أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، اللتان تدعمان أطرافاً متناحرة في الصراع السوري عن اتفاق في الساعات الأولي من صباح 10 سبتمبر الحالي، يشمل وقفاً لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا بدءاً من غروب شمس يوم 12 سبتمبر، وتحسين إيصال المساعدات والاستهداف المشترك للجماعات المتشددة المحظورة.
ولم يوضح كل من جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره الروسي، سيرجي لافروف، اللذين أعلنا عن الاتفاق بعد مباحثاتهما الماراثونية في جنيف، كثيراً من تفاصيل الاتفاق المعوّل عليه إيقاف القتال في سوريا والسعي نحو انتقال سياسي بعد 5 أعوام ونصف العام من الحرب بين قوات الرئيس بشار الأسد ومقاتلي المعارضة، وهذه أبرز النقاط الرئيسية المتوافرة عن الاتفاق.
من المقرر أن يبدأ وقف إطلاق نار في جميع مناطق سوريا من مغرب يوم 12 سبتمبر، ويستمر لمدة 7 أيام تسمح للمساعدات الإنسانية والتنقلات المدنية بالوصول لحلب، أكبر مدن سوريا وعاصمتها التجارية قبل اندلاع الأزمة، والتي تعرضت لهجمات عنيفة في الآونة الأخيرة. ستنسحب القوات المتقاتلة أيضاً من طريق الكاستيلو، وهو ممر رئيسي للدخول إلي حلب، وسيتم إعلان منطقة خالية من الوجود العسكري حوله.
ستبدأ روسيا والولايات المتحدة، يوم الإثنين، الاستعدادات لإنشاء مركز تنفيذ مشترك سيتضمن تبادلا للمعلومات اللازمة لتحديد المناطق الواقعة تحت سيطرة جبهة النصرة المتطرفة (الاسم السابق لفصيل فتح الشام قبل فك ارتباطها عن القاعدة)، وفصائل المعارضة الأخري في مناطق «القتال المستمر». والسؤال كبير ما دوافع روسيا في سوريا؟
في إطار المفاهيم الجديدة للإستراتيجية الروسية، يتم رفض دعاوي القومية الروسية المنغلقة علي حدود دولة روسيا الاتحادية، والتي يمكن اعتبارها خدعة أطلسية، للإيمان بأن الشعب الروسي شعب إمبراطوري بالطبع والتاريخ، ولا يمكن حبسه في حدود دولة قومية إثنية ضيقة، ولا تعني القومية الروسية إلا تلك القيم الروسية كالأرثوذكسية الروسية. ويسير الاعتقاد أن بإمكان روسيا تأسيس إمبراطورية أوراسيا عبر تكوين 3 محاور لحصار الأطلسيين «الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وآسيا».
1- محور موسكو-برلين: حيث تتمدد روسيا غرباً لاستعادة معظم تراثها السوفيتي صوب وسط أوروبا، الذي يتحرك بقيادة ألمانية وتبعية فرنسية نحو الشرق حيث تمنحه أوراسيا جزءاً من شرق أوروبا، ويهدف ذلك المحور إلي تقويض الحصار العزلي في شرق أوروبا الذي حاول الأطلسيون تكوينه حول روسيا. ويمثل ذلك المحور خطوة تكتيكية علي طريق ما يطلق عليه افنلدة أوروبا«، ففنلندا هي الدولة الأوروبية الأكثر ارتباطاً جيوبوليتيكيا بروسيا، والتي ينبغي ضمها فوراً عند التوسع.
2- محور موسكو-طوكيو: وهو المحور الذي تتمكن عبره أوراسيا من تطويل النفوذ الأطلسي من جهة الشرق، وتري الاستراتيجية الجديدة أن كلا من برلين وباريس وطوكيو تنطوي علي تقليد ضد أطلسي موروث منذ الحرب العالمية الثانية.
3 ــ محور موسكو-طهران: تنبع الأهمية الاستراتيجية لهذا المحور من كونه يمثل حلاً لـ «العقدة الروسية» التاريخية وهي الوصول إلي «البحار الدافئة» في المحيط الهندي، وهو المحور الأكثر تأثيراً في السياسات الروسية تجاه الشرق الأوسط.
استطاع بوتين منذ دخوله إلي قصر الكرملين سنة 2000، أن يقبض بيد من حديد علي مختلف مؤسسات الدولة الروسية، وبعد أن غازلت روسيا في عهد رئاسة بوتين الأولي والثانية الليبرالية الراديكالية في عهد بوريس يلتسين، عادت لتكون دولة انضباط بل «استبداد»، لكن هذا لايعني أن فشل السياسات الديمقراطية أعاد روسيا إلي الشيوعية، كما أن هذا التغيير لم يضر بالاقتصاد، فإدارة بوتين أثبتت كفاءة في إدارة الاقتصاد، وحولت الازدهار في أسعار النفط والغاز إلي أمر نافع جداً للاقتصاد الروسي، وانتقل الناتج المحلي الإجمالي من 200 مليار دولار في عام 1999 إلي 1900 مليار دولار في عام 2011، والفضل في ذلك يعود إلي ارتفاع أسعار النفط والغاز، والمعطيات الماكرو اقتصادية الجيدة.
وفي ولايته الثالثة، أراد بوتين أن تكون روسيا دولة عظمي، ومؤثرة في النظام الدولي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي شكل كارثة جغرافية عظمي في هذا القرن، للأمّة الروسية، وكان ذلك مأساة فعلية، حسب ما صرّح به الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه السنوي في البرلمان، في 25 أبريل 2005. لقد عبّر بوتين بهذه الطريقة عن خوف الكرملين بوجه الانهيار الذي لايقاوم لسلطته وخسارة الأراضي التي احتلّها علي مدي 3 قرون، ومع عودة الرئيس بوتين إلي الرئاسة، تشددت السياسة الخارجية لروسيا، خصوصاً في قضيتين رئيسيتين: البرنامج النووي الإيراني، والتدخل العسكري المحتمل في سوريا، إضافة إلي طرح برنامج تسليحي لإعادة بناء الصناعة العسكرية الروسية من الآن ولغاية 2020، والذي يتطلب ضخ ما يقارب 773 مليار دولار.
وتعتبر الأزمة السورية بالنسبة إلي الرئيس بوتين، والنخبة الروسية «ورقة مهمة» في الصراع الدولي ومولد النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب أو متعدد المراكز العالمية للنفوذ والتأثير، ويري بوتين أن إسقاط النظام في سوريا سيعني انتقال الحرب مباشرة إلي الحدود الروسية، معتبرًا أن دفاع موسكو عن النظام السوري هو دفاع عن روسيا نفسها، فالحضور العسكري الروسي في سوريا ليس جديداً، وتعزيزه ليس غريباً. ولهذا السبب بالذات دخلت روسيا جدياً في الحرب في سوريا، وهو ما يشكل انقلابا حقيقيا في موازين القوي بوجودها العسكري المعلن والمتزايد علي الساحل السوري، بعدما جعلت التوازنات الإقليمية السائدة في الشهور الأخيرة هباء منثوراً.
نقلا عن الأهرام