هنا بعض الأقوال التى أطلقها قادة الإخوان فى مديح المجلس الأعلى للقوات المسلحة والجيش بعد ثورة يناير 2011، وحتى قبيل الإطاحة بهم فى 30 يونيو 2013، حين نطالعها ندرك معانى وأفكاراً كثيرة حول هذه الجماعة، التى تتبدل أقوالها وأفعالها حين تنتقل من «التمسكن» إلى «التمكن» ومن الهامش إلى المتن والعكس، وكيف تعتقد أن الحقيقة والصدق والصواب والخير والفضيلة هى فقط ما يحقق مصالحها؟ وهنا يتبين لنا طرف من مؤامرة الجماعة على ثورة يناير، بتحايلها على العسكريين، أملا فى الانقضاض عليهم فيما بعد، بعد استعمالهم فى الإجهاز على الطليعة الثورية المدنية. تلاقت المصالح، التى افترقت فيما بعد، وكانت الضحية رغبة المصريين العارمة فى التغيير إلى الأفضل.
أ ـ «نعتز بالجيش ونرفض الدعوة إلى ثورة ثانية على المجلس العسكرى فى الذكرى الأولى لثورة يناير.. نقدر الجيش ونعتز به وبجميع أبناء شعب مصر، ولا يمكن أن ننسى دوره عبر التاريخ فى حماية مصر وشعبها وثورته»... من أقوال د.محمد بديع لبرنامج «الحقيقة» على دريم، وتصريح لموقع سى إن إن.
ب ـ «الفريق أول عبدالفتاح السيسى هو وزير دفاع بنكهة الثورة»... «قادة الجيش رجال من ذهب».. من أقوال د.محمد مرسى فى خطابين شهيرين.
ج ـ «إذا نزل الناس إلى الشوارع فى 30 يونيو ورفضوا العودة إلى منازلهم، فالجيش سيسحلهم.. كيف تقول هذا؟.. هذا طبيعى، الجيش مع الشرعية، والفريق السيسى رجلنا.. لا يمكن، الجيش سينحاز للشعب.. لا تنسَ أن الدكتور مرسى هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والجيش لا يمكنه مخالفة أوامره»... من حوار بين المهندس محمد على بشر، وأحد الثوار يوم 26 يونيو 2013.
د ـ «توقفت منذ فترة عن التعليق لانشغالى، لكن يستفزنى جداً الحملة الخبيثة والدنيئة التى يتبناها البعض بسوء نية ضد مصر، كل مصر، وينسجون من خيال مريض أزمة يدعونها من خيالهم الخبيث بين الإخوان والجيش، ولا يخفى على أحد خبث الحملة وسذاجة التناول، الإخوان أكثر المصريين فخراً واعتزازاً وتقديراً للجيش وقياداته، ووزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، أمل العسكرية المصرية وتحديثها وتطوير قدراتها، وجميع القادة موضع تقدير المصريين وخاصة الإخوان، لذلك أقول للخبثاء: كفوا عن العبث، الوطن لا يحتمل مزيداً من الفتن، وقادة الجيش واعون ومخضرمون وحكماء وعقلاء ومخلصون، حفظ الله مصر وحمى جيشها الباسل.. أفراداً وقادة»... ما كتبه القيادى الإخوانى صبحى صالح على فيس بوك أيام حكم مرسى.
هــ ـ «يجب التعامل باحترام مع الجيش، ومن غير المعقول أن يطالب البعض بمحاكمة المشير طنطاوى، وتحميله مسؤولية ما يجرى فى شارع محمد محمود».. حمدى حسن لقناة الجزيرة أثناء أحداث محمد محمود فى نوفمبر 2011.
و ـ «يا مشير.. يا مشير.... إحنا رجالك فى التحرير».. «يا مشير أنت الأمير».. من هتافات الإخوان والسلفيين فى التحرير خلال اليوم الذى أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام تهكماً «جمعة قندهار» فى يوليو 2011.
(2)
استعمل عبدالناصر الجيش خلية ثورية للاستيلاء على الحكم، ثم اعتمد بإفراط على المدنيين فى إدارة الدولة. لكن عبدالحكيم عامر، فى إطار صراعه مع عبدالناصر، راح يفسح الطريق للضباط للتغلغل فى الإدارات المدنية للدولة بمختلف مؤسساتها. راح عامر وبقى مشروعه الذى تقهقر مع السادات ثم عاد إلى التقدم مع مبارك وأخذ دفعة أيام حكم المجلس العسكرى، ويهرول فى أيام السيسى. الآن تحتفل السلطة بالذكرى السادسة والأربعين لرحيل عبدالناصر، مع أنها فى الحقيقة تسير على الدرب الذى خط معالمه عبدالجكيم عامر، وبخطى أسرع مما كنا نتصور.
(3)
ينبع قيام السلفيين بتحريم الاحتفاء برأس السنة الهجرة من تصورهم الضيق عن الدين، وزعمهم أنهم وحدهم الذين يعرفون منابعه الصافية وأصوله الأساسية. ربما لا يدرك السلفيون أن ما وصلنا عن تاريخ الأولين ليس بالضرورة هو ما جرى، وإذا كنا فى عصرنا هذا الذى يشهد ثورة فى الاتصال والمعلومات وانفجارا معرفيا رهيبا لا نعرف بعض ما يجرى فى أروقة السلطة أو أعطاف القوى الاجتماعية والسياسية فكيف لأحد أن يدعى الآن أنه يعرف ما حدث بالضبط أيام الرسول أو الصحابة.
إننا مثلا لا نعرف ما حدث بين الرئيس الإخوانى محمد مرسى والمشير طنطاوى قبل عزل الأخير، فيكف لأحد أن يدعى أنه يعرف ما جرى بدقة أيام الرسول أو فى سقيفة بنى ساعدة بعد وفاته.. إن التاريخ اختيار، وهناك من اختار تاريخا بعينه ويقول لنا هذا هو ما فعله السلف الصالح، وعليكم الالتزام به حرفيا.
إن التاريخ الذى وصلنا هو ما أردات السلطة الحاكمة طيلة التاريخ الإسلامى أن يبقى، بينما ضاع الكثير من المعارف المدونة لأنها لم ترق للسلطة، ونظرا لأن التيار السلفى جارى أهل الحكم طيلة تاريخه فقد بقيت أفكاره غالبة، رغم تشددها، بينما تم الإجهاز على أغلب ما جادت به مسارات دينية وفقهية مغايرة.
إننى أدعو السلفيين إلى التحلى بالصبر والروية والتسامح حيال التصورات الأخرى التى تختلف معهم، فمن حق الجميع أن يجتهد فى طرق الوصول إلى الله، وكل من يدعى أنه يمثل «صحيح الدين» كاذب، فكل الطرق التى تنتهى إلى الإيمان بالله صحيحة.
( 4 )
كان الأستاذ الدكتور محمد السيد سليم الذى غادر دنيانا أمس الأول إلى رحاب ذى الجلال واحدا من أنجب وأعمق علماء السياسة العرب المعاصرين، وزاد على هذا إخلاصه للعلم، واعتداده بنفسه، وغيرته على وطنه، ورعايته لتلاميذه فى مجال العلاقات الدولية والدراسات الآسيوية. لا أنسى لهذا الأستاذ الكبير أنه لم يجد غضاضة أبدا فى أن يقرر بحثا أعده أحد تلاميذه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى السنة التمهيدية للماجستير عام 1992 ـ 1993 حول «مفهوم القوة فى العلاقات الدولية» على طلاب المرحلة نفسها فى السنة التالية 1993 ـ 1994، ويجعله جزءا من المنهج الذى يقوم بتدريسه وهو الأستاذ البارع المتمكن. هذا التلميذ، هو أنا، وطالما أستشهد بهذا التصرف فى شرح كيف يحتفى الأستاذ بتلاميذه ويرعاهم، لا أن ينكل بهم، ويحقد على النجيب منهم، كما يفعل الصغار، وما أكثرهم.. اللهم ارحم هذا الرجل الكبير، وعامله بفضلك قبل عدلك، وأسكنه فسيح جناتك.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع