فى مثل هذا اليوم 29 سبتمبر 1988..
سامح جميل
صدور حكم محكمة العدل الدولية بأحقية مصر في طابا، وكان قد حدث نزاع بين مصر والكيان الصهيوني عليها بعد أن استكمل الكيان الصهيوني الانسحاب من سيناء وفق معاهدة كامب ديفيد، وتمسك بطابا واعتبرها ضمن حدوده الدولية...!!
تعود قضية طابا إلى عام 1982 عندما كانت [مصر] ولاية تابعة للدولة العثمانية، ثم وقعت تحت الإحتلال البريطاني وحدث آن ذاك أزمة بين الدولتين باسم قضية الفرمان نتيجة صدور فرمان من الباب العال قضى بانتزاع الأراضى المطلة على خليج العقبة في مصر، وانتهى النزاع في قضية حدود مصر الشرقية بصدور برقية من الصدر الأعظم جواد باشا إلى المعتمد البريطانى في مصر تحدد بشكل قاطع أن شبه جزيرة سيناء هى الأرض المحددة شرقًا بخط متجه في الجنوب الشرقى من نقطة قرب العريش، رفح إلى رأس خليج العقبة وتم تحديد حدود مصر الشرقية بصفة رسمية ووثائق دولية..
وحدث نزاع آخر بين الحكومة البريطانية والحكومة العثمانية لإنشاء سكة حديد الحجاز من معان إلى العقبة مما كان يقتضى زحزحة خط الحدود إلى أقصى ما يمكن، وقد تقدمت قوة تركية من العقبة إلى طابا يوم 21 يناير 1906 فاحتلتها دون وصول قوة بحرية مصرية إلى الشاطئ، وسارعت قوة بحرية بريطانية إلى خليج العقبة لتصفية الوجود التركى من الحدود المصرية، وانسحبت القوة التركية من أرض سيناء. واتفق الطرفان على إنهاء الأزمة بإعلان تبعية شبه جزيرة سيناء التى يحددها في الشرق خط رفح - طابا لمصر، وتم تعليم خط الحدود عام 1906 وبناء خط حدود مصر الشرقية، إلى أن تم غرس آخر عمود (علامة حدود) عند رأس طابا يوم 17 أكتوبر 1906.
ولم تكتف الحكومة البريطانية بمجرد البيانات وإنما اتخذت خطوة أشد وأحزم بتوجيه إنذار إلى الحكومة العثمانية في صورة مذكرة رسمية وجهها السفير البريطانى في العاصمة التركية إلى وزير خارجية الباب العالى، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة تركية مصرية لوضع خريطة الحدود، وتم توضيح علامة الحدود رقم 91 التى وضعت في ديسمبر 1906 عند نهاية سلسلة الجبال الشرقية فوق وادى طابا واشتهرت العلامة بعمود باركر..
وقد تضمنت مذكرة إسرائيلية مؤرخة في مايو 1957 للسكرتير العام للمنظمة الدولية عن خليج العقبة اعترافًا صريحًا من جانب إسرائيل بوضع طابا داخل الحدود المصرية، وفى يوم 26 مارس 1979 تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على أن تنشأ لجنة مشتركة لتنفيذ هذه المعاهدة.
وأشارت المعاهدة إلى أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وأثناء عمل اللجنة في أبريل 1981 أنكر الجانب الإسرائيلى الحقيقة التى يعرفها عن صحة وضع العلامة 91 في مكانها، ورفض الإسرائيليون في اللجنة المشتركة الإقرار بصحة العلامة مدعين أنها تكون على الشاطئ الذى ينتهى عنده وادى طابا.
قامت إسرائيل بطمس معالم العلامة 90 بعد أن تركتها في موقعها ولم تدمرها ولم تخطر مصر بأنها قد أزالت جزءا من الهضبة وأبقت على الرقم 9 فقط لإيهام مصر أنها العلامة 91. وطوال سنوات المفاوضات لإبرام مشارطة التحكيم من أبريل 1982 إلى سبتمبر 1986 عندما وقعت مشارطة التحكيم في فندق مينا هاوس أبقت موضوع إزالة جزء من الهضبة سرا، ولم تصارح مصر بأنها أزالت العلامة الأخيرة عندما شقت الطريق، الذى يربط طابا بميناء إيلات على الجانب الإسرائيلى من الحدود ومصر يمكن ــ إلى حد ما ــ أن يلتمس لها بعض العذر في عدم معرفة هذه التغيرات التى أدخلتها إسرائيل على تضاريس المنطقة أثناء الاحتلال لأنه لم يكن لها أى وجود في هذه المنطقة منذ عام 1956..
التحكيم..
كان قرار مجلس الوزراء الإسرائيلى في يناير 1986 بقبول الالتجاء إلى التحكيم لحل النزاع معلقا على شرط بأن تكون هناك مرحلة توفيقية ضمن إجراءات التحكيم، ومصر لم تعترض على هذا الشرط على أساس أن الهدف الذى تسعى إليه هو عرض النزاع على جهة قضائية وهذا يتحقق بقبول إسرائيل للتحكيم. أما المرحلة التوفيقية التى سوف تتخلل التحكيم فقد نظرت إليها مصر على أنها لا ضرر منها ما دام ما تمخض عنه قابل للرفض. لكن نظرة إسرائيل كانت تختلف، فأنا على يقين أنها كانت تتوقع أنه بعد أن تُقدم ما لديها عن مكان العلامة الأخيرة طبقا لاتفاقية 1906 وأنه ليس الموقع الذى تقدمت به مصر لن يكون أمام مصر من مفر سوى قبول حل توفيقى يحقق لإسرائيل بعض أهدافها. وكان من الممكن أن يتحقق السيناريو الإسرائيلى إذا لم تنجح مصر في إقناع المحكمة أن إسرائيل لا تستمد أى حق من اتفاقية 1906 التى لها قيمة تاريخية فقط وأن معاهدة السلام ومشارطة التحكيم يمثلان المرجعية القانونية الوحيدة، التى تستند عليها المحكمة في إصدار الحكم. وتحقيقا لهذا الفرض أصر الجانب المصري في المحادثات على عدم الإشارة إلى اتفاقية 1906 وعارض جميع المحاولات الإسرائيلية، التى كانت ترمى إلى إدخال اتفاقية 1906 في صلب المشارطة بما كان يسمح لإسرائيل بالدفع بأن لها حقوقا تنبع من هذه الاتفاقية. ويلاحظ في هذا الصدد أن هيئة التحكيم اعتمدت تفويض المحكم الفرنسى بيير بيللية لتولى مسئولية اجتماعات في جنيف، وفى باريس كنت أمثل مصر فيها وكان معى في بعض هذه الاجتماعات السفير مهاب مقبل.
وفى أول فبراير 1988 خصصت هيئة التحكيم لكل جانب أربعة أيام في 8 جلسات صباحية ومسائية لتقديم المرافعات وكان من نصيب مصر أولوية الترافع، وتولى الدكتور أحمد الشقيري المرافعة مصطحبًا ثلاثة من الضباط اليوغسلافيين الذين كانوا ضمن القوة اليوغسلافية من قوات الأمم المتحدة، وجاء كل من (الكولونيل راساد موزيتشي، سافيتش، فلاديمير تراجكوفتش) يوم 18 مارس 1988 للإدلاء بشهاداتهم وقد سجلت شهاداتهم في حيثيات الحكم واستطاع البروفيسور ديريك باوت المحامى البريطانى في هيئة الدفاع المصرية تعرية الادعاءات الإسرائيلية واستطاع المرافعون المصريون أن يضيّقوا الخناق على الإسرائيليين حتى بدأت مطالبهم تتراخى وتتراجع تدريجيًا رغم اعتراف المحامى الإنجليزى في هيئة الدفاع الإسرائيلية لوتر باخت بأن طابا مصرية.
وكانت الجلسة منعقدة في قصر البرلمان، وتحديدًا قاعة مجلس مقاطعة جنيف بسويسرا، واكتظت قاعة المجلس يوم الخميس 20 سبتمبر 1988 بحشد كبير يتقدمه رئيس مقاطعة جنيف، وسفراء الولايات المتحدة وفرنسا والسويد وصدر الحكم أمام مسمع العالم وبصره من هيئة تحكيم دولية محايدة بأن «تقرر المحكمة أن علامة الحدود 91 هى في الوضع المقدم من جانب مصر والمعلم على الأرض حسبما هو مسجل في المرفق أ لمشارطة التحكيم.
وقد واصلت إسرائيل عنادها وعادت المباحثات والمفاوضات التى كان محورها قضية التعويض عن المنشآت الإسرائيلية في طابا، وانتهت بالمقترحات التى قدمها إبراهام صوفير، رئيس الوفد الأمريكى في مباحثات طابا ليرتفع علم مصر في سماء طابا يوم 19 مارس 1989 وتعود السيادة الكاملة على كل سيناء.
أعضاء اللجنة المشكلة للتحكيم
الرئيس_عدلي_منصور_يكرم_أعضاء_لجنة_طابا، 23 أبريل 2014.
رئيس اللجنة: نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري عصمت عبد المجيد[3]
وحيد رأفت
محمد طلعت الغنيمي
أحمد القشيري
سميح صادق
جورج أبي صعب
مفيد شهاب
أمين المهدي
فتحي نجيب
صلاح عامر
يوسف أبو الحجاج
يونان لبيب رزق..!!