الأقباط متحدون - البرلمان وفتنة «العدالة الانتقالية»
أخر تحديث ٠١:٠٤ | الاربعاء ٢١ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ١١ | العدد ٤٠٥٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

البرلمان وفتنة «العدالة الانتقالية»

د. حسن أبوطالب
د. حسن أبوطالب

البرلمان مقبل على تحدٍّ كبير اسمه صُنع قانون العدالة الانتقالية، الذى يُعد استحقاقاً دستورياً وفقاً للمادة 241 فى الدستور، التى تنص على: «يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية». وهذا التحدى المُنتظر له جانبان، وفقاً لتصريحات نُشرت مؤخراً للنائب طارق الخولى؛ وهما أولاً المدى الزمنى الذى يُطبّق فيه هذا القانون، هل بداية من حكم الرئيس الأسبق «مبارك» 1981، وحتى الآن، أو خلال فترة حكم «الإخوان» وحسب؟ وثانياً مدى إلزام القانون بالمصالحة مع «الإخوان». وكانت للنائب أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار، تصريحات سابقة ترى أن قانون العدالة الانتقالية سوف «يلبس البرلمان فى الحائط»، وسوف يصنع فتنة داخل الدولة «إذ كيف نتصالح مع الإخوان، وهم الذين يؤذوننا ولم يكفوا عن سياساتهم». وهى تصريحات تعكس نوعاً من الحيرة فى تبيان المغزى العام من إصدار وتطبيق مثل هذه القوانين ذات الطابع الخاص وتصدر فى حالات خاصة جداً، تكون مؤسسات الدولة قد مارست ضغوطاً وانتهاكات جسيمة بحق المجتمع دون أى ضوابط قانونية.

وبالنظر إلى نص المادة 241، نجد أنها تتحدث بشكل عام عن قانون يكشف الحقيقة والمحاسبة واقتراح أطر المصالحة الوطنية، ولم تُحدّد المادة هؤلاء الذين يجب مصالحتهم، بل تركت الأمر لاجتهاد مجلس النواب، وكل ما اشترطته هذه المادة هو أن يلتزم القانون بالمعايير الدولية فقط لا غير. وطالما أن الأمر بيد النواب، فأتصور أنه لا توجد مشكلة حقيقية بالمعنى الوارد فى تصريحات النائبين المحترمين الُمشار إليهما سابقاً. فالمعايير الدولية تتحدّث بصراحة عن مصالحة هؤلاء الذين تعرّضوا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كالتمييز العرقى والفصل العنصرى كحالة جنوب أفريقيا فى الفترة من 1948 إلى 1994، والاعتقالات الجماعية العشوائية والاغتصاب والاختطاف والتعذيب المنهجى كحال الأرجنتين إبان حكم الجنرالات 1976 إلى 1984، والاعتقالات العشوائية والسجن لفترات طويلة لكل أفراد الأسرة والأقارب دون محاكمات ودون معرفة مكان الاحتجاز أو السجن، والتعذيب والتهجير الجماعى كحال المغرب بعد استقلالها 1956 وحتى 1990، والمعروفة بسنوات الرصاص. وفى الحالة التونسية فقد حدّد قانون العدالة الاجتماعية الصادر فى ديسمبر 2013 هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب والاختفاء القسرى والاغتصاب والإعدام العشوائى، وحدّد المدة الخاضعة للقانون منذ الاستقلال وحتى نهاية ديسمبر 2013.

وفى هذه الحالات وغيرها، فإن السلطة الحاكمة هى التى قامت بالانتهاكات الجسيمة، وحين تغيّرت الظروف فقد بات على السلطة الجديدة، ولغرض إشاعة الاستقرار فى المجتمع أن تصالح الذين تضرّروا من الممارسات غير القانونية السابقة، وأن تعوّضهم مادياً ومعنوياً، وأن تسجّل هذه الانتهاكات من خلال لجان خاصة يُحدّدها القانون ذاته بهدف حفظ الذاكرة، على أن تكون ماثلة أمام الأجيال جميعها، أى خلق حصانة مجتمعية ومعنوية تحول دون تكرار مثل هذه الانتهاكات الجسيمة مستقبلاً. وعلينا أن نلاحظ هنا أن أصل الانتهاكات الجسيمة أنها تتم خارج نطاق القانون وتوجّه إلى المجتمع ككل ولا تفرق بين مكوناته، وأن هدفها هو بث الذعر لدى المجتمع ومن ثم خضوعه للسلطة الغاشمة القائمة دون معارضة أو رفض.

ونُلاحظ فى التجارب الشهيرة لتطبيق العدالة الانتقالية، كحالات جنوب أفريقيا والأرجنتين والمغرب، أن تحديد المدة الزمنية ارتبط أساساً بفترة ارتُكبت فيها الانتهاكات الجسيمة على نطاق واسع، ومن ثم كان هناك متضرّرون على نطاق واسع، وبالتالى فالهدف من المصالحة بكشف الحقيقة والتعويض واستعادة المكانة هو استعادة التماسك المجتمعى وإشاعة الثقة فى السلطة الجديدة.

والسؤال الذى يفرض نفسه هل تُطبّق العدالة الانتقالية على هؤلاء الذين يمارسون الإرهاب ويقومون بأعمال تخريب واسعة، ويُحرّضون على بلدهم بالتعاون مع جهات خارجية تدعمهم بالتمويل والمساندة المعنوية، ويشكلون فرقاً لاغتيال الشخصيات العامة، ويسعون إلى تشكيك المجتمع فى هويته الوطنية، ولا يعبأون بالقانون أو الدستور، ولا يعترفون بشرعية حكومتهم؟ الإجابة فى التجارب المُشار إليها، وكذلك فى المعايير التى وضعتها الأمم المتحدة، وهى ببساطة أن العدالة الانتقالية وجوهرها المصالحة لا تُطبّق على الإرهابيين ومن على شاكلتهم، فهؤلاء يكونون مطلوبين للعدالة الناجزة والقصاص منهم لما اقترفوه فى حق الشعب والقانون والدستور والدولة. ولذا فالمسألة محسومة، فـ«الإخوان» التى يُصنّفها القانون من خلال أحكام قضائية لا لبس فيها كجماعة إرهابية ولا تهاون فى مواجهتها هى خارجة أصلاً من نطاق المصالحة التى تنص عليها معايير العدالة الانتقالية، ومجالها الطبيعى هو محاسبتها جنائياً على ما تقترفه من إرهاب وعنف وتخريب وقتل. بعبارة أخرى لا مجال للحيرة والارتباك، والأفضل هنا لأعضاء البرلمان أن يضمنوا القانون المقترح نصاً واضحاً بأن مواده لا تنطبق على كل من قام بعنف بأشكاله المختلفة ضد الدولة ومؤسساتها ورموزها، ولا تطبق على أى جماعة انتهكت القانون والدستور أو شاركت فى اغتيال شخصيات عامة، وأن المعنيين حصراً بالقانون هم الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من السلطة القائمة. وللنواب أن يُحدّدوا الفترة الزمنية بما يتناسب مع الهدف الرئيسى من هذا القانون. وأتصور أن الاتجاه الأكثر صواباً أن تمتد الفترة من 1981 وحتى 30 يونيو 2013.

وإذا ما أخذنا بالرأى المشار إليه بالنسبة للفترة الزمنية يطل علينا تساؤل جوهرى، وهو هل كانت هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالتى شهدتها بلدان كالمغرب والأرجنتين مثلاً، وهل كان هناك تعذيب منهجى لمعارضين وعلى نطاق جماعى واسع؟، وهل عرفت مصر الاختطاف والاختفاء القسرى لعدة آلاف أو لمئات الآلاف؟، وهل الذين عُوقبوا بالسجن من جماعات إسلامية مارست العنف ضد الدولة كما حدث فى عقد التسعينات كان ذلك دون محاكمة أو عبر محاكمة استوفت شروطها القانونية والإجرائية؟ وفى ظنى، وبعض الظن قد يُخطئ دون قصد، أن مصر لم تعرف الانتهاكات الجسيمة على نطاق جماعى، وأن ما حدث هو انتهاكات بحق أفراد، وهم الأولى بتطبيق القانون المقترح دون غيرهم.

خلاصة القول أن قانون العدالة الانتقالية لا يُشكّل معضلة فى حد ذاته، ففى كل الحالات التى طُبق فيها هذا القانون كان يراعى السياق العام الذى مرت به البلاد، بل كان يراعى أحياناً الظروف التى دفعت بعض القائمين بالتورُّط فى الانتهاكات الجسيمة ضد آخرين، وحالة الأرجنتين خير مثل.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع