزامل مع الأمير نابليون "الإمبراطور نابليون الثالث فيما بعد"، والتحق بمعهد سويريز، حيث درس هناك أربع سنوات (١٨٣٦- ١٨٤٠).
وعاد نوبار إلى مصر قبيل بلوغه الثامنة عشر، ثم تدرب لمدة 18 شهرًا كسكرتير لبوغوص بك، الذي كان وقتها وزيرًا لكل من التجارة والعلاقات الخارجية، بعد ذلك في عام 1845 انتقل ليصبح سكرتيرًا لإبراهيم باشا وريث العرش المنتظر، وصحبه في مهمة خاصة إلى أوروبا.
قام نوبار بأول عمل له في باريس عام ١٨٤٢ بناء على تكليف من الحكومة المصرية، وعمل بمهنة المترجم في عهد كل من لمحمد علي عام ١٨٤٤، إبراهيم باشا في أكتوبر عام ١٨٤٧، عباس الأول عام ١٨٥١، الخديوي إسماعيل (١٨٦٣- ١٨٧٩). وقد عُين سكرتيرًا لسعيد باشا عام ١٨٥٤، وتولى تنظيم المرور العابر بين القاهرة والسويس عام ١٨٥٤، ثم أحيل إلى التقاعد عام ١٨٥٥. كما شغل نوبار منصب ناظر الأشغال العمومية عقب تأسيسها على يده عام ١٨٦٤، كما أسندت إليه إدارة السكك الحديدية، ولم يكن لها مدير خاص وظلت تابعة له حتى ٩ يناير ١٨٦٦،
أنشئ في عهده الخط الحديدي الإسكندرية – السويس، استطاع أن ينتزع من العثمانيين فرمانات ١٨٦٦، ١٨٦٧، ١٨٧٣ والتي بمقتضاها تم تعديل نظام وراثة العرش فأصبح في أكبر أبناء الوالي، تشكيل لجنة إدارية عام ١٨٨٤ للتحقيق مع الأشخاص المتهمين بالسرقة أو الذين يشكلون خطراً على الأمن العام، سعى في أوائل عام ١٨٨٨ إلى تنظيم البوليس. والشيء المستغرب أن أول رئيس وزراء لمصر كان لا يتكلم اللغة العربية. توفي نوبار باشا عام ١٨٩٩.
بوغوص بك يوسفيان الصديق المقرب لمحمد علي باشا ووزير التجارة
بوغوص بك يوسفيان (1768 - 11 يناير 1844)
أقام بوغوص بك يوسفيان في مدينة رشيد بعد وفاة والده، ولكنه رحل إلي أزمير التركية عقب دخول الفرنسيين مصر. وقد عاد بعد مغادرتهم البلاد، وقد اتهم بتبديد أموال محمد علي فصدر الأمر بقتله، غير أن الأمر لم ينفذ لأن بوغوص كان قد أدى بعض الخدمات إلي جلاده. وبعد أيام ندم محمد علي لقتل بوغوص. فأحضره الجلاد فطلب بوغوص المغفرة وعفا عنه مولاه.
لم يفارق الباشا لحظة واحدة, فكان ترجمانه ووزير خارجيته ووزير تجارته. وقد قال محمد علي ذات يوم: إن بوغوص هو الرجل الوحيد الذي أثق به كل الثقة واعتمد عليه كل الاعتماد.
واستطاع بوغوص أن يكون له نفوذ كبير وكان رأيه هو المرجح دائما, ولما توفي سنة 1844 أمر محمد علي بدفنه في موكب رسمي. كان أول صاحب لمنصب ( ناظر ديوان التجارة والأمور الإفرنكية) وكان مقره بالإسكندرية، وهو المنصب الذي تحول بعدئذ في عصر إسماعيل ليصبح ( ناظر الخارجية). وفاجأ محمد علي عند وفاته بعدم امتلاك ثروة سوى تسعة عشر شلنًا وسبعة عشر قيراطًا من الماس كانت ملكًا لمحمد علي باشا، بالإضافة إلى ست أوراق بيضاء مختومة أعطاها محمد علي إياه أثناء سفره إلى السودان، ولكن "يوسفيان" لم يستخدمها ولم يستغلها، هذا إلى جانب أن محمد علي لم يحدد راتباً منتظماً لـ"يوسفيان" على الرغم من أن محمد علي باشا ترك له حرية التصرف.
وكان بوغوص باشا من المقربين جدًا لمحمد علي من حاشيته، حيث استخدمه الوالي لمعرفة معلومات كثيرة عن الأسواق الأوروبية وما يجري فيها، والأحداث السياسية العالمية ليطلق عليه "مستشار محمد علي وفيلسوفه".
ويعتبر يوسفيان أنزه من تولى مناصب في عصره، ما جعل محمد علي غاضبًا وقت وفاته ليرسل لـ"نوبار باشا" يؤنبه على عدم إقامة جنازة عسكرية له، وأمره بأن يُخرج جثمانه ويعاد دفنه في جنازة عسكرية، وعلى الرغم من عدم إخراج جثمانه إلا أن أُقيمت له جنازة عسكرية كبيرة.
وولد يوسفيان في إزمير عام 1768، وتعلّم في منزل خاله أركيل الذي كان يعمل مترجمًا في القنصلية البريطانية في أزمير على يد معلمين خصوصيين، حيث تعلّم الكثير من اللغات، ووصل إلى مصر عام 1791 حيث عمل بالتجارة واستأجر جمرك رشيد، ليترك مصر ويعود إلى أزمير عام 1798، لكي يعمل مترجمًا بالقنصلية البريطانية بها.
وهاجر يوسفيان إلى الإسكندرية عام 1800 وعمل كمترجم لضابط بريطاني يُدعى سيدني سميث، وفي عام 1802 عيّن مترجمًا لخسرو باشا ثم خورشيد باشا بعد ذلك، وعيّنه محمد علي باشا في وظيفة ترجمان واستطاع تأجير جمرك الإسكندرية من محمد علي مقابل 2500 كيسة لمدة خمس سنوات، وبعد ذلك منحه محمد علي رتبة البكوية عام 1818 ليعيّنه ناظرًا لديوان التجارة والأمور الإفرنجية في 1826. وتوفي يوسفيان، في يوم 11 يناير عام 1844 عن عمر يناهز 74 عامًا.