الأقباط متحدون - الدور المغضوب عليه للكنيسة.. هل من بديل؟
أخر تحديث ١٢:٤٣ | الاربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ١٨ | العدد ٤٠٦٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الدور المغضوب عليه للكنيسة.. هل من بديل؟

نعيم يوسف
نعيم يوسف

 نالت الكنائس القبطية خلال الأيام الماضية هجومًا شديدًا بسبب دعمها الواضح والمباشر لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى نيويورك؛ لحضور فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نسختها الـ71، وكأن الجميع تفاجأ بهذا الدور، رغم أن هذا "الجميع" يعلم جيدًا أنها تقوم به خلال الزيارات السابقة ولكن بطريقة غير مباشرة، الأمر الذي يجعل الحديث عن الدور الذي تقوم به المؤسسة الدينية المسيحية في المجتمع وحجمه، ولماذا قامت به ضرورة قبل أن نُطالب بكل بساطة أن تتركه.. وللأسف فإنها سوف تتخلى عنه لحساب "الفراغ والعدم" لأنه لا يوجد بديل لها حتى الآن. 

 
منذ تأسيسها تقوم الكنيسة القبطية بدور الرعاية الروحية لجميع أبنائها، والرعاية والكفالة الاجتماعية لفقراء أبنائها، والنائب السياسي المتحدث باسمهم مع السلطات المتعاقبة، حتى عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، زاد دورًا جديدًا للكنيسة بعد إطلاق يد المتشددين في المجتمع ما نتج عنه محاولات نبذ المسيحيين من الطبقة المتوسطة، فوجدت الكنيسة نفسها مسؤولة عن هذه الطبقة اجتماعيًا ورعويًا وليس روحيًا فقط. 
 
وجدت الكنيسة أبنائها يُعزلون ويُنبذون في كل شيء، فصنعت لهم البديل، وأصبح المسيحيون من الطبقة المتوسطة بكل درجاتها، والطبقة الفقيرة بكل درجاتها يجدون من المؤسسة الدينية ما قررت الدولة التخلي -طوعًا- عنه لهذه الفئات، فقامت الكنيسة ببناء مستشفيات وعيادات طبية، وفتحت منافذ توزيع لمنتجات أديرتها العامرة، وقدمت بديلًا للحق وللأمانة أفضل من خدمات الدولة نفسها، سواء في جودة الخدمات الصحية والتغذية، أو حتى في أسعارها، حيث تجد الخدمة التي تقدمها المؤسسات التابعة لها تكاد تُقارب جودة الخدمات في المدارس والمستشفيات الخاصة ولكن بأسعار استثمارية في متناول أيدي هذه الطبقات.
 
ازداد العداء للأقباط نتيجة انتشار الفكر المتطرف، فصنعت لهم الكنيسة بين أسوارها مجتمعًا ترفيهيًا متكاملًا، بإشراف روحي، ولكي تستطيع أن تفهم ذلك، عليك أن تتخيل معي "يوم عادي" لشاب قبطي في المرحلة الثانوية أو الجامعية!
 
هو يذهب في الصباح إلى مدرسته، أو جامعته، وبالطبع معظم أصدقائه -إن لم يكن جميعهم في حالات كثيرة- من المسيحيين، وبعدها يعود لمنزله يؤدي واجباته التعليمية، ثم يخرج.. إلى أين؟؟ إلى الكنيسة فإما لديه "خدمة" يقوم بها، أو "اجتماعًا" للمرحلة الخاصة به -حيث تعقد الكنيسة اجتماعات روحية متخصصة لكل مرحلة- أو اجتماعًا عامًا لكل الناس، وإن لم يكن كل ذلك، فهو يذهب لنادي الكنيسة حيث الترفيه واللعب مع أصدقائه "من الكنيسة"!!
 
هذا الشاب تعلم دينه في الكنيسة، وتلقى منها خدمات اجتماعية وصحية، وقام فيها بخدمات روحية واجتماعية أيضًا، ولعب وسافر في رحلات ترفيهية بإشرافها، وحب وتعلق بفتاة من بناتها ليتزوج "بنت من بنات الكنيسة"، ثم ينجب أبناءً ليكونوا "أولاد الكنيسة وبتوع ربنا"، وتقوم الكنيسة بإيجاد وظيفة له عن طريق مكاتب التوظيف التي انتشرت في الكنائس ومؤسساتها التابعة لها مؤخرًا، وأيضا تتدخل الكنيسة في حل المشكلات العائلية، والأسرية التي تواجهه، وعندما يضيق به العيش ولا يجد ما يأكله، حينها يجد باب الكنيسة مفتوحًا لرعايته ورعاية أسرته حتى "ينصلح حاله"! وتستمر الكنيسة في القيام بهذا الدور مع الأجيال المتعاقبة!!
 
لن يكون هناك بديلًا للكنيسة من خلال الحركات والائتلافات ولا حتى الأحزاب التي تعقد مؤتمراتها وتُلقي بياناتها عبر منافذ فنادق القاهرة الكبرى، فهؤلاء مثل شخص يغني في حمام منزله، فيندمج ويستعذب صوته، فيزيد من غنائه وصلة!! ولكنه لن يصبح أبدًا مطربًا مشهورًا طالما لم يخرج من الحمام ويتعامل مع الواقع الأليم، والواقع الأليم في قضيتنا يفرض علينا أن يكون البديل شعبيًا قادرًا على ملء الفراغ الاجتماعي والاقتصادي، الذي ستتركه الكنيسة.
 
ستقول لي: أنا لا أتحدث عن دورها الاجتماعي والروحي ولكني أتحدث فقط عن الدور السياسي -من وجهة نظرك-.
 
يا عزيزي.. إن من اختار الكنيسة لتلعب هذا الدور نيابة عن كل المدنيين والليبراليين والأقباط أنفسهم، هو واضع قواعد اللعبة في مصر، وهي القيادة السياسية، والهجوم على الكنيسة لاضطلاعها به ما هو إلا جبنًا من البعض الذي لا يجرؤ على التلميح أو التصريح للفاعل الحقيقي، وسذاجة من البعض الآخر، فالدولة اختارت المؤسسة الدينية للتعامل معها نظرًا لقوتها الاجتماعية والاقتصادية بالإضافة لسيطرتها الروحية، ولن تتعامل مع بديل مدني إلا بنفس القوة والتأثير، وللأسف فإن البدائل المدنية المطروحة على الساحة حاليًا ما هي إلا حركات وائتلافات متصارعة متشرذمة، تتركها الدولة طالما لا تزعجها، وعند أول مشكلة تسببها ستسحقها دون أن يترحم عليها أحد أو تحظى بالتعاطف والإشفاق ممن كانت تنادي بحقوقهم حتى!!
 
دعونا لا ندفن رؤوسنا في الرمال، فمصر ليست دولة مدنية، ولم تكون طوال تاريخها، فهي إما عسكرية أو دينية، أو "عسكرية -دينية"، وإن كان الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، قد وصف الرئيس عبدالفتاح السيسي بأنه "مرشح الضرورة" فأنا أود استعارة هذا المصطلح لأقول إن الدور الذي تلعبه الكنيسة حاليًا في المجتمع، هو "دور الضرورة"، أما أبنائها الذين أهينوا ووُصفوا الأيام الماضية بأنهم "خرفان" فعلاقتهم بالكنيسة أعمق وأشمل من علاقة روحية فحسب، والمسؤول الأول والأخير عن هذا الأمر هو الدولة المصرية، وإن كنت تريد المهاجمة فعليك مهاجمة السلطة المتسببة في ذلك وليس الكنيسة!!
 
عزيزي الذي تطالب الكنيسة بأن تنأى بنفسها عن هذا الدور.. هل لديك البديل؟؟ في المقال المقبل سنتحدث عن البديل "إن شاء الرب وعشنا"
نقلا عن الطريق
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع