بقلم : د. مينا ملاك عازر
جلس خلف مكتبه وهو يجتر مجموعة من الذكريات التي ترفع من روحه المعنوية بعد أن توارى وراء المكتب مثقلاً بهموم البلد وضرورة إيجاد حلول لمشاكل الطرق ورصفها وشق الأنفاق وغيرها، وفجأة سمع صوت قرع على الباب، فأذن للقارع بالدخول، وحينها انفتح الباب كاشفاً عن وجه زميله بل صديقه الذي كانا سوياً في كثير من عمليات فض الاعتصامات والإضرابات والتظاهرات، وهو منفرج الأسارير، يلوح بقبضة يده في الفضاء، وهو يقول صباح الفل يا فندم، فرد عليه بنبرة هادئة قريبة من الاكتئاب، وهو يقول ادخل بلا يا فندم بلا كلام من ده، إحنا أصدقاء سيبك من الرسميات دي.
فدلف الضيف للحجرة مغلقاً الباب ورائه، وتساءل في عجلة، ما لك؟ ماذا بك يا صاح؟ فصاح صاحب المكتب قائلاً، وما الذي بك يدعو للتفاؤل هكذا؟ فقال له دون أن ينظر لتلك النظرات الشاردة التي تحملها عيون صديقه، أتذكر يوم أن كشف على المتظاهرات لنتأكد من عذريتهم، صمت صاحب المكتب، وهو يرجع بالذاكرة ليوم التاسع من مارس من عام 2011، وما أرقه وهو يعود بالذكريات أنه تذكر تلك الضجة الإعلامية والرفض الشعبي والجماهيري، والقضية التي نظرتها المحاكم والتهم التي وجهت له ولمن كانوا معه، والمناقشات والمجادلات والمساجلات التي لم يعتدها، فهو اعتاد على أن يأمر فيطاع، ويقضي فينفذ قضاءه، حينها ظهرت علامات الضيق، ففهم صديقه ما ضايقه، فابتسم وقال له لا تنزعج ولا تتضايق، يبدو أن ما فعلناه وما جرمه البعض من الخونة والمعارضين سيصبح أمر واقع على الكل وقانون يطبق على رقاب الجميع، ولم ينتظر صديقه ليسأل كيف ولماذا وبماذا؟ إذ أكمل في حماسة منقطعة النظير، وهو يقول ها هو نائب مدني منهم يدعو لسن قانون يقضي بضرورة توقيع كشف طبي دوري على عذرية بنات الجامعات المصرية بحجة مكافحة الزواج العرفي، قالها وهو يضغط على كل حرف من الكلمات الأربعة الأخيرة بحجة مكافحة الزواج العرفي، ثم أفرج عن ابتسامة عريضة ووجه نظره بحدة لصديقه، فوجده يبتسم هو الآخر، ولكن حملت عينيه نظرة ضيق شديدة، فسأله عن سر الضيق؟ فقال أنت تعلم أنني لم أكن موافق لما فعلناه وقد كنت منزعج وقتها، لكنني كنت مضطر للدفاع عنه لكنني لم أكن مقتنع، وما يزيدني ضيق أني أذكر بنتي وبنتك اللتان مقبلتان على دخول الجامعة، وأتخيلهما وهما معرضتان لتلك السخافات والوقاحات، بل أن كلمة الزواج العرفي هزت كياني، وسألت نفسي إن كان ذلك سيكافح الزواج العرفي في المرحلة الجامعية، فما سيكافحه فيما بعد تلك المرحلة؟ ثم عاجل صديقه بسؤال استنكاري من أين للشعب بمثل هؤلاء النواب؟ ثم نهض من وراء مكتبه وهو ينظر للأفق البعيد من وراء النافذة ثم التفت لصديقه وقال الحل يا صديقي في أن نحسن تربية بناتنا وأبناءنا، ونحسن من حالهم الاقتصادي، فيستطيعون الزواج الشرعي العلني، ونكون قريبين منهم نسمع لهمومهم ونذللها وليس أن نهين أدميتهم.
المختصر المفيد كيف وصل أمثال هؤلاء لتمثيلنا!؟.