مستحق، الترحيب تصفيقاً الذى لقيه المشير محمد حسين طنطاوى بمجرد دخوله «مسرح الجلاء»، مشاركاً فى الندوة التثقيفية الـ23 التى نظمتها «الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة»، احتفالاً بنصر أكتوبر العظيم.
الترحيب وقوفاً بالمشير جدير بالتوقف والتبين مع تعلق الأبصار بطلة هذا الرجل الأسمر الذى حمل عبء البلاد على كتفيه المنهكتين فى توقيت تكالبت فيه الأكلة على مصر، إبان ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث جسام كادت تعصف بالسفينة العتيقة وهى تمرق فى لجة الموج العاتى.
وهن العظم من المشير واشتعل الرأس شيبا، وهَمّ السنين مرسوم على قسمات وجهه، ويثقل حركته، بالكاد يقف على قدميه، وما إن صادف هذا الترحيب حتى اغتبط، بدا فرحاً مسروراً وسط رجاله الأوفياء، وتذكر الأيام الخوالى العظيمة مع عرض فيلم معركة «المزرعة الصينية» التى كان هو بطلها وظهر معلقاً عليها، وهو فى فتوة الشباب، مقاتلاً جسوراً يُشار إليه بالبنان.
يوماً بعد يوم يظهر الوجه الحقيقى الأصيل للمشير طنطاوى من بين ركام الأكاذيب التى راجت تتهمه بما ليس فيه، وتحمله ما لا يحتمل، وتثير غباراً حول دور الرجل الذى اختاره القدر فى لحظة فارقة ليحمل الأمانة التى تنوء بحملها الجبال، وحملها طنطاوى محتسباً متسلحاً بصبر جميل، وإيمان بأن الله يحميها، ويباركها، محروسة بأمر الله.
جمل الحمول، هو طنطاوى بشحمه ولحمه وصمته، رجل صموت يقتات الصمت كالجمال، حمل العبء ثقيلاً، وقاد البلاد فى عاصفة هوجاء من الاحتمالات المفتوحة، عينه وعبادته ودينه وديدنه أن يسلم البلاد سالمة آمنة لأهلها كما تسلمها فى لحظة قدرية قائداً عاماً للقوات المسلحة وزيراً للدفاع.
المشير سيذكره التاريخ مؤتمناً على الأمانة، أدى الأمانة لأهلها كاملة، ومرق من الفخاخ المنصوبة، وأصابه مس من اتهامات، وصمت صمت الصابرين، سيأتى يوم يكتب فيه التاريخ الحقيقة، ويقول المؤتمنون كلمتهم فى سنوات المجلس العسكرى فى حكم البلاد.
صمت المشير طنطاوى خليق بالاحترام، أحترم صمته البليغ، وليت المشير يستغل فراغه من المسؤولية ليكتب مذكراته عن هذه الفترة العصيبة من تاريخ البلاد، شهادة وطنية حق للأجيال، أرجو ألا يفرط فى الأيام الباقية فلينذرها لتسجيل يومياته فى حكم البلاد، شهادة للتاريخ، وبالأسباب والمسببات، وكيف وقف شامخاً لينقذ البلاد من فوضى كانت مقدرة لتحيل البلاد إلى هشيم تذروه الرياح، عصفت بالجوار عصفاً وأسقطت دولاً، أحالتها إلى فوضى عارمة يقتل فيها الأخ أخاه ولا يدارى سوءته.
لماذا نشدد على تسجيل هذه الشهادة، لأنها ترد على جبال من الأكاذيب تحجب الحقيقة كاملة عن أجيال غابت عنها الحقيقة وغُيبت تماماً عن مقاصد رجال المجلس العسكرى، تضع النقاط ساطعة فوق حروف شاهت وتشوهت بفعل فاعل، يفصل فى اتهامات عقورة لاتزال تطارد الأوفياء، تتهمه بتسليم البلاد للإخوان، والإخوان كانوا ابتلاء ابتليت به البلاد، ورفع الله سبحانه الغمة، غمة وانزاحت.
جميعا تحدثوا إلا المشير، وما رشح من مذكرات وذكريات تنقصه رواية المشير طنطاوى، وهو أصل وفصل كل الحكايات والشاهد الحى على الأحداث، يكفيه شرفا الانحياز إلى ثورة الشعب، وقاد الجيش إلى مكانه الصحيح فى قلب الشعب حامياً أميناً، منع حرباً أهلية وقودها الناس والحجارة، وعلى هدى من خطوته كان مكان القوات المسلحة فى قلب ثورة الشعب فى 30 يونيو، خُلق الجيش من ضلع الشعب، وطنطاوى من ضلع الشعب الطيب، حفاوة يستحقها المشير استحقاقاً.
نقلا عن المصري اليوم