قد يكون من المفاجئ أن أطرح موضوع الخطبة الموحدة، دون وجود مناسبة تستحق ذلك، خصوصاً أنها أصبحت نسياً منسياً، لكن دعنى أفتح هذا الموضوع من جديد لأن ثمة مناسبة مهمة تتعلق بموضوع «استغلال التجار للغلاء»، كنت أتوقع أن تستنفر وزير الأوقاف، فجانب من الإحساس الداهم بالغلاء يتعلق بممارسات التجار والموزعين للأنواع المختلفة من السلع، وخلق الاستغلال خلق مذموم دينياً واجتماعياً. المواطن المصرى، كما ذكرت فى مقال سابق، أصبح يؤكل مرتين، مرة بسبب إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى تنتهجها الحكومة، ومرة بسبب جشع التجار واستغلالهم.
وقد عالج القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة موضوع الاستغلال فى مواضع عدة. فالله تعالى يقول: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ». ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يبالى بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام». ولو تجول المسئولون بوزارة الأوقاف داخل الأسواق المصرية، أو تابعوا ما تنشره وسائل الإعلام حول عمليات الاستغلال الممنهج التى يقوم بها التجار، استناداً إلى ضعف الرقابة الحكومية، واعتماداً على سيطرة فكر الجباية على حياة المصريين ومعيشتهم، لأدركوا حجم المشكلة التى يعانى منها المواطن، وأولى بهم أن يوظفوا أدواتهم المختلفة فى مواجهتها.
ألا يستحق هذا الأمر أن يكون موضوعاً لخطبة موحدة، ربما يكون لها بعض الأثر فى إصلاح الأحوال وتخفيف العبء على المواطنين، أم أن وزارة الأوقاف لا ترى للخطبة الموحدة من معنى أو قيمة إلا نقل رسالة معينة إلى المتلقى؟!. لست أجد بأساً فى محاربة الفكر المتطرف على منابر المساجد، لكن التطرف لا ينصرف معناه إلى السياسة وفقط، فالتطرف أيضاً له مدلول اقتصادى، أتصور أن المصريين أصبحوا يستوعبونه فى الأيام الأخيرة بشكل كامل، بعد أن غدوا معصورين بين فك الحكومة من ناحية، وفك التجار من ناحية أخرى، والحكومة من ناحيتها لا تأبه بالفك الثانى، وتترك المواطنين لبعضهم بعضاً، ولو كانت تؤدى عكس ذلك لحركت أجهزتها ووزاراتها من أجل إيقاف حالة التغول التى أصابت الكثيرين خلال الأسابيع الأخيرة، وجعلت بعض التجار والموزعين يستحلون جمع أموال الناس بالباطل. قد يسأل سائل: ولماذا تتحدث فقط عن وزارة الأوقاف؟، وأجيبه بأن تخصيص الحديث عن «الأوقاف» يشفع له حالة النشاط والحماس التى أبداها الوزير عندما طرح فكرة الخطبة الموحدة، ودفاعه المستميت عنها، وخوضه معركة مع بعض المؤسسات الدينية الأخرى من أجل إقرارها، وحقيقة فإننى لم أجد له سنداً فى هذا الاتجاه سوى ما كان يصرح به من رغبة فى محاربة الفكر المتطرف، وعدم ترك الوعى الدينى العام للمتطرفين، وهو هدف طيب، لكنه فى النهاية هدف سياسى، بدا معه وزير الأوقاف، وكأن همه ترجمة فكر وتوجهات السلطة، وكان أملى أن يخيب هذا الظن، فيعلن عن خطبة موحدة، أو حتى توجيه ملزم لخطباء المساجد، لكى يساهموا فى محاربة استغلال المواطن من جانب إخوانه المواطنين، لكن الظن صدق.. وليس كل الظن إثماً!.
نقلا عن الوطن