السبت ٢٤ سبتمبر ٢٠١٦ -
٢٠:
٠٨ م +02:00 EET
الخروج عن القطيع
بقلم الدكتوررؤوف هندي
لعبت لوحةالخروج عن القطيع للفنان العالمي البولندي توماس كوبيرا دورا فعالا ومؤثرا في تغـيرالعقل الـجمعي لملايين من البشر في شتّى أنحاء العالم وكانت هذه اللوحة تحديدا صرخة مدويّة ودعوة للبشر للنبشِ في الأصول والموروثات والأساطير وإزالة الأقـنعة وفضح الأوهام التي انتقلت جيناتها للـبشرية عبرآلاف السنين كانت اللوحة صرخةً من اجل الشعارالذي رفـعه الفيلسوف الألماني إيمانيول كانط أحد عباقرة الفكرالتنويري حينما قال(كن جريئا في استخدام عقلك) ودعا الإنسان للخروج من حالةالقصور التي يبقى هوالمسئول عن وجوده فيها وهوحالة العجزعن استخدام الفكروالعقل لدى الإنسان دون قيادة الآخرين له وبالتالي انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسة حرية تـفكيره خارج قيادةالآخرين ذلك هوالشعارالذي كرّسته وقصدته لوحة الخروج عن القطيع كن جريئا في استخدام عقلك ولاتـحوله إلى مستودع للأوهام والأساطيروإذا تاملنا برويّة لوحة المبدع توماس كوبيرا نجد القطيع في الـلوحة يأخذ شكل طـابور من الـبشر ملامحهم زرقاء كئيبة ومتجمدة أشـبه بقوالب الثـلج كـناية عن أنَّ نموهم قد توقف عند مرحلة ما كما أنهم مـتشابهون وبلا ملامح متنوعة نتيجة كون أفكارهم وعـقـولهم مقولبة ومسبقة الصنع والـثبات قاتل للـتطور الإنساني.
ولكن هـناك شيئا غريبا في اللوحة إنه الشخص المندفـع بقـوة إلى خارج القطيع فالـرسام لونّه بالأحمر أو ربما الأصـح أن نقول ان لـونه يـتحول شيئا فـشيئا إلى الأحمر لـون النار، ورمز الإصـرار والتحدي والتمردعلى القطيع الذي يشبه في اللوحة امـواج البحر كناية عن الجبروت والقدرة على البطش بكل من يحاول الخروج أوالتمردعلى الأعراف المستقـرة والـمتوارثة ونلاحظ رجلا إلى أقصى اليمين ويبدوأنه زعيم القطيع أو رمز السلطة الأبوية وهـو يـجاهـد مع مساعد له آخرعن يمينه للإمساك بالرجل الخارج عن المألوف وإعادته إلى حظيرة الـقطيع فيما هو يشق طريقه منطلقا بكل قوة للفكاك والإنعتاق من الأسرالذي ضاق به وتأمل قليلا تعبيرات وجه الرجل إنها مملوءة بالـمعاناة والألم عـيناه تصرخان لكن روحه تقاوم وعينه مثبّتة على شئ يراه من بعيد قد يكون حُلمه الذي يريد بلوغه وشـوقه لأنْ يصبح إنسانا حُـرا مختلفا ومتميزا عن بـقية القـطيع فالحرية في التفكير والأعتقاد هي شعور إنساني متدفـق بالحق في الحياة والوجود هي حق إنساني ليست هـبةً ولامنحةً من أحد والهارب من سجن القـطيع هو واحد من ملايـين البشرممن قضوا معظم حياتهم وهم يعتقدون بأنهم يدافعـون عن أفكار وقـناعات ومعـتقـدات راسخة ثـم اكـتشـف عندما قرر ان يكون جريئا في استخدام عـقله، أنه كان يدافـع عن أفـكار وتـصورات زرعها فـي عقله أناس أخرون يخشوّن ضياع السطوة والسيطرة على عـقول البسطاء ومن خِـداع النظر لخداع السـمع وقع ملايـين من البشر أسرى الخرافة وتغييب العقل والتفكير .
ولاسيما بين شعوب الشرق الحزين حـيث باتت شعوب تخاصم المنطق وتُعادي التطور وتخشى التفـكير لذا يسهل إستنساخ عقول أفرادها والتحكم فيها وقد مات رواة الـوهـم والخرافة ولكن أساطيرهم وأفكارهم لم تمُتْ بل جاثـمة على صـدورنا وعـقـولنا فـباتتْ شعـوب معـزولة في جبال الصمت شعوب أدمنتْ الـخرافة والتواكل شعـوب باتتْ تـخشى التفـكـيرخوفا من سيف التكفيير شعـوب تعرضت لكل رياح التخلف والظلام ولم تكُن هناك مصدات لهذه الرياح وقـصة الأمـس الظلامي تحتاج إلى نقطةٍ تختمها بل وتمحوها من صفحات التاريخ الإنساني حتى يتطـلع الناس إلى كتابة الكلمة الاولى في قصة مستقبل نُحيي فيه قيمةالعقل والعِلّم فلنتخذ من الرجل الخارج عن القطيع نبراسا ونورا وضوء أمل فاغـمضْ عـينيك واحلم وتحررمن قُبح الاوهـام والأساطـير والخرافات واطرق أبواب العـقل والتفكير والكون الجميل حتى ولو كان حُلما ستسمع فيه اجراس الأمل.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع