الأقباط متحدون - عصير العلم نصف كوب من الفنكوش
أخر تحديث ٠٢:١٢ | الخميس ٦ اكتوبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٢٦ | العدد ٤٠٧٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

عصير العلم نصف كوب من الفنكوش

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
فاروق عطية
    كان التعليم قبل حركة ضباط 23 يوليو يضارع التعليم في أي دولة متقدمة وأحيانا كان يتفوق علي كثير منها. لذلك كان خريجوا جامعاتنا المصرية يُقبلون في العمل في أي دولة أوروبية دون معادلات أومجادلات. كان لنا رواد في العلم علي مستوي متقدم عالما أذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر الدكاترة: مصطفي مشرفة، سميرة موسي (أغتيلت بحادث سيارة بكليفورنيا)، رشاد رزوق نجيب محفوظ باشا (رائد طب أمراض النساء والولادة)، رشدي سعيد، إبراهيم جوهر. ومن الجيل التالي الذي تعلم في الجامعات المصرية علي أيدي الأساتذة القدامى ـ قبيل مخاصمة العلم الغربي واتجاه البعثات للكتلة الشرقية ليعودوا أكثر جهلا ويقودوا الأجيال التالية إلي ما نحن فيه من تخلف ـ السير مجدي يعقوب، فاروق الباز، أحمد زويل، يحيي المشد (اغتيل في فندق المريديان بباريس) ونبيل القليني (إختفي في تشيكوسلوفاكيا).
 
   كان التعليم زمان يبدأ بالمرحلة الابتدائية ومدتها أربع سنوات. يقبل التلميذ بالسنة الأولي الابتدائية بعد قضاء عدة سنوات (بين عامين أو ثلاث) بالكتاتيب أودور الحضانة، يمتحن الطالب قبل القبول في الإملاء والمطالعة والعمليات الحسابية البسيطة كالجمع والطرح. اليوم الدراسي يبدأ من الساعة الثامنة صباحا وينتهي في الربعة عصرا. الحصة 45 دقيقة يليها خمس دقائق للاستعداد للحصة التالية. بعد الحصة الثالثة فسحة صغري (15 دقيقة)، وبعد الحصة الخامسة فسحة كبري لمدة ساعة لتناول وجبة الغذاء(تعطي مجانا)، وبينتهي اليوم الدراسي بعد الحصة السابعة. في الانتقال من السنة الدراسية لما يليها يتم عبر امتحان حقيقي فيه نجاح ورسوب، ومن يرسب يعقد له امتحان ملحق، إذا لم ينجح فيه يعيد السنة الدراسية. وفي نهاية المرحلة الابتدائية يعقد امتحان عام علي مستوي المديرية (المحافظة الآن). وكان الحاصل علي الابتدائية حائزعلي ثقافة عامة في جميع المواد كالتاريخ والجغرافيا ومبادئ الكيميا والفيزيا والأحياء واللغتين العربية والانجليزية مما يؤهله للعمل في السلك الوظيفي إذا لم يرغب في مواصلة التعلم بالانتقال للدراسة بالمرحلة الثانوية، وأجزم أن مستواه الفكري والثقافي كان يفوق مستوي خريج الجامعات هذه الأيام.
 
   المرحلة الثانوية كانت خمس سنوات. السنوات من الأولي حتي الثالثة دراسة عامة في جميع المواد العلمية والأدبية، ويبدأ التخصص إلي علمي وأدبي من السنة الرابعة. كان العلمي ينقسم إلي قسمين، علمي علوم وعلمي رياضة. علمي علوم يدرس الكيمياء والفيزياء والأحياء بتوسع واللغات الثلاث (عربي وانجليزي وفرنساوي) والرياضيات عدا التفاضل والتكامل. علمي رياضة يدرس الكيمياي والفيزيا والأحياء أقل من علمي علوم ويدرس الرياضة مضاف لها التفاضل والتكامل. أدبي أيضا ينقسم إلي قسمين، أدبي فلسفة وأدبي رياضة، في أدبي فلسفة يدرس الطالب الجغرافيا والتاريح واللغات الثلاث إضافة للفلسفة والمنطق، أما في أدبي رياضة يدرس الطالب الجفرافيا والتاريخ واللغات الثلاث والريضة (تفاضل وتكامل). في نهاية السنة الرابعة يعقد امتحان عام علي مستوي المملكة لنيل شهادة الثقافة التي تؤهل لدخول كليتي الحربية والبوليس أو العمل. ويستمر من يرغب في الدخول للجامعة للدراسة بالسنة الخامسة وفي نهايتها إمتحان علي مستوي المملكة للحصول علي شهادة التوجيهية ( الثانوية العامة). الحاصلين علي التوجيهية علمي علوم يمكنهم الالتحاق بكليلت الطب(بشري، أسنان، بيطري) وكليات الصيدلة والعلوم والزراعة إضافة للكليات النظرية. أما خريجي علمي رياضة لهم كليات الهندسة والتجارة والكليات النظرية. خريجي أدبي فلسفة لكلية الآداب، وخريجي أدبي رياضة يتوجهون لكليات التجارة.
 
   بعد حركة ضباط 23 يوليو حدث عدة تغييرات في نظام التعليم، انقسمت مراحله لثلاث بدلا من مرحلتين: الابتدائي والإعدادي والثانوي، وتغير عدد سنوات كل مرحلة حسب أهواء كل وزير جديد، وأصبح التعليم سمك لبن تمر هندي، ولعدم مواكبة الدور التعليمية التزايد في عدد السكان أصبح الفصل الذي كان لا يزيد عدد طلابه عن عشين تلميذا يحشر فيه أكثر من ستين، وتلاشت الأفنية والملاعب ليحل محلها فصول جديدة. ومع تدني الأجور والارتفاع المطرد في الأسعار والعدد الكبير من التلاميذ في الفصل، تكاسل المعلمون عن تأدية واجبهم التعليمي المدرسي، وتحول التعليم من المدرسة للدروس الخصوصية. ورويدا رويدا استشري الانهيار التعلمي في السلوكيات والمستوي الصحي والبدني، حتي وصل مستوي التعليم المصري إلي إدني ترتيب علي مستوي العالم.
 
   نتيجة لتدني مستوي التعليم قبل الجامعي، وتحول البعثات للحصول علي الدرجات العلمية للتدريس بالجامعات من الدول الأوروبية والولايات المتحدة المتقدمة علميا وتكنولوجيا وتوجهها إلي الكتلة الشرقية المتخلفة، انحدر التعليم الجامعي أيضا حتي أننا لا نجد إسم أي جامعة مصرية ضمن الـ 500 جامعة الأكثر تقدما. أذكر حين كنت أعمل بقطاع المعامل بالشركة التي عملت بها، حين كنا نطلب تعيين كيميائيين جدد من خريجي كليات العلوم (كيمياء) للعمل، كان مستوي المتقدمين يرثي له لدرجة أن الواحد منهم لا يجيد استخدام الأدوات المعملية ولا يدري كيفية التصرف الأمثل، مما يضطرنا لبذل الجهد المضاعف لتدريبهم وتعليمهم من الألف إلي الياء حتي يستوعبوا أسلوب العمل، ورغم ما بذلناه ظل مستواهم العلمي ضعيف لعدم قدرتهم علي متابعة التقدم العلمي المستمر والمتلاحق.
 
   في ستينيات القرن الماضي و أثناء فترة حكم عبد الناصر قامت القوات المسلحة بتصنيع صاروخين باسم القاهر والظافر، كان عبد الناصر يقول فى كل خطبه إن مدى الصاروخ القاهر يصل إلى 600 كم، أما الظافر فيصل مداه إلى 350 كم، ويستطيعان بكل سهولة قصف إسرائيل، و شارك الصاروخان فى العروض العسكرية التى كانت تجرى كثيرا في شوارع العاصمة. و تحدثت وسائل الميديا المصرية ليل نهار عن هذا الانجاز الضخم ووضِعت نسخ معدنية من الصاروخين في العديد من الميادين الرئيسية بكثير من مدن الجمهورية، فكانا دفعة معنوية هائلة للشعب المصري،هللت الجماهير و أيقنت بأن زوال إسرائيل صار أمرا محتوما مجرد وقت. بعد هزيمة 67 أخذ المصريون يتهامسون: أين الصاروخين ؟ و لماذا لم يستخدمهما الرئيس عبد الناصر فى ضرب تل أبيب كما وعدنا ؟ ولم تكن هناك اية اجابات عن هذة التساؤلات الا الصمت الرهيب من السلطات المختصة جميعها. من ذكرياتي عنهما، ان المشروع كان يعتمد علي خبراء من المانيا وان الموساد قام بارسال طرود مفخخة الي مقرهم نتج عنها هروبهم من مصر وتخلصوا من اجهزة التوجية في النمازج الاولي للصواريخ حتي لا تحصل مصر عليها بعد سفرهم، وقيل أن كبيرهم وهو عالم شهير توجة الي الصين وبدا معهم مشروع الصواريخ الصينية.

 
يقول الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس اركان حرب القوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر 1973. عندما استلمت مهام رئاسة اركان الجيش لم يتطوع أحد ليخبرني بشئ عن القاهر أو الظافر لكنني تذكرتهما فجأة و أخذت أتقصي أخبارهما الي أن عرفت القصة بأكملها, و كيف أنفقت ملايين الجنيهات علي هذا المشروع و كيف ساهم الاعلام في تزوير الحقائق وخداع شعب مصر. قد وجدت أن المشروع قد شطب نهائيا و تم توزيع الأفراد اللذين يعملون فيه علي وظائف الدولة المختلفة, أما القاهر و الظافر فكانت هناك عدة نسخ منهما ترقد في المخازن, كانت عيوبهما كثيرة و فوائدهما قليله. ولقد حضرت بنفسي بيانا عمليا لاطلاق القاهر وجدت أن هذا السلاح اقرب ما يكون الي منجنيق العصور الوسطي، كان كبير الحجم و الوزن اذا تحرك فان المركبة الحاملة له تسير بسرعة من 8-10 كم/ ساعة، ويحتاج ارضا صلبة وممهدة، واذا اطلق فانه يطلق بالتوجية العام حيث أنه ليست لدية أية وسيلة لتحديد الاتجاة سوي توجية القاذف في اتجاه الهدف و اقصي مدي يمكن ان يصل اليه المقذوف هو ثمانية كيلو مترات و في اثناء التجربة اطلقنا 4 قذائف علي نفس الهدف بنفس الاتجاه و نفس الزاوية فكانت نسبة الخطأ 800 مترا !! و هذا يعني اننا اذا قمنا باستخدام هذا السلاح خلال الحرب فأن الرابح الوحيد هو العدو لاننا حينها سنقصف أنفسنا. بالطبع كانت المخابرات الإسرائيلية تعلم الحقيقة، أما الوحيد الذى لم يكن يعلم فهو الشعب المصرى و هو الوحيد أيضا الذي دفع الثمن
 
   وأستطيع القول أن تدني مستوي علمائنا في ذلك الوقت حال دون مواصلة تحسين قدرات هذين الصاروخين بعد هروب الخبراء الألمان، واستمرت وسائل الإعلام في تقديم عصير الفنكوش لنا حتي يظل الشعب في أوهامه التي فاق منها علي أكبر نكبة أصابت مصر وجيشها في حرب خاطفة تمت ونحن في ذهول. وفي عهد السادات الذي أعلن صباح 23 أكتوبر 1973 أننا أطلقنا الصاروخ القاهر علي العدو الذي يحتل منطقة الدفرسوار (الثغرة) قبل وقف إطلاق النار مساء يوم 23 أكتوبر ببضع دقائق. أعلن الشاذلي أنه لم يحدث مطلقا وأنه ادعاء باطل، والذي حدث هوإطلاق ثلاث صواريخ سوفيتية الصنع، والمقصود بذبك هو خداع شعب مصر. أي بمعني آخر مزيد من عصير الفنكوش.
 
   وبعد الخريف العربي الذي ركبه الإخوان المسممين وتولي محمد مرسي عرش المحروسة، ووضعت إحدي جامعات  باكستان علي رأسه تاج السلطانية، أراد أن يسقينا منقوع الفنكوش مرتين. المرة الأولي حين أعلن أنه من العلماء الذين ساهموا في اكتشاف الفضاء حين كان يعمل بوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وحين أنكرت أمريكا وجوده داخل الوكالة حتي ليمسح الأحذية، عاد هو وأنكر دون خجل. وفي المرة الثانية حين أعلن عن مشروع النهضة، معلنا أن طائر النهضة الذي سوف يحلق بمصر في سماء الدول ذات القيمة والقامة، أن في أحد جناحيه هِلس وفي الآخر وِلس أي الصحة والثراء وفي ذيله العلم والشهرة، واكتشفنا أنه شارب من عصير الفنكوش حتي الثماله وأن في جناحي طائره الهَلس والدَلس (وِذ اوت مِكس). 
 
   وفي عصر حبيبنا السيسي وعود براقة بجعل مصر قد النيا، منها إنشاء قناة سويس جديدة ستضاعف دخل القنال، صرفت عليها المليارات من مدخرات محدودي الدخل بفائدة مجزية 12% واكتشفنا أنها مجرد تفريعة، ونتيجة لتردي الاقتصاد الدولي وانخفاض التجارة العالمية وتحولها لدروب أخري انخفض دخل القنال، ونتيجة لتدهور قيمة الجنيه أمام العملة الحرة كالدولار فقد البسطاء مدخراتهم بدلا من زيادتها. ووعود باستصلاح مليوني فدان لا ندري من أين نحصل علي مياه ريها مع بناء سد النهضة الأثيوبي، كما أن المياه الجوفية بالصخور الرملية النوبية هي مياه حفرية أي غير متجددة، ربما تكفي عدة سنوات فقط، لم يقم أحد بالدراسة الوافية لتحديدها. ووعود بعاصمة إدارية تقام علي أحدث أساليب تكنولوجيا البناء تستوعب الوزارات والمصالح الحكومية والإدارية والزيادات السكانية المطردة. ولا ندري كيف السيبل لتحقيق كل هذه الأحلام الوردية، وأملنا لها كل النجاح ولا تكون مزيدا من عصير الفنكش الذي تجرعناه حتي الثمالة.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter