"من المحزن والخاطئ تماما أنهم يظنون أننا إرهابيون، لأننا لسنا كذلك".
هذا ما قالته شيلا، وهي طالبة ذكية وطلقة الحديث في مدرسة "خاريسما بانغاسا" المرموقة بالقرب من العاصمة الإندونيسيىة جاكرتا.
وحتى منتصف شهر يوليو/ تموز كان الهدف الرئيسي لشيلا تحصيل درجات مرتفعة للالتحاق بكلية الطب.
ولكن الآن تحاول شيلا وزملاؤها فهم الاتهامات التركية بأن مدرستهم لها صلات بمنظمة إرهابية.
و"خاريسما بانغاسا" واحدة من تسع مدارس تقول أنقرة إنها يجب أن تُغلق لصلتها المزعومة بفتح الله غولن، رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة، الذي تتهمه الحكومة التركية بتدبير الانقلاب العسكري الفاشل يوم 15 يوليو/ تموز، والذي قُتل فيه 270 شخصا.
وتزعم الحكومة التركية أن المدارس جزء من شبكة سرية استخدمتها حركة غولن لبناء معاقل والتغلغل في المؤسسات.
وأُثيرت الاتهمات بحق مدارس لها صلات تركية في أكثر من عشر دول بينها ألمانيا وأفغانستان، وهو ما يعرض المستقبل التعليمي لآلاف الطلبة والتلاميذ للكثير من التكهنات والشكوك.
ويقول مؤيدو المدارس إنه لا يوجد لها سوى صلات غير وثيقة بمؤسسات تحمل نفس القيم وهدفها الرئيسي التفوق الأكاديمي.
وفي مقابلات أجرتها بي بي سي مع طلاب وأولياء أمور ومدرسين ومسؤولين في عشر دول في ثلاث قارات، يتضح وجود الكثير من القواسم المشتركة بين المدارس، غير أن هناك تباين في أساليب إدارتها. وجميع المدارس تشعر بضغوط جراء الاتهامات التي تواجهها.
لا يوجد اسم موحد للمدارس. في باكستان تعرف باسم "باك-تورك ليسيه"، وفي قرغيزستان تعرف باسم "سيبات"، وفي كينيا تعرف باسم "لايت أكاديميز".
وأُسست معظم المدارس في إطار شراكة بين مؤسسات وشركات تركية ومحلية، ولكن في كثير من الدول، مثل إندونيسيا وقرغيزستان، لم يعد الشركاء الأتراك على صلة مباشرة بالأمر.
ويقول الشركاء الأتراك والمحليون إنهم معجبون بفتح الله غولن، ولكنهم ليسوا على صلة رسمية به.
وقال الأستاذ الجامعي التركي بيرم بلشي "مدارس غولن وشركاته وصحفه يُشار إليها هكذا بصفة غير رسمية عادةً...لأن المالك أو المدير (لأي من هذه الكيانات) يعتبر فتح الله غولن زعيما روحيا أو مصدر إلهام".
وأضاف "لا توجد صلة مباشرة أو مفتوحة من الملكية أو الولاء. ولهذا من الصعب معرفة إذا كانت المؤسسة على صلة بحركة غولن على وجه اليقين".
وقال ألب أسلاندوغان، الذي تحدث نيابة عن المدارس المتصلة بغولن في الولايات المتحدة، إنه داخل الحركة يوجد العديد من الشبكات الاجتماعية.
وأضاف "المدارس التي يُنظر إليها على أنها متصلة بالحركة أسسها أشخاص ينتمون لهذه الشبكات".
روح الانضباط في المدارس
اتباع فتح الله غولن عادة ما يشيرون للحركة باسم "خدمة"، وتشترك جميع المدارس في نفس الخط العام للمبادئ.
وقالت روزي، وهي والدة طالبة في مدرسة خاريسما بانغاس، إن "المدرسين يركزون على بناء الشخصية والأخلاقيات والانضباط".
كما يوجد أيضا تركيز على تدريس المواد العلمية.
ومن نيروبي إلى قندهار تُصَوِر مواقع المدارس على الإنترنت طلبة يرتدون أزياء مدرسية أنيقة، يدرسون في مدارس ذات مختبرات عالية التجهيز وغرف لأجهزة الكمبيوتر.
وقال باكتيغول الذي تدرس ابنته في مدرسة تركية في قرغيزستان "يدرس الطلبة كل يوم حتى الثالثة عصرا، ثم لديهم دروس إضافية ونواد للأنشطة وواجب مدرسي".
وقال ماكسيم أورازاييف، الذي تخرج من مدرسة تركية في مدينة كازان الروسية عام 2009، إن التتلمذ في المدرسة "أصعب من الجيش".
ما مدى الصلة بغولن؟
وقال مدراء مدارس لبي بي سي إن المدارس ليست ضمن أي كيان رسمي.
وقال نورلان كودابردييف، رئيس مجموعة مدراس "سيبات" في قرغيزستان البالغ عددها 21 مدرسة، إن جميع المدارس متصلة بفتح الله غولن بصورة غير رسمية لأن المدارس فكرته.
ولكنه شدّد على أنه "لم يعد هناك أي تأثير مباشر أو تمويل من جانبه".
وقبل أن تحاول الحكومة التركية إغلاق المدارس بفترة طويلة، اتخذت دول أخرى إجراءات خاصة بها وسط شكوك بأن المدارس قد يكون لها صلات أجنبية.
وفي عام 2000 أغلقت أوزبكستان كل المدارس ذات الصلة بغولن هناك. واتخذت روسيا خطوات مماثلة، ومن 50 مدرسة متصلة بغولن كانت تعمل في روسيا حتى عام 2008، لم تبق سوى سبع مدارس، جميعها تحت الإشراف الوثيق من وزارة التعليم، في منطقة تتارستان المسلمة المتحدثة بالعربية.
علمانية أم دينية؟
تصف المدارس نفسها بأنها علمانية، وتروج للتسامح والتحاور بين الأديان.
وقال ماكسيم أورازاييف من كازان الروسية "في الأعوام الخمسة التي درست فيها بالمدرسة لم أر مصحفا أو إنجيلا على الإطلاق".
ولكن في روسيا وغيرها من الدول، تُتهم المدارس بعمل مجموعات دراسة دينية سرية خارج منهج الدراسة المعلن.
وتتشكك الكثير من دول الاتحاد السوفيتي السابق في الأنشطة الدينية التي تتم خارج سيطرة الدولة.
ورفضت معلمة سابقة في مدرسة في تتارستان فكرة وجود "اجتماعات سرية"، ولكنها قالت لبي بي سي إن الطلبة الذين يريدون الصلاة كان بإمكانهم الصلاة مع معلميهم والحديث إليهم عن الدين.
وفي كينيا أطلع تلاميذ سابقون ومعلمون بي بي سي على كتب لفتح الله غولن أُعطيت إليهم.
وفي قرغيزستان، قالت زينال، وهي طالبة في الخامسة عشرة، إن الطلبة كانوا في بعض الأحيان يشاهدون تسجيلات بالفيديو عن الإسلام.
ولكن والدتها لم تجد في الأمر مشكلة، وقالت "قمت بنفسي بفحص الكتب في مكتبتهم للتأكد من احتمال وجود كتب تثير الريبة أو على صلة بغولن، ولكنني لم أجد ما يثير الشك".
كيف انتشرت مدارس غولن
المدارس المرتبطة بغولن موجودة في تركيا منذ السبعينيات، ولكنها لم تتوسع إلى ظاهرة عالمية إلا في الأعوام العشرين الماضية.
وتوسعت المدارس بالتزامن مع زيادة الصلة بين غولن ورجب طيب اردوغان الذي حقق حزبه "العدالة والتنمية" فوزا كاسحا في الانتخابات عام 2002.
وبتدريس اللغة التركية ونشر الثقافة التركية ساعدت المدارس في دعم نفوذ تركيا في الاتحاد السوفيتي السابق والشرق الأقصى وافريقيا، حيث استثمرت تركيا العام الماضي أكثر من 6.2 مليار دولار في بقاع مختلفة من القارة.
وكانت الصومال من أكثر المناطق الافريقية التي حصلت على معونات واستثمارات تركية، إذ افتتحت هناك ثلاث مدارس على صلة بغولن يدرس فيها أكثر من ألف طفل.
فرص وصلات
وعلى الرغم من أن المدارس تجذب أبناء الصفوة، إلا أنها تقدم منحا دراسية للأسر غير ميسورة الحال.
وفي باكستان يدرس نحو ربع الطلبة في المدارس المتصلة بغولن ضمن منح دراسية، وفي أفغانستان نحو 30 بالمئة منهم من الحاصلين على منح للدراسة.
وإلى جانب إغراء التعليم الجيد، تمنح المدارس الطلبة أيضا فرصة السفر للخارج في منافسات بين المدارس تعرف باسم "الأولمبياد".
تنافس الطلاب النابغون من كابول في مسابقات في الرياضيات واللغة التركية في أوغندا، بينما تنافس الطلاب من مقديشو مع أقرانهم في كازاخستان.
وتقول المدارس إن ذلك يهدف إلى خلق شبكة دولية من الأصدقاء.
وتقول تركيا إن هذه هي الطريقة التي تتمكن بها الحركة، التي تتهمها بتدبير الانقلاب، من تجنيد أعضاء جدد في أنحاء العالم.