دراسة أجراها البنك الدولى على عينة من العناصر المنضمة إلى تنظيم «داعش» أثبتت أن النسبة الغالبة من هؤلاء يتمتعون بمستوى تعليمى معقول، وكانت لديهم وظائف يتكسبون منها قبل الانضمام إلى التنظيم، وأن متوسط أعمارهم يدور حول الـ27 عاماً، وأن نسبة الراغبين فى القيام بأعمال إدارية وكذلك نسبة الراغبين فى تنفيذ عمليات انتحارية ترتفع مع ارتفاع المستوى التعليمى.
تؤشر هذه النتائج إلى أن التعليم فى العديد من الدول ليس عنصراً مؤثراً فى تحديد توجهات الإنسان فى الحياة. فرغم أن الأنظمة التعليمية تتبنى فى أغلب الدول منظومة الأهداف القومية للدولة وتدافع عنها، كما يفترض فيها التحريض على العقلانية والتفكير الإيجابى الهادف إلى بناء الحياة، إلا أنها فى المجمل عاجزة عن اختراق عقول العديد من العناصر التى تنخرط فيها، فالظرف أو السياق الذى يعيش فيه الإنسان يؤثر بالدرجة الأكبر على توجهاته، ولا يفرق فى ذلك التعليم الذى حصل عليه أو العمل الذى يتكسب منه، ثمة سؤال أساسى يطرحه الفرد على نفسه، ويحدد توجهاته وتصرفاته فى ضوء الإجابة عنه، إنه «سؤال العدل»، فكلما أحس الإنسان أنه يحيا فى بيئة ظالمة، تنتصر للقوة أكثر مما تنتصر للحق، تطرف فى أفكاره وتصرفاته وأصبح مؤهلاً لتبنى أية أفكار تتوجه إلى هدم الواقع، حتى لو تم ذلك بالعمليات الانتحارية، ومن الطبيعى للغاية أن يكون المتعلمون هم الأميل إلى ذلك، فالتعليم ينمى وعى الإنسان بالواقع الذى يعيش فيه، ويجعل إحساسه بالظلم الذى يعانيه فيه أحد وأعمق، وبالتالى تجد متعلمى «داعش» أكثر حماساً للعمليات الانتحارية من غيرهم، ولا يأبه هؤلاء بأنهم حين ينحرون غيرهم يمارسون ظلماً أبشع من الذى مورس عليهم!
سؤال العدل هو الأجدر بالطرح أمام النتائج التى توصلت إليها دراسة البنك الدولى حول خصائص مقاتلى «داعش». قد يسأل سائل: ولماذا آوى هؤلاء إلى التنظيم، ولم يأو غيرهم ممن يعيشون فى نفس المجتمعات التى يحيون فيها؟ وهو سؤال منطقى، والإجابة عنه أن البشر لا يتساوون فى ردود أفعالهم، أو قدرتهم على الاستيعاب، هناك من يستطيع استيعاب الظلم، وهناك من يقدر على الصبر عليه، وهناك من يحس به لكنه يجبن عن التحرك بسبب إحساسه بالضعف وقلة الحيلة أمام من يظلمه، البشر يختلفون فى ردود أفعالهم أمام غياب العدل، وبإمكانك أن تعرف الظلم بسهولة على أنه المعادل الموضوعى لـ«العنف»، فالظلم يعنى ممارسة العنف المادى أو المعنوى على الآخرين، والعنف -كما تعلم- يحكمه قانون العدوى، على سبيل المثال لو مارس أحد الآباء العنف على أحد أبنائه، فسوف يندفع هذا الابن إلى تفريغ شحنة غضبه فى أخيه الصغير، والصغير يصدر عنفه إلى الأصغر، والأصغر يوجه عنفه إلى صديقه الأضعف، والصديق الأضعف يصدر عنفه إلى حيوان ضعيف هائم، وهكذا تسلم كل حلقة فى سلسلة الظلم العنف إلى الحلقة التى تليها.. وسلم لى ع التعليم والعمل وخلافه!
نقلا عن الوطن