لا يسعنى سوى أن أشكر النائب إلهامى عجينة، لقد نجح فيما أخفق فيه العشرات من محللى علم الاجتماع، وما فشل فيه البعض من أصحاب الفكر غير المطابق لمواصفات «الأيزو» الشعبوية، وبغض النظر عن تطورات مقترح إخضاع طالبات الجامعات المصرية لكشوف عذرية دورية وفجائية وذلك لكشف من تزوجت عرفياً أو أقامت علاقة جنسية كاملة أو لم تخضع لعملية ترقيع غشاء البكارة بهدف فضحها وتجريسها وجعلها عبرة لمن لا تعتبر، وبعيداً عن الإحالة للجنة القيم، أو التعرض لهجمة إعلامية هنا أو غضبة فايسبوكية هناك، فإن العمل الجليل الذى قام به عجينة سيظل علامة فارقة فى مسيرة ما آلت إليه المرأة المصرية فى العام الـ16 من القرن الـ21، وتكمن عبقرية الظاهرة العجينية لا فيما يصدر عنها من مقترحات أو مطالبات أو موضوعات لا تخرج عادة عن ختان الإناث والعجز الجنسى والحشمة فى اللباس وأخيراً وربما ليس آخراً كشوف العذرية للتفرقة بين من هن «آنسات» محترمات مبجلات ومن هن لسن بـ«آنسات» (ولا تفوتنا كلمة «عاهرات» التى لجأ إليها زميل له فى البرلمان)، ولكن فى الكثير من ردود الفعل الغاضبة،
ولأن شر البلية ما يضحك، فقد اتضح بالحجة والبرهان أن ما أغضب القاصى والدانى (باستثناء المجلس القومى للمرأة) فى مقترح عجينة العذرى هو أن فيه إساءة لسمعة الطالبات، ومن ثم المجتمع بأسره، وبمعنى آخر فإن من انتفض غضباً جراء المقترح اللوذعى انتفض لما اعتبره تشكيكاً فى السلوك الجنسى لبعض الطالبات، وهو ما يعنى أن شرف المجتمع الذى ما زال محتفظاً بمنهجية عود الكبريت صار محل اتهام أو تخوين، وهو ما يعنى مصيبة أكبر وأضل سبيلاً ألا وهى أن شرف رجاله يمكن أن يكون على المحك، وهذه هى المصيبة وهذا هو مربط الفرس وتلك هى الكارثة، كارثة دفن الرؤوس فى الرمال أو تجاهل ما آل إليه الكائن الأنثوى فى مصر لن تجدى، فما أزعج الغالبية ممن أعربت عن انزعاجها لا يمت بصلة للطالبات أو الشابات أو النساء أنفسهن، من باب انتهاك أجسادهن أو التعامل معها باعتبارها عذرية أو لا عذرية فقط لا غير، ما أزعج الأكثرية هو التمليح بأن بين الطالبات «عاهرات» أو «فاسقات فرطن فى عذريتهن» لذا لزم الكشف ووجب الفضح واستلزم التجريس ليكن عبرة، وهذا يعنى أن الطالبات أو الشابات ممن يقمن علاقات ذات طابع جنسى ولكن دون أن يفقدن عذريتهن لا غبار عليهن، كما يعنى أن من أقامت علاقة جنسية ثم خضعت لعملية ترقيع غشاء البكارة لا غبار عليها،
ويعنى أيضاً والأهم من كل ذلك أن أهم ما يميز الكائن الأنثوى المصرى ويصنفه ككائن جدير بالاحترام أو غير جدير به هو وجود هذا الغشاء من عدمه، هذا الهوس بالمرأة الذى يتخذ صفة التغطية والحجب والتخبئة تارة والتعرية والانتهاك والابتذال تارة أخرى ليس وليد اليوم، لكنه صار جزءاً لا يتجزأ من الثقافة المكتسبة على مدى نحو أربعة عقود، صدعوا رؤوسنا ووجعوا قلوبنا وأنهكوا عقولنا بسنوات طويلة من الحديث عن مكانة المرأة واحترامها وتبجيلها، تارة بتخبئتها وحجبها، وأخرى بتعريتها واستباحتها، مقولات شائعة وأقوال مأثورة وكليشيهات جاهزة مثل «احترام المرأة» و«تبجيل الست» و«مكانة الأنثى» صارت كلاماً بلا طعم، وكذباً دون رتوش، هناك حالة من العداء الواضح والتحقير البائن تجاه المرأة تغلغلاً فى المجتمع المصرى بشكل مزعج وفج على مدى السنوات الماضية، ولأن بعضاً منها يرتدى عباءة دينية والبعض الآخر يرتدى أزياء الخصوصية الثقافية، فقد تُرِكت المرأة المصرية تصارع طواحين الهواء وحدها، حتى إن قطاعات عريضة من النساء والفتيات أنفسهن بتن يعتقدن بأنهن ناقصات منكسرات ضعيفات غير مكتملات الآدمية والأهلية،
وعودة إلى النائب عجينة الذى كشف المستور وفضحه، فهذا برنامج توك شو استحضر الضيوف ليصبوا الغضب على الدعوة العذرية من منطلق أنها إهانة لكل المصريين وتلويح بأنهم فشلوا فى «تربية» بناتهم، وهذا رئيس جامعة يرفض مقترح العذرية لأنه يشكك فى سمعة الطالبات، وهؤلاء طالبات يرفضن الفكرة لأنها «عيب» وبعضهن يقترح أن تخضع لها فقط من تحوم حول سلوكها وتصرفاتها شكوك أو شبهات، وقائمة الخيبة القوية طويلة، لكن هناك قائمة أخرى وهى تلك المتعلقة بالأغلبية الصامتة المرابطة فى الشوارع والميادين والبيوت من عموم المصريين ممن لم تهتز لهم شعرة، أو تنغص عليهم ولو لحظة عذرية عجينة، البعض سيقول إن الغالبية ملهية فى الأسعار والزحام والصراع اليومى من أجل البقاء،
والبعض الآخر سيلمح إلى مشكلات سياسية أعمق وتعقيدات اقتصادية أكبر، ما يترك القليل من الجهد والوقت للتكفير فى مسألة العذرية وكشوفها عجينة ستايل، فريق ثالث مال إلى الحكمة الشعبية والحنكة المصرية وقال إن كلام عجينة قاسٍ بالفعل، وإن هناك أخطاراً محدقة تتعلق بالعلاقات الجنسية والزواج العرفى وغيره من أنواع الزواج (التى تحللها بالمناسبة تيارات دينية عدة) لكن فضل أن تكون مهمة التربية وعاتق التقويم وواجب العقاب مقتصراً على الأسرة فقط، لأن الله حليم ستار، الطريف فى الموضوع هو أن هناك قلة قليلة ترى فى منهج عجينة الفكرى انتهاكاً لخصوصية الكائن الأنثوى المصرى، وإقحاماً لغرباء فى مسائل شخصية بحتة، وتفكيراً أعوج ظاهره تهذيب وتقويم لكن عقله وقوامه هوس جنسى وهسهس بأعضاء المرأة التناسلية، هذه القلة يرى المجتمع أنها «قلة مارقة مندسة قليلة التهذيب عديمة الرباية». فشكراً للنائب إلهامى عجينة.
نقلا عن الوطن