بقلم : د. عماد جاد | السبت ٨ اكتوبر ٢٠١٦ -
٢١:
١٠ م +02:00 EET
د. عماد جاد
اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير، ثورة ضد الظلم والقهر والاستبداد والفساد، جرى اختطاف الثورة على يد جماعة الإخوان ورفاقها من الجماعات المتشددة ومن ثم أعيد إنتاج سياسات التمييز والقهر والفساد لصالح جماعة الإخوان ورفاقها من تيار الإسلام السياسى وأصبح المواطن «الإخوانى» مميزاً على حساب غيره من المواطنين.
جاءت ثورة الثلاثين من يونيو، ليسترد الشعب عبرها بلده ويستعيد هويته، متطلعاً إلى بناء دولة المواطنة وعدم التمييز، وبالأساس دولة العدالة الاجتماعية. وبدا واضحاً أن المرحلة الانتقالية التى استمرت عاماً كاملاً لم تكن تسمح ببدء سياسات العدالة الاجتماعية أو بناء دولة المواطنة، فقد كان عاماً متخماً بالدماء من قبل فلول جماعة الإخوان والجماعات القريبة منها. ومع تسلم الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد السلطة فى يونيو ٢٠١٤، كانت التوقعات مرتفعة بشأن تطبيق سياسات العدالة الاجتماعية، الاهتمام بالفئات الضعيفة فى المجتمع ومواجهة الفساد المستشرى فى قلب مؤسسات الدولة والجهاز البيروقراطى.
وبدا واضحاً أن المهمة ثقيلة للغاية، فالجماعة الإرهابية واصلت عمليات الإخلال بالأمن، وبنية الدولة تحتاج إلى مشروعات ضخمة، والوضع الاقتصادى سيئ للغاية، فالواردات تتصاعد وتشمل سلعاً استفزازية وأخرى كانت تنتج فى مصر، والمرتبات والدعم وخدمة الدين العام تلتهم معظم الموازنة، والفئات الضعيفة فى المجتمع تئن وتشكو من الفقر وغلاء الأسعار وقلة الحيلة تجاه تدبير نفقات المعيشة والخدمات من سكن وتعلم وصحة.
التركة كانت، ولا تزال، ثقيلة للغاية، بيروقراطية الدولة بدت كعبء إضافى، لا سيما فى مجال المواطنة والمساواة، فقد كانت بنيتها تقوم على سياسات التمييز بين المصريين على أساس الدين، الطائفة، الطبقة الاجتماعية، ومن ثم أنتجت المزيد من سياسات التمييز والتفرقة بين المصريين، وفى الوقت الذى كان الرئيس يحاول جاهداً وضع أسس لدولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، فإن بنية البيروقراطية المصرية كانت ولا تزال تقاوم هذه التوجهات. اتجه الرئيس للتركيز على مجالين أساسيين، هما البنية التحتية والمشروعات العملاقة وتحسين أوضاع الفئات الضعيفة فى المجتمع، فظهرت عشرات المشروعات القومية التى عند إتمامها ستنقل مصر نقلة نوعية، كما بدأ الرئيس مشروعات لتحسين أوضاع الفئات الضعيفة، منها مشروع علاج مرضى فيروس سى، تدبير مخصصات لمعاش باسم كرامة وتكافل، تدبير منازل آدمية لقطاع كبير من الفئة الضعيفة فى المجتمع، وهم سكان العشوائيات، وهى سياسة مهمة للغاية يمكن أن تقضى على ظاهرة العشوائيات فى غضون سنوات قليلة.
بقى بعد ذلك رؤية سياسات واضحة فى مجال تحسين التعليم العام واستعادة جودته وجعله مواكباً للتطورات العلمية، نعم هى قضية صعبة ومعقدة وتخضع لحسابات جماعات مصالح ضخمة، ورغم ذلك نقول إنه لا تطور دون تنمية اقتصادية شاملة وتعليم عام جيد.
لم تتغير نظرة مؤسسات الدولة للمواطن المصرى، فلا يزال المواطن بلا قيمة فى عيون بيروقراطية الدولة وأجهزتها، ولا تزال سياسات التمييز والتفرقة بين المواطنين قائمة، لكن الجديد فى الأمر هو أن المواطن المصرى نفسه قد تغير وأخذ يعبر عن مطالبه ويطالب بحقوقه وهو أمر سوف يؤثر على بنية البيروقراطية المصرية ويحد من نفوذها لا سيما إذا ما ترافق ذلك مع زيادة معدلات التنمية الاقتصادية ورفع معدلات التعليم وجودته، فارتفاع معدلات التنمية الاقتصادية وزيادة معدلات التعليم وتطوره النوعى، يوسع من مساحة الطبقة الوسطى وبعد تحقيق إشباع الرغبات المادية (طعام، شراب، زواج) تبدأ المطالبة بإشباع الحاجات غير المادية أو المعنوية، مثل: الاحترام، الحرية والكرامة الإنسانية، العدل وعلى القمة احترام حقوق الإنسان عبر بناء نظام ديمقراطى حقيقى، فهذه المطالب غير المادية لم تكن فى يوم من الأيام مطلباً لجاهل أو فقير جائع، ومن ثم لا بد من العمل بكل قوة من أجل رفع معدلات التنمية وتوسيع قاعدة التعليم وتحسين محتواه أولاً، ثم بعد ذلك سيتحقق تلقائياً البناء الديمقراطى الذى يعلى من قدر الإنسان وحقوقه.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع