كتبها Oliver
العالم كله يعرف أن الله محبة. هذه العبارة الخالدة السماوية التي صارت عنواناً أبدياً للمحبة. الله محبة هي العقيدة المسيحية الوحيدة التي لم تتعرض للتشكيك من كل الأديان.
و حين نقول الله محبة نقصد أن اللاهوت محبة.و لا يمكن أن نفصل بين اللاهوت و المحبة لأن المحبة طبيعة الثالوث.و لا يمكن أن نفصل بين العقيدة و المحبة.فاللاهوت عقيدة و المحبة هي طبيعة اللاهوت الذى تتعلق به كل العقيدة.
حين نتكلم عن الثالوث الأقدس نتكلم عن علاقة محبة بين الأقانيم,و عمل محبة تؤديه الأقانيم للبشرية.فالخلق عمل ثالوثي و قد تم بكل المحبة.و رعاية الموجودات كانت عمل ثالوثي و لا تزل قائمة علي المحبة.و الخلاص و الفداء و الكفارة بمعانيهم و وظائفهم المختلفة كانت جميعها إظهار محبة و إستخدام محبة من الأقانيم الثلاثة.
فمحاولة فصل العقيدة عن المحبة هي محاولة غير ما يعلمه الإنجيل.فليست هناك عقيدة بغير محبة.و ليست هناك محبة بغير عقيدة.فنحن نحب الله لأننا نؤمن به و نعتقد بيقين أنه الله نصدق بقلوبنا و أرواحنا هذا الإعتقاد و نعيش في محبته.
الذين يهاجمون الكلام عن المحبة و يفصلونه عن العقيدة يلزمهم أن يعرفوا المحبة الصحيحة و العقيدة الصحيحة أيضاً.
أسرار الكنيسة الأرثوذكسية هي وسائط محبة.نلبس محبة المسيح في المعمودية.ندهن بمحبة الروح القدس في الميرون نأكل و نشرب بمحبة المسيح في الفداء في سر الشكر . المحبة أساس الأسرار الكنسية.أليس مكتوب أن المحبة أساس البنيان؟
المحبة هي المسيح و هي الروح القدس و هي الآب.حين نقول الله محبة لا نميز أقنوم عن آخر في المحبة فطبيعة الأقانيم متحدة في المحبة و بالمحبة.
الشعب المدافع الأول عن العقيدة
يوجد إحساس سائد بأن الكهنة و الأساقفة هم حراس العقيدة. و هو إحساس ليس صحيح علي إطلاقه,فالشعب الأرثوذكسي هو المدافع الأول عن العقيدة.و هو المحافظ الأول علي العقيدة.هو الذي يعيش العقيدة و يمارسها سراً تلو الآخر.يحياها و يحرص أن يسلمها لأولاده بتلقائية حتي دون أن يدرك أنه يسلمهم عقيدة.الشعب هو الذي يصلي التسبحة و يعلم الألحان و بدونه لا توجد ليتورجيا. الشعب هو الذي يدخل في نقاش مع الآخرين أو يتعمد الآخرون إقحامه في نقاش حول العقيدة فنجد عنده ردود لم يقرأها في الكتب بل فقط يقول ما يعيشه من عقيدة. الشعب هو الطفل الذي يعرف أن كنيسته هي تختلف عن غيرها لأنه يتناول هناك و يري كاهن هناك و يري أيقونات و يشتم رائحة بخور و يتبرك برفات قديسين و يتشفع مع الشعب بصديق من سحابة الشهود و بالعذراء مريم.الشعب هو حارس العقيدة.و هو حارس بغير تحضير للدفاع.يرد ببساطة إيمان ما يصون عقيدته من التشكيك.فنحن لم نعرف من هو القديس صموئيل المعترف إلا لأنه مزق طومس لاون و نشر الوعي و هو راهب مغمور حتي صار من حماة الإيمان و نال لقب المعترف.و القديس سمعان الخراز كان مغموراً أكثر منه و بصداقته و شفاعة العذراء تحنن رب المجد علي كنيسته و حماها من الإبادة.
و لم نكن نسمع عن هذا العامل البسيط الأجير الذى لم يتلق دروساً عن إيمان مثل حبة الخردل.لكنه في عقيدته فهم الآية كما لم يفهمها الأساقفة و البابا السرياني إبرام بن زرعة.و تمت الآية حرفياً و إنتقل المقطم بهذا الإيمان عند الرجل المغمور.و إختفي القديس بعد المعجزة ليبق مغمورا عند الناس مشهوداً له في التاريخ. بل العظيم القديس أثناسيوس لم يكن سوي شماساً مغموراً حين بدأ الدفاع ضد الأريوسية .أردت هنا أن أؤكد أن العقيدة تعرف الشعب أكثر مما تعرف الأساقفة و الكهنة.و أردت أن أؤكد أنه لم تخرج هرطقة منذ القرن الرابع و ما بعده إلا و كان المهرطق راهباً رئيس دير مثل أوطاخي أو كاهناً مثل آريوس أو اسقفاً مثل سابيليوس أو بطريركاً مثل نسطور.أما البسطاء فلم يهتزوا بهرطقاتهم حين إهتزت هذه الكواكب و سقطت من السماء.لذلك الشعب هو الذي يدافع عن العقيدة.بلغته الخاصة و يقينه فيما يحياه في الكنيسة.فماذا يعني هذا؟و حتي لو إنحرف بعضاً منهم فهم لا يكونوا مؤثرين مثلما ينحرف كاهن و تتبلبل أفكار الناس بسببه و لدينا أمثلة قديمة و أمثلة حديثة تؤكد ذلك.
أهمية الدفاع الشعبي عن العقيدة
أولاً يعني أن لا يتصور اسقفاً أو كاهناً أنه يملي علي الشعب كيف يدافع و ماذا يجب أن يقول.لغة الإملاءات ليست لغة الإنجيل و لا المسيح.الذي قال أن الروح يعطيكم في تلك الساعة ما تتكلمون به.إن الرد عفوي لكنه سيكون موجهاً بالروح القدس سيأتي في ساعتها .فليس علي الأساقفة و الكهنة أن يستخدموا لغة الإملاءات في العقيدة.فنحن لسنا في فصل للتحفيظ.ليس هذا معناه أن يتوقفوا عن تعليمنا الإيمان و العقيدة بل أن يتوقفوا عن لغة الإملاءات و النظريات التي ليست إنجيلاً.بل يهتموا أن الشعب يتعلم كيف ينقاد بالروح كيف ينصت للروح كيف يترك نفسه للروح القدس يعمل و يتكلم و يحرك كما يشاء.
ثانياً : لغة التهجم و التهكم لا تحافظ علي العقيدة.لأنها ضد العقيدة.عقيدتنا هي المحبة.و كل تفاصيل العقيدة تقدم في إطار المحبة.الخالية من صناعة أعداء.الخالية من الهجوم.في العقيدة نحن ندافع و لا نهاجم.في المحبة نحن نبادر أي نهاجم أى نبدأ بالمحبة و لا ندافع.لذلك المحبة تأتي أولاً .فمن يحبك يسمع منك.من يحبك يصدقك.من يحبك تخلو من الظنون أفكاره نحوك.أما الذي يسمع كاهن يهجو و يسخر و يهاجم فهو لا يكسب أحداً بل قد يخسر حتي الشعب الذي لا يعجبه لغة الإستعلاء علي أحد مهما إختلفنا معه في العقيدة..
ثالثاَ: نحن لا نتنازل عن عقيدتنا الأرثوذكسية ترضية لأحد.و لا لكي يرضي عنا أحد.نحن متمسكون بأرثوذكسيتنا لكننا مختلفون في طريقة عرض العقيدة في الإجتماعات العامة.العقيدة ممارسة.إهتموا بتقديمها كحياة و ليست علماً من العلوم.أنتم تسمعون قولاً قديماً قيل عن شهداء قرطاجنة(تونس) : المسيحيون يقيمون القداسات و القداسات تقيم المسيحيين. أي أن القداس هو السر الذي يحفظه المسيحيون لأنه يحفظهم مسيحيون بدوره.ممارسة العقيدة أهم من تعليمها نظرياً. إن التعليم النظري يقف عاجزاً عن تفسير لحظات التحول.سواء تحول القرابين إلي قدسات أو تحول المعمد إلي صورة الله و مثاله أو تحول إنسان إلي كاهن أو اسقف أو تحول إثنين إلي واحد في سر الزيجة..كل علوم العقيدة تقف متفرجة قدام هذه التحولات.تتكلم عنها و لا تملك تفسيرها.هي أمور نقبلها بالإيمان من غير فلسفة و فحص.لذلك فالكلام النظري عن العقيدة لا يملك تفسيرا لكل شيء.أما الممارسة فهي تغرس يقيناً داخلياً و تنير خفايا القلب فيفهم بعيدا عن تدخل العقل و بمساندة الروح القدس يدرك ما لا يدرك بالعلوم كلها.لذلك في مؤتمرات العقيدة بدلاً من عرض النظريات عن كتب مغمورة و تفنيدها الأفضل أن يتم تقديم نماذج حياة نعيش العقيدة مثلها.نتمثل بها كما أمر الوحي المقدس.أن ننظر إلي نهاية سيرتهم .لماذا؟ لنتمثل بإيمانهم(عقيدتهم).لقد أفسد الكلام عن العقيدة الممارسة الفعلية للعقيدة.بينما الممارسة الفعلية للعقيدة تقدم تفسيرات عقيدية مذهلة و إسألوا في هذا القديس يوحنا ذهبي الفم و القديس كيرلس الكبير.أما الكلام الكبير عن العقيدة فمن عنده بدأت الإنحرافات.فالعقيدة أبسط حين تخضع للممارسة.و اللغة تقف عاجزة عن المصطلحات الأدق فنجد هذا يأتي بلفظ يوناني و هو لم يدرس اليونانية و آخر يأتي بترجمة إنجليزية و هو لا يجيدها لكنها آفة التعليم النظري.أن يقدم المعلم نفسه كعملاق أكثر مما يقدم العقيدة ذاتها.فماذا يستفيد الشعب من تقمص دور العمالقة؟
رابعاً: العقيدة لا تعلم خارج الكنيسة.فكل وسائل الإيضاح في الكنيسة.يراها الطفل و الشاب و الكهل.فيفهم ما يقوله التعليم.الإنحراف عن العقيدة بدأ حين تحولت القداسات إلي روتينية.لا يفهم أحد و ربما الكاهن نفسه لماذا يتجه هنا أو هناك.لماذا يقدم البخور هكذا لماذا يبدل اللفائف هكذا لماذا يبدأ من إتجاه و ينتهي بآخر في دورات البخور.لماذا يصمت أو يرتفع الصوت؟ الشعب يريد أن يفهم العقيدة من القداس و الكاهن لابد أن يفهم أولاً ماذا يفعل بكل تفاصيل لكل حركة.ساعتها ستكون العقيدة معاشة.و لن تجدي اية تشكيكات معها.الشعب يحتاج أن يفهم القداس و يعيشه.إذا أردتم أن تعرفوا لماذا يتجه بعض الشباب للطوائف الأخري أجيبكم لأنهم لم يفهموا القداس و لا عاشوه لأن الكاهن لا يعيشه بل يردد نصوصه و يؤدي حركاته من غير روح أو فهم.و لعلكم عشتم كيف أن القديس البابا كيرلس السادس عاش القداس فنما الشعب روحياً و تتلمذ علي يديه المئات و الآلاف من الأساقفة و الكهنة فكان القداس اليومي هو وسيلتهم الأصيلة للحفاظ علي العقيدة حية ساكنة في جسد كل أرثوذكسي.
هذا هو مؤتمر العقيدة الذي نحتاجه.