كنت أتمنى أن يطلق على الاحتفال الردىء العشوائى الذى أقامه وزير الصحة د. أحمد عماد الدين راضى بمناسبة نهاية قوائم انتظار مرضى «فيروس سى»: «احتفال عدم الوفاء ومهرجان نكران الجميل»؛ ففضلاً عن تحول الاحتفال بسبب سوء التنظيم والفوضى إلى مولد سيدى الوزير والذى كان ينقصه المراجيح وخيام الطهور لكى يتحول إلى سيرك شعبى حقيقى توزع فيه شربة الشيخ على!!،
كان غياب د. عادل العدوى صاحب المشروع الحقيقى وعريس حفل الزفاف الغائب عن المشهد هو قمة السوداوية والجليطة وقلة الذوق، الرجل لم يدعُه أحد وكأنه مجرم سوابق أو عورة لا بد من سترها حتى لا تظهر لا مؤاخذة على رجالة، هذا الرجل الذى منح الطاقة وبث الحياة فى اللجنة القومية لفيروسات الكبد التى شكلت فى عهد د. حاتم الجبلى والتى أنجزت فى عهده (الجبلى) تخفيض سعر الإنترفيرون الدواء الوحيد الذى كان متاحاً وقتها من خانة الآلاف إلى المئات وبموافقة الشركات الأجنبية التى هاجمها الوزير راضى فى كلمته المرتجلة المهتزة الرديئة التى تفاخر بأنه سيقولها بديلاً عن الكلمة المكتوبة فكانت النتيجة الخطاب الفضيحة، المهم أن د. عادل العدوى الذى ليس صديقى والذى انتقدت بعض قرارات الوزارة فى عهده ولا أتكسب من وراء الدفاع عنه ميزة أو مكسباً إلا الحفاظ على القيم والمبادئ الغائبة، هذا الرجل قام بجهد جبار هو ولجنة الكبد فى سبيل توفير دواء السوفالدى وأخواته، جهد يكتب لهم ويذكر فى التاريخ بدون مبالغة،
فأن توفر علاجاً حقيقياً وثورياً، صُرفت على أبحاثه مليارات، وله حقوق وحماية دولية، وبسعر أسطورى واحد على مائة من ثمنه فى وسط عواصف وبراكين رفض وغضب من دول غنية وقوية وصلت إلى حد المظاهرات أمام قاعات مؤتمرات الكبد الأوروبية احتجاجاً على توفيره لمصر بهذا الثمن!!، أن تفعل كل هذا وتتفاوض بهذه الحنكة وبماراثون يتفوق على ماراثون مفاوضات طابا فأنت تفعل معجزة، د. عادل العدوى الذى آمن بديمقراطية القرار على عكس د. عماد راضى، منح العدوى كل الحرية للجنة الكبد التى تضم قامات عالمية وأسماء هم سوبر ستارز فى عالم طب الكبد مثل د. جمال عصمت ود. منال حمدى السيد ود. إمام واكد ود. وحيد دوس، وغيرهم من الأسماء التى تهتز لوجودها جنبات المؤتمرات العالمية لأنهم مخلصون بجد وعلماء بحق وحقيقى والذين للأسف لم يصعد أىّ منهم على منصة التكريم إلا د. وحيد دوس، وكأن المقصود شطبهم من اللوحة لتلميع بورتريه البطل الأوحد، لم يكتف د. العدوى بهذا الإنجاز التاريخى ولكنه فتح الطريق للشركات المصرية وفتح ما يسمى البوكسات لكل شركة جادة وبكل شفافية، وبدأت الأسعار تنخفض وبدأ الدواء يتوافر،
وصار الخفير يعالج مثل الوزير فى قائمة علاج منضبطة لا تجامل وفى مراكز على أعلى مستوى تضم أطباء متدربين خبراء نفخر بهم أمام العالم أجمع، بدأت نسب الشفاء فى الارتفاع وبدأت الانفراجة الحقيقية فى أهم مشروع صحى بعد البلهارسيا وشلل الأطفال فى مصر، بعد كل هذا الإنجاز والجهد والتعب يأتى وزير الصحة الحالى بتصرف لا يليق ولا يعبر إلا عن نرجسية لا تليق بأستاذ جامعة محترم كان عميداً لكلية طب عريقة، كيف للوزير أن يهمل من خطط وأنجز كل ما كان يتغنى به فى خطابه المرتجل الذى بدأه بالتفاخر بمنع الشركات الأجنبية وكأنهم قُطاع طرق، وكأننا الذين اخترعنا الدواء، وكأنهم لم يشاركوا فى بداية المشروع بالتخفيض، وكأنهم لم يتبرعوا من تلقاء أنفسهم ويتكفلوا بعلاج مرضى فيروس سى بتكلفة تتعدى عشرات الملايين، كيف تتحدث عنهم سيادة الوزير بهذه الطريقة فى مناخ استثمار خانق طارد؟!، إنه خطاب يفتقر إلى حنكة الوزير السياسى لصالح الوزير الموظف، كان لزاماً على د. عماد راضى أكثر من دعوة د. العدوى ألا يكتفى بجلوسه على مائدة عشاء بل أن يصعد معه على منصة التكريم ويرفع ذراعه متكاتفاً معه ويلقى كلمة، هذا هو معنى الوفاء، هذا هو التصرف الرجولى السليم الصحى،
هذا ما يليق بأساتذة جامعة محترمين وعلماء يعرفون أن التواضع والاعتراف بإنجاز السابقين هو مفتاح البحث العلمى، ماذا حدث لنا حتى صرنا نعانى من تصحر الإحساس وألزهايمر الوفاء ورد الجميل، بتنا مصابين بهستيريا التطاوس وفوبيا سرقة الأضواء وعصاب الشو والاستعراض، نرفض مقولة نيوتن الذى اعترف بأنه أصبح نيوتن لأنه وقف على أكتاف العمالقة، ولكن من الواضح أننا ودعنا عصر العمالقة ودخلنا عصراً آخر لا داعى لوصفه.
نقلا عن الوطن