الأقباط متحدون - نسطوريوس وأفتيخيوس بين أفلاطون وأرسطوا فى العلاقة بين الفلسفة والهرطقة
أخر تحديث ٠٣:٤٠ | الثلاثاء ٤ اكتوبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٢٤ | العدد ٤٠٧٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

نسطوريوس وأفتيخيوس بين أفلاطون وأرسطوا فى العلاقة بين الفلسفة والهرطقة

أفلاطون وأرسطوا
أفلاطون وأرسطوا

الأب أثناسيوس حنين –مطرانية بيرية -اليونان
لا يمكن للباحث الجاد والمحقق الساجد واللاهوتى المدقق والمثقف المستنير ’من السير فى دروب المسيحية الاولى وشوارعها وحواريها وأزقتها’ دون أن يتعرف على دكاكين الثقافة المحلية والكونية التى رسمت معالم دنيا المسيحيين فى القرون السبع ألأولى حيث أخر المجامع المسكونية السبع (راجع مجموعة الشرع الكنسى أو قوانين الكنيسة المسيحية الجامعة جمع وترجمة وتنسيق الأرشمندريت حنانيا الياس كساب –منشورات النور 1985 )ونهاية الألفية الأولى التى شهدت حضور الكنيسة الجامعة بكل أطيافها (ما عدا الكنائس الغير الخلقيدونية )’لانه يوجد الأن ميل كونى لدى المتحمسين لوحدة الكنائس ’ اتباع مذهب المسكونية الجديد وليس المسكونية الأولى ’ يوجد ميل شديد الحماس نحو عولمة المسيحية وتجاهل المجامع المسكونية واحتقار العقيدة والازدراء بتعب الأباء ودم الشهداء فى الألفية الأولى ’ حيث كانت كنيسة كل المسكونة أى المعمورة كنيسة واحدة ’ ونكرر الى القرن العاشر(يعنى البروتستانت والكاثوليك كانوا واحد مع الارثوذكس الروم-البيزنطيين الى القرن العاشر وبدايات الحادى عشر وكل التشيعات اللاحقة لم تكن اعتراضا على تاريخ اللاهوت وصميم العقيدة بل على ممارسات كنيسة روما !!!) ’ ما عدا الكنائس الغير الخلقيدونية والتى نرى اليوم ’ بفرح وتفاؤل’ أنها تقبل بحماس على التراث اللاهوتى الأبائى وتتابع التطور اللاهوتى فى العالم الارثوذكسى وترسل طلابها الى اليونان وروسيا ورومانيا وأمريكا وفرنسا للدراسة فى معاهد اللاهوت الارثوذكسية البيزنطية ’ ولكنها تتردد فى قبول المحامع المسكونية السبع حتى تصير فعلا كنيسة المسكونة ونحن نصلى ونسعى لهذا اليوم الخالد.

الثقافة هى مخاض الانسانية الحبلى بالحقيقة اللاهوتية والغير القادرة على الولادة ’ الثقافة هى أسئلة الانسانية المصيرية ’ الثقافة بكل أطيافها وليست فقط الكتاب ’ بل الفن والرسم والموسيقى ’ ما هى الا حوار صامت مع الواقع المرئى بحثا عن تفسير غير مرئى ! حوار صامت مرة وصاخب مرات بين الانسان والكون ’ وأحيانا رب الكون ! الفلسفة اليونانية الكونية فى امتزاجها بالثقافات المحلية فى مصر وفى فينيقية وغيرها خرجت على العالم بمنظومة عقلانية أمنت للانسانية الخروج من غياهب السحر وسراديب الخرافات والتى كانتا ثقافة شعوب بدورهما ! لقد تم تطعيم الثقافة الهيلينية بالثقافات المصرية والهلينية ....تهللنت الثقافة وصارت الفسلفة اليونانية هى حكمة عظماء هذا الدهر على حد تعبير بولس .المسيحية لم تأت بجديد فى نوعية الاسئلة الوجودية التى طرحها الفلاسفة أفلاطون وأرسطو وتلاميذهم على الله والكون والانسان ! الجديد هو فى الاجابات التى قدمتها الرسالة المسيحية ..لخهذا اللاهوتى المثقف هو الذى يسمع لاسئلة الناس ’ كل الناس فى كل الازمان حتى يصل الى ملء زمانه...بينما قال الفلاسفة بأنه ثمة فجوة عميقة بين الله والانسان ’ قالت المسيحية أن معرفة الله صارت سهلا فى وجه الانسان يسوع المسيح .....لم يعد الله فى المسيحية ’ مسيحية الأباء ’ كلاما ....بل صار أفعالا(ألانيرجييس) ’ لم يعد الله كما مصمتا وجوهرا مغلقا بل ’ صار أنسانا له تاريخ وأصل وفصل ’ صار جسدا وهذا الجسد لم يكن أخر غير جسدنا بل هو هو نفسه ’ الكلمة ’ اللاهوت صار جسدا وحل ليس بيننا بل فينا ورأينا مجده مجدا لابن وحيد لأبيه مملوء نعمة وحق .

(Καί ό Λόγος σάρξ έγένετο καί έσκήνωσεν έν ήμίν , καί έθεασάμεθα اτήν δόξαν αύτού,δόξαν ώς μονογενούς παρά πατρός πλήρης χάριτος καί αληθείας )

نلاجظ فى الأية اليوحنائية المفصلية فى تاريخ الفكر اللاهوتى أن الحبيب يوحنا يستعمل تعبيرات فلسفية من الدرجة الأولى ويقوم بتعميدها فى تجسد الابن الوحيد ’ وأهم هذه التعبيرات ’ كلمة (ذوكسا ) وهى تعبير فلسفى افلاطونى ويعنى الرأى والعقيدة ’ أى رأى الانسان الحر فى المدينة الفاضلة التى ترجاها أفلاطون والبشرية معه ’ وهو من فعل (ذوكيو) أى أرى وأعتقد ’ الترجمة العربية (مجد) أضاعت علينا الغنى التاريخى و الثقافى والفلسفى للكلمة وصارت كلمة بلا جسد وبلا تاريخ ’ كلمة يتيمة تسبح فى أفاق الميتافيزيقية الغامضة بلا حسب ولا نسب .هذا هو معنى البدعة ’ هنا يكمن الصدام بين اللاهوت والفلسفة ’ صار تجسد الكلمة عثرة لليهود المتدينيين وجهالة وأستغباء لليونانيين المثقفين ’لانه من مصلحة رجال الدين ( ما أقبح هذا التعبير على حد رأى المطران خضر ) والمثقفين الشكليين أن لا يكون للكلمة جسدا يراه كل انسان يعيونه ويلمسه بيديه ’ لأنهم سيصيروا بلا عمل لأن عملهم قائم على الفجوة الوثنية بين اللاهوت والناسوت والتى جددها المسيح بتأنسه .هنا’ أى فى الانفصام بين الكلمة والواقع أى بين اللاهوت والناسوت ’ يتحول اللاهوت ’ نقول ’من خبرة وتاريخ الى مهنة وطبيخ !هنا الهرطقة أى اللاهوت الانتقائى- المزاجى على حد تعبير الصديق الدكتور جوزيف موريس فلتس .لم تنجو المسيحية منذ نعومة اظفارها ممن حاولوا جهدهم عزل الكلمة اللاهوتية عن جسد التاريخ والام العامة وطموحات النخبة وأسئلة المثقفين المصيرية.

ما أن أنتهى المسيحيون الحسنى العبادة والمستقيموا الرأى من وضع خلاصة خبرتهم اللاهوتية والانسانية فى (دستور الايمان عام 325 م) ’ حتى أطلت فذلكات الناس برأسها الافعوانى فى انحرافين من أخطر الانحرافات اللاهوتية والتى ما تزال سمومهما تفعل فعلها فى مناطق كثيرة من مسكونة اليوم ! نسطوريوس بطريرك أنطاكية ووالأرشمندريت أفتيخيوس رئيس رهبنة كبرى ’ خرجت من عبائتهم الكهنوتية بدعتى النسطورية أى الذيوفيزيتية (الطبيعيتان اللاهوتية والناسوتية فى المسيح لا يمكن أن يتحدا فى بطن العذراء) والاوطاخية –المونوفيزيتية(المسيح لاهوت فقط لا يمكن أن يكون ناسوت كامل اى الطبيعة الواحدة).القضية ليست خلافات لفظية كما يراها بعض البسطاء ’ لان فى هذا القول استهانة بقيمة الكلمات اللاهوتية ومردوداتها الخلاصية ويعنى ببساطة أن المسيحيين الاوائل لم يفهموا الايمان وتعبوا نفسهم عا الفاضى يعنى خذو بمبة بالمصرى.

نسطور لم يكن ساذجا أو طفلا بل بطريركا ولاهوتيا ’ وأفتيخوس لم يكن انسانا عاديا أو شابا متهورا لا يفهم الاعيب السياسة ’ من شباب التحرير أو رابعة بل راهب مخضرم ذو حظوة فى القصر الامبراطورى ’ أيه الحكاية أذن ؟ ابحث عن الفلبسفة أى الفمر العابد لذاته بلا اله فى هذا الدهر ’ اصرار نسطور على رفض اتحاد اللاهوت بالناسوت يرجع الى مهفوم معرفة الله السائد فى الثقافة السائدة فى زمان البطريرك والتى تغلبت على اللاهوت ’ البطريرك الفيلسوف انهزم أمام البطريرك اللاهوتى ’ نسطوريوس ’ ونحن نوافق علماء اليوم ’ كان مخلصا ’ ولكن لافلاطون وليس للمسيح ’البطريرك نقل الصراع الافلاطونى بين العالم المحسوس اى عالم الجسد والحواس والقيود وبين العالم الغير المحسوس أى عالم المثل والصلاح واللذان أى العالمان لا يمكن أن يلتقيا الا حينما تتخلص النفس من قيود المادة وتتمتع بالطوباوية(راجع قاموس اللاهوت الارثوذكسى أثينا 2001 ص 11 )’ نقول نقل البطريرك نسطوريوس هذا الصراع الى شخص المسيح ’ وخرج على المسكونة وقتها برؤيته أنه لا يقبل أن يكون المولود من العذراء الها !

اذا ما كان نسطوريوس البطريرك هو ابن افلاطون وليس ابن ابراهيم واسحق ويعقوب ’ فأن ألراهب أفتيخوس ’ وان يكن عالما بالتيارات الفلسفية بحكم تكوينه الرهبانى وعزلته عن العالم الا أن التيارات الفلسفية التى تجرم الجسد وتحرم الخمر وتحتقر الزواج كانت بضاعة رائجة فى الاوساط الرهبانية أنذاك ووراء احتقار الجسد والتوق الى الصالحات والحكمة اى الى الما ورائيات الفلسفية ’ فى رأينا ’ كان العامل الرئيسى ’ وما يزال ’ الذى دفع الراهب التقى أفتيخوس (ومعنى الاسم السعيد الحظ) الى أن يتمسك بالطبيعة الواحدة فى المسيح ولا يعطى للناسوت أى للجسد حٌقه الواجب فى التجسد لأن الجسد عنده لا يرقى الى مرتبة التحاد الكامل باللاهوت ’ نفس التقوى الرهبانية الميتافيزيقية -الافلاطونية هى التى دفعت قداسة البابا شنودة الثالث الى الصدام مع الاب متى المسكين و رفض شركة الانسان فى الطبيعة الالهية وتأله الطبيعة البشرية من خلال شركتها فى اللاهوت فى اقنوم واحد كما قال سلفه كيرلس الكبير واعد الطريق لمجمع خلقيدونية 451 وهذا أدى الى تدمير سر الافخارستيا وهدم الكنيسة كما أطلق يد رجال الاكليروس لاستغباء الناس واحتقار خلق الله والاستهزاء باللاهوتيين والازدراء بعلوم التاريخ والانكفاء على اصولية كتابية غريبة عن أباء الكنيسة تردد الايات ترديدا اليا بلا شرح ولا تفسير بل بجهل وتكفير ’ وليس كما عرفها الأباء ولقد سبق وأسهب وأفاض استاذنا الدكتور جورح حبيب بباوى وهذا البحث للتنوير وليس للتشهير لأن هذا هو دور اللاهوتيين ! .

نخلص من هذا كله الى أن غياب الحس اللاهوتى وانشغال القادة بالصراعات السياسية وتغلغل ثقافة العصر الوثنية الفلسفية (هذا يختلف تماما عن ضرورة الثقافة كمطارح سجود للكلمة ووسيلة بشارة ) قد يؤدى الى عواقب وخيمة على مسيرة الفكر المسيحى , وليس أدل على ذلك مما يحدث اليوم فى مصر حيث خرج علينا البطريرك القبطى البابا تأوضروس ’ الذى نترجى من حبريته الخيرات اللاهوتية والعلمية والروحية ونحن نعلم ان حمله ثقيل ’ نقول قام سيدنا بمجاملة للمسلمين من النوع الثقيل جدا(العبارة ليست لقداسته بل تم حفرها فى عهود ولت أو هكذا نتمنى !) ’ والتى لا يقبلها مسلم عاقل ولا مسيحى ساجد ’حينما استهل احد خطبه (بأسم الاله الواحد الذى نعبده جميعا!!! ) هذه المقولة كفيلة ’ اذا ما سمعها سلفه العلامة القديس اثناسيوس ’ بعقد مجمع لمحاسبة قائلها على ما هو أشر من الاريوسية الكارثة أنها لم تحرم مشاعر أحد وكأن الخطية هى فى انعدام الحس اللاهوتى والروحى والانسانى !!! وهذا دليل دامغ على تأسلم الفكر المسيحى المصرى وأنه فى حاجة الى جهاد حتى الدم للعودة الى المصادر المسيحية النقية وحفر الأبار التى ردمها الاهمال والجهل والمجاملات .هذا دليل فاضح على النتائج الوخيمة التى يعيشها المسيحيون اذا ما سلم القادة عقولهم الى ثقافة العصر الوثنية بلا لاهوت ابائى مسكونى حقيقى .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع