جائزة نوبل فى الطب هذا العام لها طعم خاص، ونستخلص منها دروساً مهمة، فالجائزة نظراً لضخامة وروعة الإنجاز وأهمية الاكتشاف فاز بها اليابانى «يوشينورى أوسومى» منفرداً، وهذا قلّما يحدث فى جائزة الطب بالذات، خاصة فى السنوات الأخيرة، أن يفوز بهذا المجد ومعه السبعمائة ألف يورو شخص واحد!! لكن هذا العبقرى اليابانى يمنحنا دروساً: ما هو العلم؟ كيف تسلك طريقه الصحيح. أولاً لا يخجلون هناك فى اليابان من كلمة معهد مثلنا وينزلون فى مظاهرات لتحويله لكلية! «يوشينورى» مكتوب فى كل المانشيتات أستاذ بمعهد طوكيو للتكنولوجيا، ثانياً قرر الرجل منذ أول لحظة أن يتخصص فى دراسة بيولوجيا الخلية، وفى كلية العلوم التى يخجل طلبتها من الانتماء إليها ويصاب طالب الثانوية بجلطة حين تأتى له فى التنسيق وتمنحها الدولة أقل الميزانيات، ثالثاً «يوشينورى» لم يملّ من خمسين سنة بحث وعيشه مع الخميرة لدراسة الخلية واكتشاف ظاهرة «الأوتوفاجى» التى أحدثت ثورة فى عالم الطب، ولكنه الجهد والمثابرة، رابعاً التقييم لا يأتى إلا بعد التأكد من نتائج الاكتشاف. يعنى خمسين سنة بحث ودراسة من «يوشينورى» ولم يتم تقييم إنجازه إلا بعد ظهور الأدوية التى تعتمد على اكتشافه العبقرى. هذا هو العلم باختصار، وهذا هو طريقه المتعب اللذيذ وهذا هو حصاده، وهذا ما يجب أن نتعلمه لكى نتقدم، ولكن ما هو «الأوتوفاجى» أو الالتهام الذاتى للخلايا باختصار؟ كان د. هشام الخياط، أستاذ الكبد الشهير، قد أجابنى عن هذا السؤال عندما كنا نتحدث عن الثورة فى أدوية وعلاجات فيروس «بى»، والتى تعتمد على اكتشافات «يوشينورى»، «الأوتوفاجى» هى طريقة من طرق التدمير الذاتى التى تلجأ لها الخلايا فى الجسم للتخلص من الخلايا المصابة بالعدوى أو الخلايا السرطانية، وهذا يعنى أنها طريقة طبيعية يلجأ إليها العضو المصاب للقضاء على الخلايا الهرمة أو المصابة بالعدوى أو السرطان، وذلك عن طريق التهام الخلية الذاتى لنفسها عن طريق تحفيز الجينات التى تساعد على تحلل الخلايا وابتلاعها لذاتها للقضاء على الخلايا المسنة والهرمة، وبذا تفتح الباب لتجديد العضو لخلاياه واكتساب خلايا شابة جديدة، وكذلك للقضاء على الخلايا المصابة بالعدوى لكيلا تعدى الخلايا السليمة فى العضو، بالإضافة إلى التخلص من الخلايا السرطانية أولاً بأول، وذلك لمنع استفحال وانتشار السرطان. الالتهام الذاتى للخلية هو طريقة من طرق الموت المبرمج للخلية والتى اكتشفها العالم اليابانى «يوشينورى أوسومى» بعد مجهود مضنٍ استكمل به ما توصل إليه العلماء فى بداية الستينات فى القرن الماضى.. وهى طريقة من طرق التحلل الذاتى للخلية عن طريق الإنزيمات الخلوية التى تُستخدم فى تحلل الأعضاء المصغرة من الخلية واحداً تلو الآخر، وقد اكتشف أيضاً أن بعض الخلايا السرطانية والفيروسات تمنع التحلل الذاتى للخلية عن طريق تحفيز بروتين يساعد على إحباط الموت المبرمج للخلية، ومن هنا لجأ العلماء حديثاً إلى طرق مبتكرة لعلاج السرطان والفيروسات عن طريق إحباط هذا البروتين الذى يمنع تحلل الخلية ذاتياً فى حالة الإصابة بالسرطان أو الفيروسات، وبالتالى يؤدى إلى تحلل الخلية المصابة وموتها، وبذلك بمهد الطريق للشفاء.