الأقباط متحدون - السعودية وديل الكلب
أخر تحديث ١٥:٠٤ | الخميس ١٣ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ٣ | العدد ٤٠٨١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

السعودية وديل الكلب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
فاروق عطية 
 انتهي شهر العسل بين مصر والسعودية سريعا، وعادت حقيقة العلاقة بين الدولتين كما كانت دائما متوترة. فالقيادة السعودية غاضبة من بعض المواقف التي اتخذتها الحكومة المصرية، وترى انها تصب في مصلحة اعدائها، مثل الانفتاح على ايران، وتطوير العلاقات واللقاءات معها، والتأكيد على شرعية الرئيس السوري بشار الاسد، ومعارضة اي تحرك لتغيير نظامه، واخيرا التصويت لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الامن الدولي 8 أكتوب 2016، الذي يعارض فرض اي حظر للطيران السوري الروسي في حلب، ويشدد على ضرورة مواصلة قصف الجماعات الاسلامية المتشددة المصنفة “ارهابية”.
   منذ ولاية محمد علي باشا حاكما علي مصر وإفشاله الدولة الأولي التي تأسست وسط الجزيرة العربيةعام 1744 بزعامة محمد آل سعود بن مقرن أمير الدرعية بالتحالف مع محمد بن عبد الوهاب آل شيخ، بسبب تطرفها الديني أزعجت الباب العالي، وأمام عجز دولة الخلافة وولاتها في المدينة وبغداد ودمشق الوقوف في وجههم، طلب الباب العالي من واليه في مصر محمد علي باشا أن يُجرِّد جيشاً عليهم، وبناءً على موافقة فرنسا وتحريضها لبَّى أمر السلطان سنة 1811 وأرسل ابنه طوسون لمحاربتهم، ودارت معارك عديدة بينهم وبين جيش مصر، وتمكن جيش مصر سنة 1812 من فتح المدينة. ثم في أعسطس 1816 أرسل ابنه إبراهيم باشا من القاهرة فَسحَقَ الوهابيين سَحْقاً حتى تراجعوا إلى عاصمتهم الدِّرْعِيّة وتحصنوا فيها، فحاصرهم إبراهيم باشا في أبريل 1818 طوال الصيف. وفي 9 سبتمبر1818 استسلم الوهابيون، ودَكّت جيوش إبراهيم باشا الدِّرْعِيّة دَكاً، حتى يقال: إنه حرثها بالمحراث فلم يبق لها أثر. وبذلك كانت نهاية دولة آل سعود الأولي.
 
   وحينما قامت الدولة السعودية الثانية، بقيادة الإمام تركي بن عبدالله عام 1820م، ساعدت القوات المصرية على زعزعة حكمه والقضاء عليه. قام محمد علي باشا في عام 1836م بإرسال الأمير خالد بن سعود بن عبدالعزيز، الذي كان يقيم بمصر منذ الأسر، إلى نجد مع قوة بقيادة إسماعيل بك للإطاحة بحكم الإمام فيصل بن تركي، جد الملك عبدالعزيز، ثم عزز هذه القوة بحملة ثانية قادها خورشيد باشا وتمكنت من أسر الإمام فيصل بن تركي وأبنائه وشقيقه جلوي في ديسمبر1838م، وأُرسِلوهم أسري إلى مصر، وبقائهم بها 5 سنوات حتى تمكن الإمام فيصل من الهرب والعودة إلى نجد في عام 1843م واضطرت القوات المصرية إلى الانسحاب من شبه الجزيرة العربية بعد ضغوط الدول الأوروبية، في مؤتمر لندن 1840م.
 
   ومع قيام دولة آل سعود الثالثة، في موسم الحج عام 1926م وهو أول موسم للحج يتولاه الملك عبدالعزيز بعد دخوله الحجاز، اعترض علماء نجد (الوهابيون) على الموسيقى والأبواق وغيرها من المظاهر التي تصاحب محمل الحجاج المصريين واعتبروها بدعا، ولما حاولوا منعهم أصدر قائد الحج المصري محمود عزمي باشا، أوامره بإطلاق النار عليهم، فسقط ما بين خمسة وعشرين إلى أربعين قتيلاً منهم، وكادت تقع فتنة بين المصريين والنجديين، وحافظ الملك عبدالعزيز وابنه الأمير فيصل على رباطة جأشهما، وسويت المسألة بسلام، وعاد قائد المحمل ورجاله إلى مصر سالمين. واعتبر الملك فؤاد هذا الأمر تحدياً شخصياً له، فأمر بمنع إرسال كسوة الكعبة المشرفة التي اعتادت مصر على إرسالها كل عام، كما أوقف صرف واردات الأوقاف العائدة للحرمَين الشريفَين. 
 
   بعد نجاح حركة ألضباط 1952 في مصر وتحولها إلي ثورة، وآل سعود يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من إمتداد ألثورة إلى بلادهم، خاصة وأن أهم أهداف الثورة كانت إحياء ألقومية ألعربية، وتحقيق الوحدة بين ألدول ألعربية، والقضاء علي الإمبريالية الرجعية المتخلفة. هذه ألأفكار كلها كانت تصب في خانة ألقضاء على آل سعود ألذين زرعهم ألغرب وألإستعمار بهدف تشتيت ألعرب وتفريقهم وتمزيقهم وتقسيمهم لدول ودويلات لا حول لها ولا قوة. 
   أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير 1958 بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من الرئيسين شكري القوتلي وجمال عبد الناصر. اختير عبد الناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة. وفي عام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضًا. أنهيت الوحدة بانقلاب عسكري في دمشق  يوم 28 سبتمبر  1961، وأعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971 عندما سميت باسمها الحالى جمهورية مصر العربية. وكان لآل سعود الدور الرئيسي في مؤامرة الانفصال، والتى مولها الملك سعود بتخطيط أمريكى ومساعدة الملك حسين ملك الأردن، لتشكل ضربة جديدة وقاتلة للعلاقات المصرية السعودية، لحقها فى شهر يوليو 1962 محاولة جديدة مولها الملك سعود بمشاركة مجموعة من المصريين لنسف المنصة التى كان مقررا أن يلقى عبد الناصر منها خطابه فى العيد العاشر للثورة بميدان عابدين، وقد تم اكتشاف العملية واكتشاف سلاحها قبل ساعات من موعد بدء الخطاب.
 
   في 26 سبتمبر 1962 قامت الثورة ضد المملكة المتوكلية في شمال اليمن، وكان دور آل سعود والعمل على إجهاضها عنيفا وضاريا، قاموا بتمويل القبائل اليمنية بالسلاح والذهب، بالتعاون مع الأردن، والتحالف مع بريطانيا التى كانت تحتل جنوب اليمن وأقلقتها مشروعات ناصر المستمرة لطردها من أخر معاقلها شرق السويس. وتكاد الثورة أن تجهض لولا طلبها المساعدة المصرية. وبالفعل بدأ وصول القوات المصرية إلى اليمن للدفاع عن الثورة. تم تشكيل تحالف دولى لتجنيد مرتزقة من كل أنحاء العالم وشراء أسلحة للقتال فى اليمن بالأموال السعودية ومساندة بريطانيا وشركات البترول الأمريكية للقتال فى اليمن ضد القوات المصرية التى تدافع عن الثورة، كما دخلت المخابرات الأمريكية بثقلها إلى ساحة المعركة المحتدمة فى اليمن وأصبحت الحدود السعودية اليمنية مناطق حشد لنقل السلاح والذخيرة والمقاتلين المرتزقة إلى اليمن وتحولت الحرب إلى عملية إستنزاف طويلة (من1962 حتي 1970)، وكانت حرب اليمن من أول أسباب النكسة.
 
   منذ قيام حركة الضباط، وخاصة بعد دخول جيش مصر لمناصرة ثورة اليمن، كان آل سعود يحيكون ألمؤامرة تلو ألمؤامرة للقضاء على ألرئيس ألمصري وأفكاره، إلى أن نجحوا بذلك في عام 1967 حيث نجحوا نجاحا باهرا في تمرير عدوان كاسح ضد مصر التي لم تكن مستعدة له ألإستعداد ألكافي. فقد ظهر دورها التآمري من الوثائق الإسرائيلية المفرج عنها، ومنها برقية من السفير الأمريكي بالسعودية إلي وزير الخارجيته، عن محضر مقابلته بالملك فيصل قبيل أحداث الخامس من يوليو 1967م، في ثنايا البرقية يقول: (استجمع الملك حيويته ليقول لى: يجب أن تبذلوا أقصى جهد للخلاص من هذا الرجل الذى يفتح الطريق للتسلل الشيوعى (وكان يعنى ناصر) ثم قال: لماذا تصبرون عليه؟ ألا ترون أنه لا يكف عن مهاجمتكم يومياً، مرة فى فييتنام، ومرة بسبب كوبا، ومرة بسبب الكونجو؟ وعقّب الملك بخصوص توريدنا القمح لمصر"أوقفوا عنه الطعام تماماً وسوف ترون ما يحدث") 
 
http://www.egyptianoasis.net/showthread.php?t=26301
   أظهرت النكسة، وأثناء حرب الاستنذاف والاستعداد للثأر، مدي تفاعل الدول العربية فمنها من ساهم بالسلاح والتأييد ومنها من تقاعس وكان شوكة في ظهر مصر والعروبة. وتمثل تأييد الدول العربية الصديقة في الدعوة لحظر تصدير البترول للدول الحليفة لإسرائيل. عرضت العراق وليبيا دعوة الحظر في مؤتمر الخرطوم في 29 أغسطس عام 1967، لكن الملك فيصل رفض ذلك، رافعًا الشعار أن النفط ليس سلاحًا بل هو مورد اقتصادي يتعين استخدامه في حدود المصالح الاقتصادية والتجارية. اتخذت العراق قرارها بمنع تصدير النفط للدول المتحالفة مع إسرائيل وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، والذي طبقته فعليًّا بدءًا من يوم 6 يونيو، وكانت الدولة الوحيدة المعارضة لهذا الحظر هي المملكة السعودية. استاء الملك فيصل، وأعلن أمام أصدقائه الأمريكان عبثية المعركة، وعارض الحظر، ثم قبله في يوم 19 أكتوبر وماطل في تطبيقه علي أرض الواقع حتي لا يضر بالمصالح الأمريكية الحيوية، حتى أنه استجاب أثناء الحظر لطلب أمريكي بتموين السفن الحربية الأمريكية بالبحر المتوسط التي عانت من نقص الوقود. وبالرغم من هذه الخيانة الواضحة وتعمد الإضرار بمصر وجيشها يأتي النظام المصري اليوم وبكل سذاجلة ويكافئ السعودية علي خيانتها وإهدائها جزيرتين مصريتين (تيران وصنافير) استشهد أبناء الوطن وجاد بدمائه الذكية للدفاع عنهما.
 
  مما تقدم نري أن العلاقات السعودية المصرية دائمة التوتر بفضل غباء ومؤامرات آل سعود. وكانت مصر دائما معطاءة لجيرانها وإخوتها شعوب الدول العربية وخاصة بدو الجزيرة قبل البترول الذي جعل منهم سادة متكبرين ومتغطرسين، وعلي سبيل المثال لا الحصر، قام إبراهيم باشا بعد تشتيت دولة آل سعود الأولي بانشاء التكية المصرية لإعالة قبائل نجد ونجران ومعظم قبائل الجزيرة العربية التي يسمونها الآن بإسم عائلتهم، كانت تعولهم بتوفير الغذاء والمال والمأوي من قوت وطعام ومال شعب مصر الذي يكرهونه ويتحينون الفرص لإذلاله وكسر شوكته، بالمكر الوهابي تارة وبالمؤامرات تارة وبتمويل أعدائها تارة. كما أن الموقف العدائي بين الملك عبد العزيز والملك فؤاد الأول لم يكن عداءا مصريا لشعب الجزيرة العربية، والدليل علي ذلك الاستقبال الرائع من شعب مصر للأمير سعود بن عبدالعزيز عند زيارة مصر بغرض الاستشفاء من مرض ألم بعينَيه عام 1926م. والحقيقة ان العداء بينهما كان بسبب رغبة كل من الملكين أن يكون خليفة للمسلمين، وضم الحجاز إلى سلطة الملك عبدالعزيز، تعني رغبتة أن يصبح خليفة للمسلمين، لأن من يتطلع للخلافة عليه أن يسيطر على الأماكن المقدسة في الحجاز. والخلاف الأخير واعتراض السعودية علي التقارب المصري اللإيراني، هو تدخل سافر في حرية مصر في اتخاذ قراراتها كدولة مستقلّة ذات سيادة وليست تابعة، علما بأن مصر لم تعترض علي التقارب السعودي التركي الذي هو في حقيقته بادرة عداء موجهة لمصر، والتصويت لصاح المشروع الروسي كان تاليا للتصويت علي المشروع الفرنسي وكلاهما رفض. ويبدو أن مواقف السعودية الدائمة ضد مصر تنبئ بصدق قول الشاعر الشعبي:
 
نهينك ما انتهيت والطبع فيك غالب ** وديل الكلب ما ينعدل لو ركبوا فيه قالب.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter