بقلم: ليديا يؤانس
المنظر الخارجي للصرح، لا يمُت بِصلة للمعابد أو الكنائس أو الأديرة أو المساجد، أنه عبارة عن كهف، ولكن العجيب أن هذا الكهف عُرِف باسم "دير سُليمان"، ليس هُناك مُشكلة، ولكن المُشكلة الحقيقية، تَكمُن في وجود هذا الديرعلي سفح جبل صخري شديد الإنحدار جدًا، في منطقة شنقايا، بولاية أرضروم التُركية، شمال شرق البلاد.
مِنْ الطريف أن هذا الدير التاريخي، الذي تبلُغ مساحته حوالي 300 متر، ويصل إرتفاعه عن سطح البحر إلي 1700 متر، ويظهر مِنْ تصميمُه علي أنهُ كهف يمتد عُمره لألف عام، وقد عُرِف تاريخيًا باسم "دير سليمان ذات الألف عام في تركيا".
بالرغم مِنْ وعورة الطريق الرابطة بين الدير وحى "إفياقان" الذي يُطل عليه الدير، وصعوبة الوصول إلي الدير، حيث أنه قائم علي سفح جبل شديد الإنحدار جدًا، إلا أن الزوار حريصون علي زيارة هذا الدير الأثري والذي يحمل عبق التاريخ مُمثلاً في اسمه الذي يُشير إلي سُليمان النبي.
وكان "أحمد أوزكان" قائمقام منطقة شنقايا الموجود بها الدير، قد أدلي بتصريحات للأناضول قائلاً: دير سُليمان مُدرج ضمن قائمة المناطق المحمية مِنْ قبل مُديرية حِماية التُراث الثقافي التُركية.
كما أفاد "راسم غولا" رئيس حي "إفباقان" للأناضول، ان تاريخ إنشاء الدير يعود للعهد البيزنطي وقد استولت عليه المملكة الجورجية فيما بعد.
للأسف قد تعرض الدير للتخريب، في خلال الفترة الأخيرة بسبب قيام الباحثين عن الكنوز بعمليات حفر داخل الدير، وحول إقبال مواطني جورجيا علي زيارة الدير، صرح "غولا": بأن الدير التاريخي يقصده قرابة 1500 زائر من جورجيا، وقد عَلِمنا مِنْ السُياح الجورجيين، أن هذا الدير تم إستخدامُه كمدرسة لتخريج الرُهبان، وأن الهدف الرئيسي مِنْ بنائُه علي سفح جبل صخري هو تأمين حماية الراهبات، وأن اسم الدير قد أطلق عليه بعد إستيلاء الجورجيين عليه.
الدير مُصمم علي شكل كهف مِنُ الخارج، ولكنه يحتوي مِنْ الداخل علي عدد مِنْ الغُرف، البعض مِنها مُخصص للإعتكاف، ويوجد به كُرسى للقِسْ، كما يوجد به مقابر صخرية، ومحفور علي جدرانه مِنْ الداخل، رُسُومات تُمثل السيدة العذراء وهي تحمل في حضنها، الطفل يسوع المسيح، هذابالإضافة إلي رُسًومات أُخرى تُمثل الحقبات الزمنية والأشخاص الذين زاروا الدير.
مِنْ الطريف أن هذا الدير الأثري الموجود بتُركيا، أطلقوا عليه اسم "دير سُليمان ذات الألف عام"، وكما ذكرت المراجع أن اسم سُليمان يُشير إلي سُليمان النبي والملك، أي سُليمان ابن داود النبي.
وحينما عَقدتُ مُقارنة بين شخصية سُليمان النبي والملك، وبين هذا الدير الأثري، وجدتُ هُناك فرقًا شاسِعًا بين هذه الشخصية العظيمة، والإسم المُطلق علي الدير، هذا ليس إقلالًا بالدير، ولكنه ينِم عن عدم التوافق أو التشابه، بين شخصية سُليمان واسم الدير.
الدير يعني حياة التَقشُف والزُهد والنُسك، يسكُنه الرُهبان والنُساك، أما سُليمان النبي والملك لم يكُن في يومِ ما راهِبًا، ولم يحيا حياة الرُهبان والنُساك يومًا واحِدًا مِنْ حياته، بل كان يستمتع بحياته، وبِكُل مظاهر الأبهة والفخامة في قصره الذي لم يوجد مثله قصر يُضاهيه في الفخامة.
سًليمان النبي كان مَلِكًا علي بني إسرائيل، فاقت حِكمته حِكمة جميع بني المشرق، وكُل حِكمة مصر، وكان أحكم مِنْ جميع الناس، وكان مُتسلِطًا علي جميع الممالِك، مِنْ النهر إلي أرض فلسطين وإلي تُخوم مصر.
سُليمان كان شعبُه يخدمُه، ويُقدم له الهدايا كل أيام حياته، وكان طعامُه لليوم الواحد، ثلاثين كُر سميذ، وستين كُر دقيق، وعشرة ثيران مُسمنة، وعشرين ثوراً مِنْ المراعي، ومئة خروف ما عدا الأيائل والظِباء.
سُليمان كلن لديه أربعون ألف مُزود لخيل مركباته واثني عشر ألف فارس.
سمعت ملكة سبأ بخبر سُليمان لمجد الرب، فأتت لِتمتِحنهُ بمسائل، أتت إلي أورشليم بموكب عظيم بِجِمال حاملة أطياب وذهبًا كثيرًا جِدًا وحجارة كريمة، أتت إلي سُليمان وكلمتهُ بِكُل ما كان بقلبها فأخبرها سُليمان بِكُل كلامها.
في النهاية قالت ملكة سبأ، ليكن مُباركًا الرب إلهك الذي سُر بِكْ، وجَعَلَكْ علي كُرسى إسرائيل، لأن الرب أحب إسرائيل إلي الأبد، جعلك مَلكًا ليُجري حُكمًا وبِرًا.
وأعطت ملكة سبأ للملك سُليمان مِئة وعشرين وزنة ذهب وأطيابًا كثيرة جِدًا وحجارة كريمة، وأعطي الملك سُليمان لها مُشتهاها الذي طلبت، عدا ما أعطاها إياه حسب كرم الملك.
كل هذه الأقوال بخصوص الملك سُليمان، مذكورة بسفر ملوك الأول من الإصحاحات 3-11.
ولكن يبدو أن هُناك تشابُهًا بالنسبة لِرقم الألف، فهذا الدير الأثري العجيب له قُرابة الألف عام أو يزيد، أيضًا سُليمان النبي أحب الرب سائِرًا في فرائض داود أبيه، وبعد أن تراءي لهُ الرب في حلم، يسألهُ أن يسأل مِنْ الرب ما يُريد، أصعد سُليمان ألف مُحرقة، علي ذلك المذبح في المرتفعات العُظمي في جبعون.
أيضا رقم الألف له حكاية مع الملك سُليمان، ولكنها لا تتشابه مُطلقًا مع كينونة الدير، وهي أن الملك سُليمان كان له ألف إمرأة، سبع مِئة مِنْ النساء السيدات (أي زوجات) وثلاث مِئة مِنْ السراري!
بغض النظر عن النتاقضات العجيبة، بين شخصية سُليمان النبي والملك، وبين الإسم الذي أخذه الدير، فإن هذا الدير الذي يُشبه الكهف ويُطل علي سفح جبل صخري شديد الإنحدار جدًا ويصل إرتفاعه عن سطح البحر إلي 1700 متر، يستحق الزيارة، ومشاهدة آثاره التاريخية، والإستمتاع بموقعه الخلاب.