
الكادحون في عشش السودان
«احنا شعبين شعبين شعبين شوف الأول فين.. والتانى فين وآدى الخط ما بين الاتنين بيفوت».. كلمات عبر بها الخال، رحمه الله عبدالرحمن الأبنودى، على حال المصريين بعد ثورة 25 يناير، إلا أنها أكثر تعبيرًا عن الوضع الحالي، فالقدر جمع بين الطبقتين الغنية والفقيرة فى دائرة واحدة، الأولى منهما تتمتع بكل سبل الراحة؛ أبراج فخيمة، وسيارات على أحدث الموديلات، وشوارع أعدت لمرور السفراء، أما الثانية فهى ﺍﻟﻜﺎﺩﺣوﻦ ﻓﻲ الأﺭﺽ، منزلهم من الطين، والقش، وبعض قطع من الصفيح والحديد المستعمل، وشوارعهم صغيرة على مرور «توك توك» بها.
إنها منطقة عشش السودان، كما يطلق عليها، الكائنة بحى المهندسين بالجيزة، والتى لا يفصلها عن عمارات وأبراج شارع جامعة الدول العربية، سوى قضبان السكة الحديد للقطارات، تجمع الكادحين المقهورين خلفه، الذين رضوا عن أحوالهم البسيطة، ولم ترض عنهم حكومة المهندس شريف إسماعيل.
عائلات بالكامل نزحت بعد أن دُمرت منازلهم، افترشوا الأرض ونظروا إلى السماء داعين الله عز وجل أن يلطف بحالهم، ليسوا ضد تطوير المنطقة، والقضاء على العشوائيات، فهم وحدهم من يعانون من انتشار الأمراض والعقارب، وحالتهم لا تسر «عدوًا» ولا «حبيبًا»، فلا يشعر بالحاجة إلا الفقير، ولذلك فهم غاضبون من إعلان محافظة الجيزة عن إزالة عششهم التى يحتمون بها من الكلاب الضالة، دون توفير البديل لهم، وبات تشردهم جراء آمالهم المشروعة فى غد أفضل لم يروا له مقدمات عبر سنوات طويلة.
كانت وزارة التنمية المحلية قد أعلنت عن تطوير منطقة عشش شارع السودان، فى إبريل 2013 على 3 مراحل، بتكلفة تبلغ نحو 26 مليون جنيه، حيث استفادت بأرض ملاصقة للموقع فى إنشاء 3 عمارات سكنية كمرحلة أولى يتم استكمالها فى المرحلتين الثانية والثالثة بإنشاء 18 عمارة بإجمالى 21 عمارة سكنية توفر 210 وحدات سكنية و20 وحدة تجارية لأهالى المنطقة.
بالفعل أزالت محافظة الجيزة عددًا من العشش لتكسين أهلها فى شقق تسلمها المحافظة، بعد الحصول على بياناتهم والتأكد من كونهم من أبناء المنطقة ويمتلكون عششا فيها، إلا أنه لم يكتمل حلم المحافظة على خير، نتيجة عدم كفاية الشقق لجميع الأهالى الذين هدمت عششهم، فأصبح عدد كبير من أهالى المنطقة بلا مأوى تمامًا، وآخرون ينتظرون المصير المجهول بهدم عششهم وتشريدهم.
«الوفد» التقت بعض الحالات بمنطقة عشش السودان، لنتعرف على مشاكلهم وأحلامهم البسيطة فى الحياة بعد ثورتين، عسى أن يكون لنا دور فى حل مشكلة هؤلاء.
فى البداية يقول أحمد البواب، أحد أهالى المنطقة: «احنا انتخبنا السيسى علشان قال إنه يعطى كل واحد من الفقراء حقه.. بس احنا كدة حقنا رايح .. ناس كتير مظلومة هنا، والحى بيقول اعملوا تظلم .. بس احنا نعمله لمين غير ربنا عالم بحالنا أحسن منهم كلهم».. وناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى، نقلهم إلى مساكن آدمية، قائلاً:« يا ريس احنا راضيين بالهم كله وعايشين فى عشة مفيش حد فى الحكومة يقدر يقعد فيها ساعة على بعض، ومع ذلك هدموها ورمونى فى الشارع أنا وعيالى».
«العشة اللى باحتمى فيها من برد الشتاء ونار الصيف راحت» .. هكذا بدأ محمد الحسينى، أحد أهالى المنطقة، الحديث.. بعد أن قامت قوات الأمن بهدم عشته، متابعًا: «أنا كل يوم باروح للحى الصبح علشان يشوفوا حل لمشكلتى ومشكلة كل الناس اللى هنا، وهنروح إلى أكبر موظف فى البلد حتى إلى رئيس الوزراء لحد ما يشوف لنا حل».