يفتح إقرار الكونجرس الأمريكى قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، المعروف باسم «جاستا»، بأغلبية ساحقة، الباب أمام دول وأفراد لرفع دعاوى قضائية ضد حكومات أجنبية، بتهمة رعاية الإرهاب، ويمكن أن يطول ذلك- حسب مسؤولين أمريكيين وأوروبيين- الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى، تورطت فى حروب وهجمات فى العالم، بجانب تداعياته على العلاقات والمصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأمريكية مع حلفائها التاريخيين، وعلى رأسهم السعودية .
ويسمح القانون لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية للمطالبة بتعويضات، ورغم أنه لا يستهدف دولة بعينها، فإن خبراء يعتبرونه موجها للسعودية بالأساس، رغم أنه يمكن أن يطول كل الدول التى يمكن أن تنطبق عليها بنوده.
ويعطل القانون مبدأ الحصانة، التى تحمى الدول (ودبلوماسييها) من الملاحقات القانونية، وقد يُعرض الولايات المتحدة لدعاوى قضائية أمام المحاكم فى أنحاء العالم، كما يُمَكِّن الحكومة الأمريكية من تجميد الأموال السعودية الموجودة لديها لتعويض عائلات الضحايا.
وفى أول رد للرئيس الأمريكى باراك أوباما، قال إن الكونجرس أجرى «تصويتا سياسيا» حينما أسقط «الفيتو» الرئاسى، وإنه «أخطأ»، وأضاف أن بعض النواب لم يقرأوا حتى تفاصيل القرار قبل التصويت عليه، لكنه أشار إلى تفهمه ما حدث، لافتا إلى أن الجميع لا يزال تحت تأثير الصدمة والجرح الذى سببته هجمات 11 سبتمبر.
وأضاف، فى مقابلة مع شبكة «سى. إن. إن» الإخبارية الأمريكية، أنه يتخوف من تبعات التشريع، قائلا: «إذا ألغينا فكرة الحصانة السيادية، فإن رجالنا ونساءنا من العسكريين حول العالم قد يرون أنفسهم عُرضة لخسائر متبادلة، وهى سابقة خطيرة».
وحذر أوباما من أن هذا القانون غير موجه لدولة بعينها، وإنما يفتح الباب أمام خصومات مع دول عدة، من بينها حلفاء تاريخيون للولايات المتحدة.
ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، تصويت مجلس الشيوخ بأنه «ربما يكون أكثر شىء محرج قام به المجلس منذ 1983».
وقد أثار القانون ضجة فى دول الخليج، التى يسود التوتر علاقاتها مع إدارة أوباما، والتى تتهم واشنطن بإعادة إيران على الساحة الدولية.
وقال رئيس مجلس الأعمال الأمريكى- السعودى، أد بيرتون، إن الصفقات التجارية الجديدة ستواجه تعقيدات.
وأضاف: «لا يوجد رجال أعمال يريدون أن يروا سيادة دولتهم تتعرض لاعتداء دولة أخرى عليها».
وأوضح رئيس غرفة التجارة العربية- الأمريكية، ديفيد حمود، أن السعودية أكبر مُصدر للنفط، وصاحبة أكبر اقتصاد خليجى، لديها شركاء تجاريون فى أوروبا وآسيا لتختار منهم، مضيفا أن أمريكا لم تعد الخيار الوحيد.
وكانت السعودية قد لوحت ببيع أصولها فى الخزانة الأمريكية، والتى تبلغ نحو 750 مليار دولار، وهو ما يُعرض الاقتصاد الأمريكى لاضطرابات قوية.
وقال المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، أمس، إن مصر تتابع باهتمام قرار الكونجرس وتأثيراته المحتملة على مسار العلاقات الدولية خلال الفترة المقبلة، وكانت وزارة الخارجية قد أعربت عن اقتناع مصر بأن «فيتو» أوباما ضد القانون يتسق مع قواعد القانون الدولى وما استقرت عليه العلاقات الدولية، حيث ينطوى على إقرار مبادئ المساواة فى السيادة وحصانة الدول وعدم فرض القوانين الداخلية على دول أخرى.
وحذر وزير الخارجية البحرينى، خالد بن أحمد الخليفة، فى تغريدة عبر حسابه على «تويتر»، من أن قانون (جاستا) سهم أطلقه الكونجرس على بلاده، مضيفا: «أليس منكم رجل رشيد؟!».
وكان الكونجرس الأمريكى قد رفض بأغلبية ساحقة، مساء أمس الأول، «فيتو» أوباما ضد قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، المعروف إعلاميا بـ«جاستا»، وهو أول «فيتو» ضمن 12 اعتراضا رئاسيا يتم إسقاطها خلال حكم أوباما، لكن رؤساء آخرين، من بينهم جورج بوش الابن، رفض له الكونجرس فيتو رئاسيا 4 مرات.
ومع انخراط الولايات المتحدة فى حروب مثيرة للجدل- مثل أفغانستان والعراق، إضافة إلى عمليات عسكرية سقط فيها مئات المدنيين فى اليمن وباكستان، فى إطار ما يُعرف بـ«الحرب على الإرهاب»- فإن الحكومة الأمريكية مُعَرَّضة لدعاوى فردية فى تلك الدول، كما هو الحال فى العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وروسيا، لكن المدافعين عن القانون أكدوا حاجة الضحايا إلى تحقيق العدالة، ويعتقدون أن معارضة إدارة أوباما يدفعها الخوف من إثارة غضب الرياض.
وقال السيناتور الديمقراطى عن نيويورك، تشاك شامر، إن «القانون عزيز علىَّ، لأنه يوفر قليلا من العدالة لضحايا 11 سبتمبر».
ورحب الحزب الجمهورى بنتيجة التصويت، مؤكدا أن «الفيتو» الرئاسى «دليل على احتقار كبير لعائلات الضحايا»، وأن الكونجرس «قام بواجب لإبطال القرار الخاطئ».
واعتبر عمدة نيويورك السابق، رودى جوليانى، المدافع عن المرشح الجمهورى دونالد ترامب، أن «فيتو» أوباما يشكل «إهانة» لأسر الضحايا.
ويستند داعمو القانون إلى أن 15 سعوديا كانوا ضمن الـ19 مهاجما الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر، إلا أن القانون يخالف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولى وأسس العلاقات الدولية القائمة على مبدأ المساواة فى السيادة وحصانة الدول والاحترام المتبادل، وعدم فرض القوانين الداخلية على الدول الأخرى.
وقبل إقرار القانون، لم تكن للمحاكم الأمريكية ولاية قضائية تسمح لها بنظر دعاوى من أفراد ضد حكومات سوى تلك المصنفة على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهى إيران وسوريا والسودان، حاليًا، بعدما تم رفع كوبا من اللائحة، عقب تطبيع العلاقات معها.