فى مثل هذا اليوم 21 سبتمبر 1860م ..
سامح جميل
وفاة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (ولد في الثاني والعشرين من شباط/ فبراير عام 1788) من هم آثاره "العالم كإرادة وفكرة" صدر عام 1819)...
أرتور شوبنهاور (1788 – 1860 م) فيلسوف ألماني، معروف بفلسفته التشاؤمية يرى في الحياة شراً مطلقاً، فهو يبجل العدم وقد كتب كتاب العالم فكرة وارادة الذي سطر فيه فلسفته التي يربط فيها العلاقة بين الإرادة والعقل فيرى أن العقل أداة بيد الإرادة وتابع لها.
ولد في الثاني والعشرين من شهر فبراير لسنه 1788 م درس الفلسفة بجامعة جوتنجن بين عامي 1809 و1811، ثم انتقل إلى جامعة برلين (1811 – 1813م) حيث ختم دراسته بحصوله على الدكتوراةعن رسالته التي دونها تحت عنوان :(الأصول الربعة لمبدأ السبب الكافي) وهي رسالة في العقل وصلته بالعالم الخارجي , و قد كان تلميد لكانط . مات أبوه منتحرا وهو في السابعة عشرة (1805م) عاش بعد ذلك حياة شقية تعيسة بسبب خلافه مع أمه بسبب حياة التحرر من كل قيود الفضيلة التي عاشتها أمه بعد أبيه، وقد انتهى الخلاف بينهما إلى قطيعة كاملة حتى ماتت ولم يراها، وقد سبب سلوك أمه شعورا عنده بالمقت الشديد للنساء لازمه طوال حياته، فلم يرتبط بامرأة حتى مات. قام بالتدريس بجامعة برلين (1820 – 1831م) ولم يكن موفقا ولا مقبولا من الطلاب، وقد عزا ذلك هو إلى غيرة الأساتذة الآخرين منه، وتآمرهم ضده ولم تكن كتبه تلقى رواجا مما سبب له إحساسا مضاعفا بالشقاء والتعاسة، لكن في أخرىات حياته، بدأت كتبه تروج والإقبال عليها يتزايد، فشعر بالسعادة والرضا. كان له بعض المال الذي ورثه عن أبيه، مكنه استغلاله لهذا المال من الحصول على غرفتين بإحدى الفنادق المتوسطة، عاش فيها طوال الثلاثين عاما الأخيرة من حياته، عاش هذه السنين في هاتين الحجرتين، وحيدا بلا أم ولا زوج ولا ولد ولا أسرة ولا وطن، ولا صديق، سوى كلبه الذي أطلق عليه اسم (أطما)، وهو اسم يطلق على روح العالم، أو الروح الكلي لدى البراهمة، ولكن سكان الفندق والقريبين من شوبنهاور كانوا يسمون الكلب :(شوبنهاور الصغير)
فكره
لقد لاحظ شوبنهار أن الوجود يقوم على أساس من الحكمة، والخبرة, والغائية، وأن كل شيء في الوجود دليل صادق على إدارة الفاعل، وقدرته، وحكمته، وخبرته، وإتقانه.
إن مزاج شوبنهاور، دفع به إلى اختيار نوعية معينة من الكتب، وكان اختياره منصباً على دراسة بوذا, ثم كتب الديانة الهندية، وتعمق لديه الإحساس بأن الحياة شر، وأن الحياة ليس فيها إلا الألم والمرض والشيخوخة والموت. والديانة الهندية تقوم على أن الحياة قائمة على أنواع من الشرور الطبيعية والخلقية.
في الحديث عن غريزة الجنس، شوبنهاور له موقف خاص جداً من هذه الغريزة، وموقفه هذا كان أساساً لمواقف بعض الفلاسفة، وسنداً لمذاهبهم، وتحديداً مذهب فرويد في علم النفس ومدرسته التي قامت على أساس من التركيز على دافع الجنس.
إن شوبنهاور يعلي من شأن الدافع الجنسي لدى الإنسان والحيوان, ويجعل منه الركيزة الأساسية التي تدور عليها حياة الفرد والجماعة، بل يجعل منه الأساس الأوحد الذي تدور عليه الحياة عند كل الكائنات، وبخاصة الإنسان، ومن ثم فإن الجنس هو مفتاح السلوك الإنساني، وعلى أساس منه يمكن تفسير كل سلوك إنساني من الألف إلى الياء.
مؤلفاته
كتب شوبنهاور رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه عام 1813م وكان الكتاب عن ((الأصول الأربعة لمبدأ السبب الكافي)). وهو يقصد بالسبب الكافي علاقتنا بالعالم الخارجي وفهمنا إياه. ويرى أن السبب الكافي الذي يتحدث عنه يقوم على أصول أربعة هي: ((علاقة بين مبدأ ونتيجة- علاقة بين علة ومعلول- علاقة بين زمان ومكان – علاقة بين داع وفعل)). والصور الثلاثة الأول تخص التصور النظري, أما الصورة الرابعة فهي العمل. وهذه الأربعة هي التي ينشأ عنها تصورنا للعالم الخارجي, وانفعالنا معه. ثم أخرج كتابه الثاني وهو((العالم إرادة وتصور)) أو ((العالم إرادة وفكرة)). وقد فتن بكتابه هذا حتى ظن أنه قد وضع فيه التصور النهائي للوجود والفكر. ولكن كتابه هذا لم يلق قبولاً, حتى أنه بعد ما يزيد على العشرة أعوام, أُبلغ شوبنهاورأن جزءاً من نسخ كتابه قد بيع ورقاً فاسداً تُلف به البضائع, فازداد تشاؤماً, وأرجع ذلك إلى مؤامرة تحاك ضده من جميع المفكرين والفلاسفة, وأنهم لا يفهمون فلسفته لأنه يكتب للأجيال القادمة, ثم قال: (إن كتابي هذا مثل المرآة, فإذا نظر فيها حمار فلا تنتظر أن يرى فيها وجه ملاك). ثم نشر كتاباً تحت عنوان: (الإرادة في الطبيعة) (1836م), جمع في هذا الكتاب من الأمثلة والشواهد الطبيعية ما ظنه أدلة على نظريته في الإرادة الكلية, التي تحدث عنها في كتابه السابق. وفي سنة (1841م) أصدر كتاباً بعنوان: (المشكلتان الأساسيتان في فلسفة الأخلاق) وفي سنة (1851م) أصدر كتابين هامين عن : (النتاج والفضلات). وقد بذل فيهما قصارى جهده, وعصارة فكره, ولكنه تلقي عشر نسخ منهما تعويضاً له عن مجهوده في تأليفهما، فلم تكن مؤلفاته قد لقيت قبولاً بعد, وإن كانت فلسفته بدأت تلفت الأنظار.
وفي أخرىات حياته بدأت فلسفته التشاؤمية تلقى اهتماماً لدى الأوساط, مما جعله يشعر ببعض الرضا في خلال عام (1854م). وفي 21 سبتمبر 1860م جلس في الفندق المتواضع الذي قضي فيه الثلاثين عاماً الأخيرة من عمره. وكان يتناول إفطاره, وبعد ساعة وجدته صاحبة الفندق ما يزال جالساً كما هو, فاقتربت تتفحصه فوجدته ميتاً. وقد ألف شوبنهاور كتاباغير معروف كثيرا في مجال المنطق والحجاج بعنوان"فن أن تكون دائما على صواب أو الجدل المرائي"، ترجمه مؤخرا إلى اللغة العربيةالأستاذ رضوان العصبة وراجعه الأستاذ حسان الباهي، والصادر عن منشورات ضفاف- دار الأمان، الطبعة الأولى، 2014. يلخص الأستاذ رضوان العصبة في مقدمته مضمون هذا الكتاب، الصفحة 16 و 17 و 18، فيقول إنّ هذا الجدل المرائي أو المشاغبي قصده أولا "الغلبة ومرامه الانتصار، وثانيهما أن من بغى ذينك استوسل المشروع من الأمور وغير المشروع منها، واحتال وكاد. ولما كان الأمر، كذلك استفسر عنه شوبنهاور واستفهم، فكان منتهى الفهم أن هو وجد الكبرياء الفطرية للكائن الآدمي شأنها أن لا تقبل أن يظهر إثباتنا كاذبا، وأن لا تقبل أن يكون إثبات الخصم صادقا. أنْ يُغلَبَ المرءُ ويُهزَمَ، فتلك هي الذلة والشماتة، لذلك ترى الواحد منا يفرغ الجهد ما أمكنه ذلك ذودا عن كبريائه وصونا لها، فيعمد إلى صادق الحجة وصحيحها أو قل مستقيمها، إنْ هو أنس من خصمه ميلا إلى الحق وإيثارا له، أو يجنح إلى كاذب الحجة وخاطئها أو قل ملويها، إنْ هو لقي من الخصم تعسرا واعتياصا. والذي عند الرجل أن الحقيقة ملك لذاك الذي حصل حجتها مستقيمها وملتويها، وأن الحجة سلاح دأبه أن يفرض الحقيقة الفرض وينتزعها الانتزاع، وقوة ديدنها أن تضع الحقيقة وضديدها الباطل؛ وفي هذا عمق نظر وعظيم درك؛ فإن هو كان نيتشه أعمل تقويضه ومطرقته في موضوعات الفلسفة أو قل أصنامها، فكان أن استفرد برأي في الحقيقة فريد عجيب لمّا عدّها انتاجا بل صناعة بيد الأقوياء، أي مفعولا لإرادة القوة، فإنّ هذه الفكرة تجد حضورها التكويني عند شوبنهاور، إذ لا وجود للحقيقة إلا تلك التي تملك قوة الحجة أو قوة السلطة أو هما معاً.
إنّ الجدل إذن، إن هو حقق أمره، تبين أنه فن أن نكون دائما على صواب، وفن لتمرير الدعاوى على أنها صادقة؛ فهو إذن ليس ينشغل بالحقيقة الموضوعية مثلما هو الأمر عند أرسطو، مادامت هذه الأخيرة ليست وجودا قبليا وإلا امتنع الحوار وكف البحث والاستقصاء، ولَمَا قامت للفلسفة قائمة، بل إنها وجود بعدي يقيمه التحاور وينشئه الجدل. وإنْ هو كان أرسطو قد فصل بين الجدل (الحقيقة المشهورة) والسفسطة (المغالطات)، فإنّ شوبنهاور قد وصل بينهما. لذلك وجدنا الكثير من الحيل التي أوردها في كتابه مأخوذة هي من كتابي الجدل والسفسطة لأرسطو، لِمَا علمت سابق العلم أنه ليس يميز بينهما لوحدة غرضهما ومشترك مقصودهما. ويعدد شوبنهاور في كتابه ثمانيا وثلاثين حيلة شأنها أن تنصر الدعوى (الحق) أو تحق نقيضها (الباطل)، وهي المعروفة عند أرسطو باسم المواضع les topiques، topi (المواضع الجدلية في كتاب الجدل، المواضع المغالطية أو الأمكنة المغلطة في كتاب المغالطات، المواضع الخطابية في كتاب الخطابة). ويؤاخذه شوبنهاور على اهتمامه بالجانب النظري وإغفاله الجانب التطبيقي العملي، هذا الجانب الذي انصرفت عناية صاحبنا إليه، يقول:"أكبّ أرسطو في الطوبيقا بروحه العلمية المعتادة، على تأسيس الجدل بطريقة جدِّ منهجيةٍ ونسقيةٍ، الأمر الذي يستحق إعجابنا وإن كان الهدف، وهو هنا عملي بالطبع، لم يتحقق فعلا... لا يبدو لي أنه بلغ هدفه، وقد حاولت معالجته بشكل مغاير". وبالجملة، فإنّ هذه الحيل جميعها تؤول إلى أسلوبين هما: ad rem (الحجة على الموضوع) وad hominem (الحجة على الذات)، وإلى طريقتين: دحض مباشر، ودحض غير مباشر ينقسم إلى العكس والحجة الفرعية. بالنسبة للأسلوبين، أعتقد أنهما وردا على التوالي عند أرسطو في كتاب الجدل باسم تبكيت الحجة وتبكيت الخصم. وختم الكلام عند شوبنهاور أنه ليس تخلو مطارحة من إعمال ذينك الأسلوبين والطريقتين".
شوبنهاور، فن أن تكون دائما على صواب، ترجمة العصبة رضوان، مراجعة وتقديم د. حسان الباهي، منشورات ضفاف- دار الأمان، الطبعة الأولى، 2014، ص: 16-18.
فلسفته
لقد قامت فلسفة شوبنهاور على الأسس الآتية: أولاً: أن الوجود عبارة عن المادة المطلقة, فليس في الوجود سوى المادة ثانياً: أن العلم عبارة عن (إرادة وفكرة). ثالثاً: الإرادة الكلية في الطبيعة عنايتها تنصب على الحفاظ على الحياة في الأنواع, ولذلك تهتم بالإبقاء على الأنواع في النبات والحشرات والحيوان والإنسان, وهي في اهتمامها بالنوع, لا تلقي بالاً إلى الأفراد الذين تطحنهم الآلام, ويعذبهم الشقاء, ويغرقون في بحار المآسي والشرور. رابعاً: الموت هو عدو الإرادة الكلية, وهو الذي يحاول أن يقضي على الحياة والأحياء, ولكن الإرادة الكلية تهزمه عن طريق غريزة الجنس التي تدفع الأحياء إلى التزاوج والتناسل، وبذلك تعوض الإرادة عن طريق النسل ما يأخذه الموت, وتبقي الحياة والأحياء تحقيقاً لرغبة الإرادة الكلية. خامساً: الحياة كلها, بل الوجود كله شرور وأحزان ومشقات وآلام, وليس في الوجود كله خير قط, ولا يعرف معنى السعادة, وأقصى ما يتصور من خير في الوجود، أن تقل شروره نوعاً أو تخف آلامه هوناً. الشر والشقاء والتعاسة هي جوهر الحياة, وحقيقة الوجود, وهذه الأشياء هي الجانب الإيجابي في الحياة, أما ما يسمي بالسعادة, أو اللذة, أو الخير أو غير ذلك، فليست أموراً إيجابية, بل هي أمور سلبية, بمعنى أن السعادة ليست إلا سلب الآلام, واختفاء الشقاء أو التخفيف منه قليلا، ومن ثم فلا وجود لشيئ اسمه السعادة أو اللذة، ولكن هناك شقاء وتعاسة وآلام, قد تكون شديدة، وقد تخف قليلاً أو كثيراً, فيسمي الناس هذه الحالة سعادة أو لذة. سادساً: وسيلة الإرادة الكلية في تنفيذ غايتها من بقاء النوع في الإنسان أمران: العقل, والغريزة الجنسية.
سابعاً: عود إلى ما قرره فيلسوف التشاؤم, من أن الوجود كله شر.فالوجود شر, لأن الألم والتعاسة هما الشيء الإيجابي, وأما ما نسميه سعادة ولذة, فهو أمر سلبي, فلا يزيد عن كونه سلباً للألم أو تخفيفاً منه للحظة, ثم تنتهي تلك اللحظة ليأتي الألم من جديد.
ثامنا : لكل ما تقدم من أدلة على أن الحياة آلام، والوجود شر – فيما يزعم شبنهاور - فإن الفيسلوف يدعو إلى نبذ الحياة – ويرغب في الانتحار تخلصا من شقاء الحياة وشرورها. والفيلسوف – وهو يرَغب في الانتحار ويدعو إليه – يبين أن الموت في ذاته لا يسبب للإنسان ألما قط، ولكن الناس يتألمون من فكرة الموت أكثر مما يتألمون من الموت نفسه ؛ لأن الإنسان لايلتقي بالموت أبدا، فكيف يتألم منه ؟ إن الإنسان طالما هو حي لم يمت، فهو لا يرى الموت ولا يلتقي به ومن ثم لا يتألم منه، فإذا ما انتحر الإنسان ومات، فإن الموت حين يجيئ يكون الإنسان قد ذهب، وعلى ذلك فالإنسان يخاف من فكرة الموت، لكن الموت حين يجيئ ويقع يكون الإنسان قد استراح من شقاء الحياة وآلامها، وتخلص نهائيا من الإرادة الكلية العمياء الشريرة التي لا عمل لها إلا ترغيبه في الحياة وإغراؤه بها ليظل يصلى شقاءها وآلامها...!!