لا يعرف المرض إلا من يكابده، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، وشهادة لوجه الله يشهد بها، قبل كاتب هذه السطور، مرضى فيروس «سى» وذووهم، أنهم ما حلموا بالشفاء الذى كان بعيداً بعيداً أقرب إليه الموت، إلا بعد التفاتة السيسى إلى كارثة تفشى هذا الفيروس الذى صار كالوباء.
كارثة صحية غفلت عنها الحكومات المتتابعة، وغضت الطرف عن وباء صامت، أقرب لجائحة اجتاحت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، بلغ حجم الإصابات المؤكدة مليونا و400 ألف مصرى، والمتوقعة 14 مليوناً، أرقام تعجز عن تخيلها، فضلاً عن علاجها، دولة تترجى الله فى قرض الصندوق.
كان التحدى رهيباً، وكان القرار الرئاسى مصيباً، تقرر علاج مليون مصاب بالفيروس على نفقة الدولة، علاج مجانى شامل بالكامل، قرار أقرب إلى الخيال، الولايات المتحدة بجلالة قدرها تعالج فقط ربع مليون، أوروبا جميعها تجتهد لعلاج 200 ألف، وبكلفة رهيبة يعجز عنها التأمين الصحى فى بريطانيا العظمى، علاجات فيروس سى حتى ساعته وتاريخه خارج منظومة التأمين الصحى فى أوروبا وأمريكا.
القرار الرئاسى تجسد على الأرض تحدياً صعباً، وإذا نشطت مدرسة الكبد المصرية وشمّرت عن سواعدها، وبرزت تتحدى هذا الغول الرهيب مدعومة بإرادة سياسية تبغى توفير العلاج لكل مصاب مهما كانت التكلفة، وصار الفيروس على القائمة الرئاسية، وما من اجتماع فى الرئاسة حضره وزير الصحة حتى كان السؤال الرئاسى حاضراً والمتابعة دؤوبة.
المعجزة الطبية التى تمخضت حتى الآن عن علاج نحو مليون مريض بفيروس سى خلال عامين جديرة بالتوقف والتبين، التوقف أمام الرقم المصرى المذهل الذى يفوق فى حجمه وأعداده وبالأرقام كل الأعداد التى تم علاجها على مستوى العالم أجمع، المعجزة المصرية تتحدث عنها المراجع الطبية العالمية، وتفخر بها المنابر الدولية، وتتصدر أغلفة المجلات الطبية العالمية، وتحتفى بها منظمة الصحة العالمية وتنقل احتفالها السنوى لأول مرة منذ إنشائها إلى القاهرة احتفاءً وتقديراً.
التوقف أمام قدرة الدولة المصرية فى تجليها، مصر تمرض ولا تموت، نعم استطاعت مصر الفقيرة التى يعيّرها نفر مارق من أبنائها بفقرها، توفير أحدث العلاجات العالمية بأرخص الأسعار بآلية تفاوضية احترافية، واجتذبت الشركات العالمية والوطنية لإنجاز صناعة دوائية وطنية، 17 مصنعاً تعمل فى تصنيع المثائل المصرية وبمواصفات عالمية.
التوقف أمام المنظومة العلمية التى نظمتها اللجنة القومية للفيروسات الكبدية، التى أبدعت فى ابتكار بروتوكولات العلاج التى تناسب «الجين الرابع»، الذى ينهش أكباد المصريين، وكيف واكبت المستحدثات الطبية والعلاجية عالمياً، وجلبها إلى القاهرة لتمصيرها وتحضيرها وتجسيدها.
التوقف أمام منظومة التأمين الصحى التى أثبتت جدارة وامتيازاً فى فروعها المنتشرة بطول وعرض البلاد، والتى استقبلت آلافاً مؤلفة ترجو العلاج، وتحمّل رجالها فى صبر وأناة تدفقات المرضى المتعبين دون ضجر، نافسهم بكل الإخلاص رجال منظومة العلاج على نفقة الدولة، عدد قرارات العلاج من فيروس سى على نفقة الدولة التى تصدر يوميا أرقام فوق الخيال.
التوقف أمام الجهد الطوعى الرائع لمنظمات المجتمع المدنى، نموذج مركز الكبد المصرى فى شربين مثال على ما يسمى التشبيك المجتمعى أمام فيروس يخترق الصفوف ويضرب فى الكبد، المظلة الاجتماعية التطوعية فى الأقاليم شكلت حالة إبداعية استثنائية، المراكز فُتحت لعلاج الغلابة مجاناً، والتبرعات انهالت على المراكز، والمتطوعون فى القرى والأرياف نفروا لإنقاذ أهليهم من الفيروس اللعين.
التوقف أمام شعب يصورونه على أنه فاقد الهمة، إذ فجأة ينهض من سباته ويودّع إحباطه ويخوض معركة قاسية فى مواجهة فيروس سى، شعب تبرع لعلاج الفيروس كما لم يتبرع من قبل، شعب قرر القضاء على الفيروس وإنقاذ شبابه وشيوخه بعمل تطوعى شعبى بوعى حضارى، شعب ضرب نموذجاً فى الإيثار، من حق الرئيس أن يتحدث عن هذا الإنجاز الطبى، مَن أنقذ المصريين من فيروس سى بعون الله وتوفيقه قادر على إنقاذ مصر.. وتحيا مصر.
نقلا عن المصري اليوم