قرارى بالكتابة اليوم عن موضوع إعلام الدولة، وعلى رأسه التليفزيون الذى يطلق عليه اسم «ماسبيرو»، ليس مرتبطاً بالخطأ الذى وقع منذ يومين، عندما أُذيع بالخطأ حوار تليفزيونى قديم، فأقام الدنيا ولم يقعدها، ودفع ثمن الخطأ فى رد فعل عصبى ومتوتر مسؤولون وموظفون. قرارى بالكتابة فى هذا الموضوع كان منذ أيام مع تلك «الهوجة» الممزوجة بالكثير من الشائعات وادعاء المعرفة والأصوات الخافتة التى تتحدث عن «دخول» أو «استهداف» أو «السيطرة» أو «توجيه» الإعلام.
كل تعبير من هذه التعبيرات يرتبط بالموقف من الدولة أو من وسائل الإعلام الجديدة التى احتلت مساحات الحديث فى المقاهى والفنادق وأوساط الإعلاميين وبعض المسؤولين، وكوبرى أكتوبر والمحور.
ساعتها عاد يراودنى السؤال الذى لم أتوقف عن طرحه منذ سنوات: وماذا عن إعلام الدولة؟ أنا ممن لديهم الكثير من الملاحظات على كل ما حدث ويحدث وسيحدث فى مسألة إدارة ملف الإعلام داخلياً وخارجياً، وظللت أحاول حتى الآن بلا جدوى لطرح الأسئلة الجادة حول هذا الملف وإدارته. وفى هذا الإطار كان دائماً السؤال: ماذا الدولة فاعلة بما تملك؟ لم تكن هناك أبداً إجابة واعية بأهمية ما تملك، بل كانت الإشارات دائماً شديدة السلبية تجاه إعلام الدولة.
المشكلة الأساسية هنا هى غياب التقدير الصحيح من الدولة لأهمية ما تمتلك من وسائل. الدولة فى موضوع التليفزيون الرسمى على سبيل المثال، بل أيضاً المؤسسات القومية، تتعامل معها باعتبارها عبئاً ومشكلة لو تخلصت منها لارتاحت، وبدا حال المسؤولين الذين تولوا هذا الملف فى محاولات لحله، وكأنهم يتعاملون مع تليفزيون الدولة باعتباره مشكلة، قد يكون الحل لها هو التخلص منها، بل من التليفزيون نفسه.
لم ينظر أحد أبداً إلى هذا الكيان باعتباره أصلاً من أصول الدولة، يعانى مشكلات يجب حلها، والهدف الرئيسى يكون بالحفاظ على هذا الأصل. لم ينظر أحد أبداً إلى هذا الكيان باعتباره أداة معطلة بسبب مشكلات على مر عقود، ويجب أن يُبذل الجهد لإزالة هذه المشكلات لتتحرر الأداة المهمة من المعوقات، فتنطلق دعماً لدولة فى مرحلة من المراحل الخطيرة فى وجودها، ودولة تواجه من التحديات ما لم تواجهه من قبل، فهذه مرحلة تحتاج فيها الدولة إلى كل الأدوات حتى تلك الأدوات التى تواجه مشكلة.
وليس الحل أبداً فى أن نستيقظ ذات يوم فنجد أن هذا الجزء من إعلام الدولة قد اختفت معه المشاكل الناجمة عنه، فهذا ليس إلا شكلاً من أشكال الانتحار الذاتى.
نعم.. تمر مؤسسة إعلام الدولة بأزمات حقيقية، ليس من فيها فقط هم السبب فيها، ولكن لأنه على مدار سنوات ظل التعامل معها بأسلوب غير مهنى وغير حرفى غير حريص على أن تستمر، وهذا هو السبب الأساسى الذى أدى إلى تلك النتيجة.
قد يكون سلوكاً صحيحاً أن تتخذ قراراً ضد شخص مخطئ، ولكن هناك ارتباطا شرطيا بصحة هذا القرار، والشرط هنا أن تكون هناك مؤسسة مهنية صحيحة.
معركة الدولة فى المرحلة القادمة يجب أن تكون فى إطار دعم ما تمتلك من قدرات وأدوات، وليس فى إطار قتل وسحق هذه الأدوات، والاعتقاد الخاطئ بإمكانية وجود بدائل سريعة.
هذا الكيان عمره طويل، وتأثيره كان كبيراً، ومازال يؤثر من خلال من خرجوا منه ويعملون فى أماكن أخرى، واللوم فى أى تجاوز أو أى مشكلة لا يقع فقط على عاتق العاملين فيه، ولكن يقع بالأساس على من يمتلك، ومن يمتلك هنا هو الدولة.
للحديث بقية حول هذا الموضوع، ولكن قبل أن أنهى هذا المقال أذكر أننى عندما توليت دوراً داخل هذه المؤسسة، عندما شكا لى أحد العاملين من أنه نُقل من موقعه إلى موقع آخر لأنه غير مؤهل للقيام بدوره فيه، ذكرت له وقتها أننى لو كنت مكانك لرفعت قضية على الدولة لأنها تسببت فى تلك الحالة من التخلف المهنى، أو عدم القدرة على القيام بالدور المنوط به، لأن معظم من يدخل هذا المكان يدخله وهو مفعم بالنشاط بما امتلك من علم تعلمه، وعلى مر السنوات ينتهى به الحال موظفاً غير مهنى، لأن الدولة لم تهتم بتدريبه وتطويره والارتقاء به مهنياً، فقضت على أحلامه وقضت على مستقبله.
هذه الحالة ليست موجودة فى مؤسسة واحدة فقط، ولكنها حالة متكررة فى مؤسسات الدولة، والعلاج يحتاج إلى قرارات أهم سماتها شجاعة الاعتراف بالمسؤولية، وبقيمة ما نمتلكه من أصول.
نقلا عن المصري اليوم