بقلم: سليمان شفيق | الاربعاء ٢١ سبتمبر ٢٠١٦ -
٠٧:
١٠ م +02:00 EET
سليمان شفيق
فوجئت بأن أجيالا شبابية وطنية تخلط بين مفهومها للدولة المدنية وبين استبعاد المؤسسات الدينية، خاصة الأزهر والكنيسة، دون أن تدرى أن المكون الدينى جزء لا يتجزء من تكوين الشخصية المصرية،كما أن الأدوار الوطنية للأزهر والكنيسة لا تنفى قاعدة فصل الدين عن الدولة كون الدولة شخصية اعتبارية «لا دين لها» ..
منذ مطلع القرن التاسع عشر شهدت مصر ست ثورات: خرجت الحملة الفرنسية من مصر 1801بعد نضال مرير لعب فيه الأزهر دورا مهما ومنه انطلقت ثورتا القاهرة الأولى والثانية، وتأسس أول جيش قومى يكافح ضد تخلف المماليك بقيادة الجنرال يعقوب، الذى لم ينصفه سوى المؤرخين «شفيق غربال ولويس عوض»، ثم 1804 اجتمع فى منزل نقيب الأشراف عمر مكرم كل من فضيلة شيخ الأزهر محمد الشرقاوى، وقداسة البطريرك الأنبا مرقص الثامن وآخرين، ووضعوا أول وثيقة دستورية فى الشرق وانطلقت ثورة 1804 التى أطاحت بالوالى العثمانى خورشيد، اعترافا بمكانة المؤسستين الدينيتين الكبيرتين، الأزهر والكنيسة، رغم أن الأقباط كانوا يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد من المماليك، إلا أن نقيب الأشراف رأى أن الكنيسة جزء لا يتجزء من المكون المصرى، ولا بد من وجودها كشريك فى العقد السياسى والاجتماعى الجديد، الذى أدى لإرساء معالم الدولة المصرية الحديثة، التى حكمها محمد على وأسرته 147 عاما، من ذلك المشهد وحتى 3 يوليو 2014 حيث كانت المؤسستين موجودتين فى الإطاحة بالوالى الإخوانى محمد مرسى، وتأكيد استقلال مصر من حكم الإخوان، حضر فضيلة شيخ الأزهر الشيخ محمد الطيب وقداسة البطريرك الأنبا تواضروس الثانى كشركاء فى العقد الاجتماعى والسياسى الجديد، وأيضا ما بين 1804 و3 يوليو 2014، تكرر نفس المشهد مع عرابى 1882، وسعد زغلول 1919، بل وبعد تصريح 28 فبراير بدأت لجنة الدستور، وفى لجنة دستور 1923 «30 عضوا»، مثلت الكنيسة الأنبا يؤانس ومن العلمانيين قلينى فهمى، وتوفيق دوس، وإلياس عوض، ودارت معارك عنيفة حول تمثيل الأقليات، ولكن الأهم أن لجنة دستور 1923 فى العصر الليبرالى أرسى قاعدة أن تكون الكنيسة ممثلة فى اللجنة برجل دين جنبا إلى جنب من علمانيين أقباط، وكذلك مثل الأزهر الشريف فى اللجنة الشيخ الزنكلونى، لذلك لم تكن بدعة أن يمثل الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس عزيز والقس صفوت البياضى ممثلين للكنائس فى لجنة الخمسين التى وضعت دستور 2014 جنبا إلى جنب مع ممثلى الأزهر د.شوقى علام مفتى الديار ،المستشار محمد عبد السلام ،د. عبد الله مبروك، وكذلك علمانيون أقباط مثل د. مجدى يعقوب.
وكما كان للأزهر مكانة كبيرة فى الثورات المصرية، كان للكنيسة أيضا ثراء وطنى تمثل فى عدد من المواقف مثل مواقف البابا كيرلس الخامس المؤاز للثورة العرابية والمعادى للاستعمار البريطانى، حتى إنه حينما اختلف مع رئيس المجلس الملى العام بطرس غالى الكبير، قاضى دنشواى، اشتكاه الأخير للملك والإنجليز، ونفى البابا إلى دير البراموس لمدة عام، ومن غرائب الأشياء كما كتب «بلنت» مراسل التايمز بمصر، أن غالى كتب للمستعمرين أن البطريرك كان صديقا لعرابى!! وصولا للبابا شنودة الذى رفض الانصياع للسادات فى التطبيع مع إسرائيل فاحتجزه السادات فى دير الأنبا بيشوى، ومن ثم البطريرك تواضروس الثانى هو سليل هؤلاء البطاركة العظام، وإن كان البعض يحلو له أحيانا عن عدم إدراك التاريخ انتقاد الأزهر والكنيسة لأدوارهم الوطنية، ومحاولة الخلط بين هذه الأدوار وبين الأدوار السياسية، فلا بد من الإشارة إلى أن انحياز البابا وشيخ الأزهر للحاكم الوطنى هو انحياز للدولة الوطنية، الذين كانوا على مر التاريخ شركاء فى تأسيسها وتطورها وثوراتها، اللهم إلا إذا كان البعض يختلف أو يتفق مع أدوارهما حسب ميوله السياسية، مثلا الإخوان الإرهابيون وحلفاؤهم ضد مشاركة الأزهر والكنيسة فى إعلان وثيقة 3 يوليو، لأنها كانت ضدهم، مثلما تعلو بعض الأصوات الآن بشكل انتقائى.
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع