الأقباط متحدون - الأقباط متحدون تلتقي الشاعر، والكاتب، والقاص الفلسطيني: زهير دعيم
أخر تحديث ٢١:٠٥ | الاربعاء ٥ اكتوبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٢٥ | العدد ٤٠٧٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الأقباط متحدون تلتقي الشاعر، والكاتب، والقاص الفلسطيني: زهير دعيم

زهير دعيم
زهير دعيم

حاوره: عادل عطية

•    منذ أن رأت عيني النور، رأيت الله والكتب في بيتنا في كل زاوية!
•    رغم الانفصام في كوننا فلسطينيين، وكوننا مواطنين في إسرائيل ـ التي قامت على أساس يهوديتها ـ، فاننا نعيش عيشة مقبولة، بل وأكثر من مقبولة؛ فالفقر والجوع عنصران مفقودان من قاموس حياتنا!

•    السلطة الحاكمة في إسرائيل، تحاول جاهدة استجداء الأكثرية المسلمة في البلاد!
•    هكذا يقول لي الكثير من اليهود، الذين يروني أتقلد صليباً: "لا يا هذا أنتم لستم عرباً، أنتم مسيحيون فحسب"!
•    في إسرائيل، نحن نرتع في حريّة تعبدية لن تجد، نظيرها، في أية دولة عربية!

•    في إسرائيل أيضاً، بناء دور العبادة لا يحتاج إلى مرسوم جمهوري، ولا إلى اذن من المحافظ، ولا إلى رأي الغوغائيين، ان وجدوا!
•    توجد مجموعة متنامية، تدعى "اليهود المسيحيون"، تؤمن بالرب يسوع مخلصاً ورباً، وهي مجموعة تتسع وتكبر، ولها كنائس في المدن الإسرائيلية!
•    لماذا لا يحق للمصري الإسرائيلي، زيارة أهله في مصر؟!

•    مصر تفتقد لعنصري: الاجتهاد، والتنظيم!
•    عندما علق الأب مكاري يونان على وظيفتي، وقال: مسيحي.. ومعلم للغة العربية!

   مسيحي لا غش فيه!
   يطالعك كل صباح بأشعاره، التي توقظ الشمس، وتطلق الطيور المغردة؛ لنسبح معها تسبيحة يوم جديد!
   فلسطيني، يحمل الجنسية الإسرائلية..

   وككل فلسطيني،
يعشق أرضه، التي أختارها الله؛ لتكون مسقط رأسه!
   شاعر، وكاتب، وقاص..

ولكنه قبل كل شيء: مُربٍ فاضل، في ملكوته المدرسي، يُعلم الحرف لتلامذته، ويكللهم بالتربية الصالحة للمجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه!
ولأن ليس، كالوطني، معرفة بدروب بلاده، ومسالك أهلها، وأخبارها ..
ولأن لدينا تساؤلات من جهة الأراضي المقدسة، التي هي جزء من تساؤلات قارئنا الكريم..

فكان هذا اللقاء مع شاعرنا، وكاتبنا، وقاصنا: زهير دعيم..

وكان هذا الحوار...

•    من أنتم في بطاقة التعريف؟
   زهيرعزيز دعيم، جليليّ، وُلد في عبلّين سنة 1954، أنهى دراسته الثانوية في المدرسة البلدية "أ"، في حيفا. يحمل لقبين: الأوّل في اللاهوت وعلم التربية. والثاني في الأدب العربيّ من الجامعة التطبيقيّة بميونخ، بألمانيا.

   يعمل في سلك التعليم، كما مارس العمل الصحفي، محرراً في صحيفة الأهالي، وصحيفة عبلين.

   يكتب الشعر، والقصّة، والمقالة، وقصص الأطفال. وقد صدر له أكثر من 23 عنواناً مطبوعاً: في الشعر، والقصة، والمسرح، للكبار والصغار. بعضها ترجم إلى اللغة الإنجليزية، وبعضها حصل على جائزة "مسيرة الكتاب"، وبعضها على الجائزة الأولى من المجلس الشعبي للآداب والفنون.

•    هل اخترتم عملكم التربوي، بناء على موهبتكم في الكتابة.. أم هي المصادفة؟
    منذ أن رأت عيناي النّور، رأيت الله والكتب في بيتنا في كلّ زاوية، فأخي البكر المرحوم سمعان دعيم، أصدر مجموعة قصصية "مع الموكب" في الستينيّات، وأخي المرحوم الشاعر عيد دعيم، الذي يكبرني بعدّة سنوات،  أصدر عدّة دواوين من الشّعر والزجل، فلا غرو أن يعشق واحد مثلي الله والكتاب، فالترنيم كان يصدح دومًا من بيتنا القرويّ، والكتاب يسرح ويمرح.. فكنتُ أنام ويغفو  الكتاب في حضني!

    من هنا جاءت محبتي للعلم والتعليم والتدريس؛ هذه المهنة المقدّسة، والتي اعتبرها جميلةً، رائعة، لا تخلو من قداسة ورسالة. فالقضيّة ما كانت أبدًا صدفة.

•    ما هو تعريفكم لفلسطيني الداخل، وكيف نفسر وجودهم في إسرائيل، رغم ما قرأناه كثيراً عن طرد العرب من أرضهم، وهل يحملون الجنسية الإسرائيلية؟
   ِفلسطينيو الداخل، هم الفلسطينيون العرب، الذين ولدوا وعاشوا في فلسطين قبل قيام الدولة اليهوديّة (إسرائيل)، وعند قيام الدولة العبريّة، ظلّوا فيه منزرعين في بلداتهم وقراهم، وعاشوا تحت الحكم الاسرائيليّ، ورويدًا رويدًا اندمجوا بالحياة المدنيّة الاسرائيليّة.

   لا أنكر ان العربي الفلسطيني في  الداخل الاسرائيليّ يعيش الحيْرة والانشطار، فمن جهة هم ينتمون الى الشعب الفلسطينيّ الذي يحارب من اجل دولته، ومن جهة اخرى يعيشون في دولة "اغتصبت" أرضهم.. فتراهم يندمجون تارة، وفي كثير من الحالات يهبّون لنصرة اخوتهم في الضفة والقطاع.

   لا ولن انكر أنّ هناك بعض الغبن اللاحق بنا نحن عرب الداخل، كما  كلّ أقليّة في العالم، ولكن لا أخفيكم سرًّا، إن أنا قلتُ أنّنا نعيش في بحبوحة لا بأس بها من العيش، لايعيشها ولا يحياها كلّ العرب في الدول العربيّة، فالامتيازات والمُخصصات الاجتماعيّة، التي نتمتع بها كما كلّ المواطنين في الدولة، هي رائعة بل ورائعة جدًّا.. قلّ ما تجد مثلها حتى في الولايات المتحدة، أو: أوروبا.

   من الطبيعي وبعد ان اندمجنا في الدولة، ورضينا ان نشترك في حياتها، أن نحمل الجنسيّة الاسرائيليّة، ونتكلّم اللغة العبرية الى جانب لغتنا العربيّة الأم، والتي هي ايضًا تعتبر لغةً رسميّة.

   خلاصة القول، أنّنا ورغم الانفصام في كوننا فلسطينيين، وكوننا مواطنين في اسرائيل – التي قامت على اساس يهوديتها –، فإننا نعيش عيشة مقبولة، بل واكثر من مقبولة، فالفقر والجوع عنصران مفقودان من قاموس حياتنا، وليقل غيري شيئًا آخر.

•    ما هي نظرة المجتمع اليهودي إلى المسيحيين، وهل يقسمون المجتمع الاسرائيلي إلى ثلاث: اليهودي أولاً، ثم المسيحي، ثم المسلم؟
   بداية، اريد ان انوّه انني اعيش في بلدة جليليّة تدعى عبلّين، نصفها من المسيحيين والنصف الآخر من المسلمين، ونعيش المحبة، والأخوة بشكل جميل ورائع.

   هناك فرق بين توجهات السلطة الحاكمة، وتوجهات الشعب. فالسلطة الحاكمة تحاول جاهدة استجداء الأكثرية المسلمة في البلاد، لذلك تجد ان الكثير من الوظائف الحكومية وخاصة في وزارة التعليم في ايدي المسلمين، في حين يذهب المسيحيون الى الوظائف الحرّة.

   هذا بخلاف رجل الشارع اليهودي.. فمثلاً: أنا أسافر كل سنة مع زوجتي إلى أوروبا، برفقة مجموعة سوادها الاعظم من اليهود، إن لم تكن كلها كما في السنتين الاخيرتين، فأجد المحبة والوداد والتقدير والاحترام منهم، فهم يدرون ويعرفون أن الفلسطينيّ المسيحي، وانطلاقًا من معتقده الدينيّ، والذي ينادي: "أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم".. يُقدّس الحياة لا الموت، ويمقت كلّ اشكال وألوان العنف، بل وهو مُطالب في انجيله باحترام واطاعة القادة؛ لأنهم من الله.

   وكثيرًا ما يتفاجأ هؤلاء المسافرون، حين يلمسون أن زهيرًا، يعرف في التوراة – وليس فقط في الإنجيل – أكثر منهم، ويُبحر فيه بمهنيّة ودراية كبيرتين، كما ويتفاجؤون من اخلاقياتنا وثقافتنا – كما ويتفاجؤون من اخوة لنا من المسلمين الرائعين وهم كثر في بلادنا-0

   ولن اكون مبالغًا، ان قلت اننا، حين نفترق في المطار في تل أبيب، يذرفون الدموع، ويعانقوننا بشدّة، ويبقون على تواصل معنا.

•    قالت لي واحدة من فلسطيني الداخل، أنها عندما ذهبت للحصول على عمل، قال لها رب العمل: لا تقولي أنك فلسطينية، بل قولي: أنا مسيحية.. ما مغزى هذا التعبير، برأيكم؟
   قد تكون صادقة في قولها، فالمواطنون اليهود يعرفون ويلمسون أنّ العربي الفلسطينيّ المسيحيّ – حتى ولو كان يعشق القوميّة العربيّة حتّى النُخاع – فلن يؤذي احدًا، ولن يُفكّر يومًا بالقيام بأعمال عدوانيّة ضد الدولة . وهنا يجب ان  انوّه ايضًا ان الاغلبية الساحقة من اخوتنا المسلمين، ينهجون نفس النهج.
   وكثيرًا ما رآني الكثير من اليهود، اتقلّد صليبًا في عنقي، فيسألون:

ماذا تقول عن نفسك؟ فأجيب بانّني فلسطينيّ، مسيحيّ افتخر بيسوع، ومواطن إسرائيلي. فتراهم يرفعون الحواجب، قائلين: لا يا هذا انتم لستم عربًا. انتم مسيحيون فحسب.

   علمًا أن العرب المسيحيين، كانوا في البلاد قبل الاسلام. والانجيل يذكر ذلك، حين حلّ الروح القدس على التلاميذ في عُليّة صهيون في اورشليم في يوم الخمسين.

•    هل ترون في إسرائيل مجتمعاً متفتحاً، وأكثر احتراماً لعقائد الآخرين، من كثير من الدول العربية؟
   مجتمع منفتح وأكثر. فحريّة العبادة، وممارسة  طقوسها، مكفولة للجميع بدون استثناء. فبمقدور كلّ طائفة، ومعتقد، ودين، أن يقوم بطقوسه وعاداته الدّينيّة بكلّ حريّة، حتى ولو أدّى الأمر الى اقفال شارع ما في مدينة مركزيّة  ما في البلاد، بالطبع بعد التشاور مع الشرطة. فهناك عندنا في مدينة حيفا، مثلاً، تُقفل عدّة شوارع رئيسة في المدينة، في كلّ سنة، في ذكرى عيد "طلوع العذراء"، حيث يسير موكب تمثال  امّ النور من مدينة حيفا السفلى الى الدير في الكرمل الأشمّ، أضف الى ذلك حريّة التبشير.

   أمّا عن بناء دور العبادة، فحدّث ولا حرَج، فالأمر مُتاح جدًّا وللجميع، فما على المسؤولين في الطائفة إلا ان يتقدّموا بطلب الى لجنة التنظيم والبناء، كما يتقدّم أيّ مواطن عاديّ لبناء بيت.

   انّه أمر بسيط جدًّا، فلا حاجة لا الى مرسوم جمهوريّ!!!، ولا الى اذن من المحافظ !!!، ولا إلى رأي الغوغائيين ان وجدوا!!!.

   انّنا نرتع في حرّيّة تعبدّيّة، لن تجدها في أيّة دولة عربيّة، ولن تجد نصفها، أو: ربعها.

   ناهيك ان لرجال الدين، من كلّ الطوائف، احترام وهيبة، من السلطات في المطارات، والمعابر، وغيرها.

•    عندما تتجلى السيدة العذراء على قباب كنائسنا في مصر، يعزوها البعض إلى أن الأمر لا يتعدى كونه خيالات، أو خدعة باستخدام اشعة الليزر. فما موقف اليهودي عندما يسمع أو يرى، كل عام: زهرة الصليب التي تظهر عند كنيسة اليعازرية في اسبوع الآلام، والنور الذي ينبثق من القبر المقدس في سبت النور؟
   العذراء امّ النور هي أمّ ربنا يسوع بالجسد، طاهرة جدًّا وورعة وتقيّة، وهي التي قالت وما زالت تقول لنا: "كلّ ما يقوله لكم فافعلوه"..  وتقصد ان نطيع الربّ يسوع،  وهي التي رنّمت الترنيمة الأجمل: "تُعظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي". فعندما تظهر وتتجلّى في مصر، وغير مصر،  فهي تستطيع وتقدر. انها والدة الرب الغالي خالق الكون.

      كنت قبل اسابيع، في فاطيما في البرتغال، حيث ظهرت العذراء  هناك، قبل عشرات السنين. وعندما رأيت الجماهير تزحف على الركب تقديرًا ليسوع، واحترامًا للعذراء شعرت بفرح لا يوصف.. بالطبع اليهود اليوم لا يؤمنون بيسوع انه المسيّا،  ولا يؤمنون بالعذراء على انها امّ يسوع ، بل يعتبرون يسوع مُصلحًا اجتماعيًا، علمًا ان هناك مجموعة من اليهود تدعى اليهود المسيحيون، يؤمنون بالرب يسوع مخلّصًا وربًّا. وقد بدأت هذه المجموعة تتسع وتكبر، ولها كنائس في  المدن الإسرائيلية،  وتجد احيانًا بعض المضايقات من المتشدّدين اليهود.

•    ما سر وجود مفتاح كنيسة القيامة بيد عائلة مسلمة، وهل سيبقى هكذا إلى المدى البعيد؟
   في عام1187م، سلم القائد صلاح الدين الأيوبي، مفتاح كنيسة القيامة لعائلتين مسلمتين، هما: عائلة جودة، وعائلة نسيبة؛ وذلك تحسّبًا لخلافات بين مسيحيي مدينة القدس بشأن من له الحق في أن يحتفظ بالمفاتيح.

   ومنذ ذلك التاريخ، يقوم أفراد من العائلتين بفتح أبواب الكنيسة، وإغلاقها، كل يوم. إضافة إلى القيام على حماية وحراسة الكنيسة، وهم يعتبرون ذلك أمرا تشريفيًا لهم.

   والامر لا يضرّني كثيرًا، فليبقّ على ما هو عليه ان ارادوا، خاصّةً وأنّ العائلتين تقومان بالمهمّة على الوجه الصحيح. فالأمر يتعلّق بهم فأن هم أرادوا التخلّي فليكن، فألف شكر لهم. فأنا، كما جميع المسيحيين، لا نحبّ القمع، والكسر، والتجبّر. ولنذكر دائمًا أنّ عيوننا – ورغم قدسية كنيسة القيامة – عيوننا مُعلّقة بأورشليم السّماويّة، غير  ناسين ان القبر هنا على الأرض فارغ.

•    ما نوع العلاقة بين الطوائف المسيحية، المتنوعة، في إسرائيل؟
   تسود علاقة ودّيّة وجميلة بين الطوائف المسيحيّة في اسرائيل، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث تعالت الأصوات المباركة، التي تنادي  بالوحدة، التي دعا اليها الربّ يسوع له المجد، فنحن لسنا لبولس ولا لأبلّوس بل للمسيح. وقد سبقَ وكتبت أكثر من مقال، وأكثر من مرّة، مناديًّا وداعيًا الى الوحدة المسيحيّة: وحدة الأعياد، المحبّة؛ فالكتاب المُقدّس، بعهديْه، دستورنا جميعًا والربّ الظّافر هو الهنا. فلا فرق إلا ببعض الطقوس بل قل القشور!. واليوم تجد الكاهن الكاثوليكي إلى جانب الكاهن الارثوذكسي والى جانب القسيس البروتستانتي في كنيسة واحدة .. الامر يدعو الى التفاؤل، ولكنه لا يزال يحتاج الى صلاة؛ حتى يلتقى الرؤساء الروحيون في العالم، فيُلبّوا رغبة الرب بالوحدة التّامة؛ لأنّ الكنيسة هي جسد الربّ وعروسه.

•    ما هو مستقبل المسيحية، واتباعها، في الأراضي المقدسة، برأيكم؟
   لا خوف على الكنيسة في الشرق؛ فالوحيّ الالهيّ،  يقول: "الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون."، ويقول: "على هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَن ْتَقْوَى عَلَيْهَا.".

   بل اني متفائل جدًّا؛ ففي اعتقادي وايماني، انّ الربّ يعمل كثيرًا في هذه الأيام، من أجل كسب نفوس، وخراف، من حظائر أخرى.
   قد  يكون الامر: بالسرّ، وبالحذر، وبهدوء.. ولكنني على يقين انّ الشّرق للرب كما كلّ العالم.

•    لقد زرتم مصر كسائح.. فماهي انطباعاتك عن مصر والمصريين، وهل وجدت مشكلة في مصر كونك تحمل الجنسية الإسرائيلية، وكيف ترى مستقبل السياحة في مصر، ولماذا؟
   لطالما قلت، وما زلت اقول، أن الايمان الحارّ وجدته في مصر من شمالها مرورًا بالصعيد وحتّى اسوان، فقد رأيت الركب تسجد وتركع والنفوس تخشع عند اقدام المصلوب.

   المصري انسان طيّب مرح، يحبّ النكتة، مضياف، بشوش رغم الوضع الاقتصاديّ الصعب الذي مرّ ويمرّ به.. انهم "المساكين بالرّوح".

   كإسرائيلي،  كنّا دائمًا في الفنادق مع حراسة، احيانًا مشدّدة، واحيانًا بسيطة. وكانت الشرطة المصرية ترافقنا طوال الطريق من المعبر البري والى داخل الاراضي المصريّة. وللحقيقة اقول ان المصريين لم ينجحوا في جعل الحضارة المصرية تدرّ المليارات من العملة الصعبة كما يفعل ذلك الطليان وغيرهم من اصحاب الحضارات. فالدخول الى الاهرام بقروش حيث الرمال وروث الجمال فلا مطاعم ولا مقاهٍ تدر الدولارات على الدولة.. ناهيك عن التزمّت الإسلامي الذي ضرب مرّة السائحين الالمان وغيرهم. فهذا الامر لن يكون محفّزًا للسياحة وللسائحين. المشكلة الاخرى في الموضوع، هو ان لدينا في البلاد اكثر من 25 الفًا من المصريين المتزوجين من فلسطينيات  عربيًات ويقيمون عائلات ويحملون اليوم الجنسيّة الاسرائيليّة ولكن السلطات المصرية تأبى  وترفض دخولهم اليها لزيارة الاهل هناك.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يحقّ للمصري الامريكي ان يزور اهله في مصر والمصري الإسرائيلي لا يحقّ له علمًا ان هناك علاقات دبلوماسيّة تربط الدولتين؟ أين الحسّ الانسانيّ؟

•    دولة إسرائيل، مساحتها تعادل مساحة محافظة الاسكندرية المصرية، كيف تشعرون بهذه المساحة، وكيف استطاعت اسرائيل ان تكون في مصاف الدول المتقدمة في اعوام ليست بكثيرة، وعلى مساحة ليست بكبيرة؟
   القضيّة ليست بالكمّ بل بالكيف، فمثلا: آلاف الدونمات التي تزرع بالقطن او البرسيم، أو: الذرة في مصر لا تدرّ الا  بعض المال. امّا اذا حوّلت هذه المساحة للصناعة بكل انواعها، فهي تدرّ الملايين والمليارات، ان التقدّم والتقنيّة في اسرائيل بمستوى عال جدا، والصناعات الحربية والإلكترونية الإسرائيلية لها سمعتها الكبيرة، ناهيك عن المساعدات الجمّة التي تحصل عليها الدولة من الولايات المتحدة، ومن دول اوروبا.

    دعني ابتعد قليلا؛ لأقول لك، أن الانتاج القومي الالماني، مثلا،  يعادل بل اكثر من الانتاج القومي الإسلامي، وليس العربي فقط. واظن ان الانتاج القومي الإسرائيلي يفوق معظم انتاج الدول العربية مجتمعةً.

اضف الى ذلك عنصري الاجتهاد والتنظيم، فأنت لا تجد كما وجدتُ أنا  في مصر، ان هناك من يحمل بعض المحارم الورقيّة ليبيعها، او: يحمل ثلاثة امشاط، ويعرضها للبيع.. كلنا نريد ان نبيع فمن يعمل ومن يشتغل بجدّيّة.

•    التعليم في اسرائيل، كيف يتعامل مع الوسط العربي، وهل هناك مدارس خاصة بالعرب، وهل المدارس الحكومية تعلم اللغة العربية بالاضافة الى اللغة العبرية؟

   دعني بداية احكي لك عن زيارة قمت بها مرة خلال زياراتي الكثيرة لمصر، فقد زرت الأب الرائع مكاري يونان الذي استقبلني بحفاوة. وعندما سألني عن مهنتي وقلت أعمل معلّمًا  للغة العربيّة؛ استغرب قائلاً: مسيحيّ ومعلّم للغة العربيّة؟ كيف يكون ذلك عندكم وعندنا الأمر مستحيل؟
   التعليم لدينا مقبول، بل ومقبول جدا، رغم انّنا نحسّ احيانًا بفارق بين التعليم العربيّ واليهودي لصالح التعليم اليهودي، بل وهناك فارق بين الشريحة اليهوديّة الغربيّة والشريحة اليهوديّة الشرقيّة.. امّا التعليم الخاصّ لدينا فهو رائع جدا، فقد قدّم خدمات جليلة للوسط العربيّ وخرّج مئات الأطباء والمهندسين.
   التعليم الخاصّ في البلاد يعود للكنائس المسيحيّة، حيت النخبة من المعلمين والنتائج الرائعة والأخلاق الرفيعة، التي تستمدّ رونقها من الرب الغالي. لا انكر ان التعليم الخاصّ يكلّف الجيوب بعض المال.

   بخصوص اللغة العبرية، فكلّ المدارس العربية الحكوميّة والخاصّة  تعلّم اللغة العبرية مع اللغة العربية منذ الصفوف الاولى، فمثلاً أنا درست المرحلة الثانوية باللغة العبرية، هذه اللغة التي تكلّم بها يسوع وتتجذّر من اللغة الآرامية، وتتشارك مع اللغة العربيّة بمئات الكلمات المتشابهة ان لم يكن أكثر.

•    نسمع ان الاخوة الفلسطينيين، لا يحبون الشعب المصري.. هل هذا حقيقة، ولماذا برأيكم، وما تفسيركم لحادثة ضرب وزير الخارجية المصري السابق على يد فلسطينيين في المسجد الأقصى؟
   أظنّك تتحدث عن اخوتنا الفلسطينيين في الضفّة والقطاع، بخلاف عرب الداخل الذين يحبون الشعب المصري، ويكنّون له الاحترام. فأنا مثلا أكن للشعب المصري كلّ الاحترام واعتبره أب الحضارة وأمّها، ولي اصدقاء وصديقات واخوات واخوة في مصر احبّهم جدًّا، وأنت المبدع الرائع عادل عطيّة، لك زاوية دافئة في قلبي مثال لهذه المحبّة.

    بخصوص الاعتداء على وزير الخارجية المصري في الاقصى، فأنا أدينه واشجبه، فليس من الاخلاق بمكان، ان يُعامل وزير أو: مسؤول، أو: انسان حتى بسيط يأتينا ضيفًا بمثل هذه المعاملة.. انا ادعو الوزير المصريّ  لزيارة الناصرة،  والجليل وسيجد الترحاب الكبير.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter