أقسى شيء على الإنسان أن يدفع ثمن خطأ لم يرتكبه.
ما أشبه الليلة بالبارحة. سيناريو الأزمة بين مصر والجزائر بسبب "ماتش كورة"، يتكرر الآن مع السعودية. نفس الأبواق تبث سمومها. الوجوه التي ترتدي أقنعة زائفة في كل أزمة تواصل التحريض على الكراهية. مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة المراهقين من الجانبين. أصوات العقلاء والحكماء تتوارى، والحمقى والأغبياء يتصدرون المشهد.
كثير من الذين كانوا يرفعون أعلام السعودية وقت أزمة "تيران وصنافير"، انقلبوا على المملكة.. الذين كانوا يشيدون بدعم الرياض وقادتها الحكماء؛ لوقوفهم ومساندتهم لمصر في أزماتها، اكتشفوا فجأة أن الملك سلمان "راعي الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية"، ناسين أو متناسين أن الملك السعودي تطوع في "الجيش المصري"؛ للدفاع عن "مصر" خلال العدوان الثلاثي.. وأن المملكة وملوكها لم يتخلوا أبدًا عن مساندة مصر ومؤازرتها، مثلما فعل الملك فيصل، وفهد، وعبد الله.. فأين حمرة الخجل؟
الحاقدون الجاحدون الذين يحاولون إشعال النار كلما خبت أوارها، يتناسون أن العلاقة بين الأشقاء لا تربطها المصلحة، ولا موقف سياسي متطابق، بل وشائج الأرض، والدين، واللغة، والعروبة، والدم.
على مدار الأيام الماضية، تابعتُ ما أطلق عليه "الأزمة" بين مصر والسعودية؛ بسبب اختلاف رؤى البلدين بشأن الأزمة السورية. الموقف الرسمي للقاهرة والرياض كان محترمًا للغاية. لكن الموقف الشعبي كان "منفلتًا" إلى أبعد مدى.. بعض الموتورين والمنتفعين من الجانبين أشعلوها حربًا بالهاشتاجات والسخرية.. كل منهم تطاول على الآخر بأحط الألفاظ، وللأسف كان من بينهم صحفيون وإعلاميون.
هنا مكمن الخطورة.. أن تتحول المعايرة المتبادلة، والسخرية المبتذلة إلى كراهية وعداء أبدي بين شعبين شقيقين.
لقد توقفت طويلًا أمام مقال "رائع" للكاتب السعودي "المحترم" علي سعد الموسى، بعنوان "كي لا نخسر مصر"، قال فيه: "لمصر مصالحها السياسية المتشابكة. ومصر اليوم تنهض من خذلان المواقف الأمريكية الضعيفة والمترددة تجاهها، وهي قد امتحنت ومرت بهذا الخذلان في سنواتها الأخيرة، ونحن اليوم سائرون مع نفس أمريكا على ذات الامتحان والخذلان".
أي أن الرجل يلفت انتباه بلاده إلى أنها تسير في اتجاه "الخذلان الأمريكي"، كما وقعت مصر في هذا الخذلان.
وفي فقرة أخرى من المقال يقول "الموسى": "وفي عوالم السياسة، دع للشقيق الصديق الذي تثق به فرصة السير على الطريق الموازي، أو حتى المعاكس. فقد تحتاج معه إلى اختبار التجربة، أو حتى تبادل الأدوار. وقد تحتاج مواقفه في تمرير رسائلك السياسية، أو وساطته كجسر رابط ذات يوم".
ثم ذكر الكاتب السعودي مواقف، وسياسات، وعلاقات لبلاده مع دول أخرى معادية لمصر ونظامها، دون أن تعترض القاهرة.
أما اللواء السابق في المخابرات السعودية، أنور ماجد عشقي، فقال في تصريحات لـ"دوت مصر": "نعرف أن العلاقات بين مصر والسعودية، استراتيجية وسياسية. فالاستراتيجية ثابتة لا تتغير، والسياسية قد يعتريها بعض الاختلاف في وجهات النظر، لكن سرعان ما يكون هناك حوار، وكل يقتنع بوجهة نظر الآخر". فهل وصلت الرسالة؟
في النهاية، ما نود التأكيد عليه أنك كمواطن مصري أو سعودي، أو أي جنسية عربية أخرى، لا تدخل في صدام مع شقيقك؛ لأنك- شئت أم أبيت- سوف تحتاج إليه، هكذا علمتنا التجارب والأحداث.. ولا تمنحوا الأعداء سلاحًا مجانيًا يضربوننا به.. فمصر والسعودية هما الدولتان العربيتان الكبيرتان المعقود عليهما الأمل.. ونحن الآن في أمس الحاجة لكل موقف موحد، وكلمة طيبة تعالج أمراضنا السياسية، وتضمد جراحنا الدبلوماسية.
الخلاصة.. الأنظمة زائلة، والشعوب باقية.. ومصر ستظل باقية أبد الدهر في وجدان العرب.. والسعودية ستظل في قلوب المصريين، وقبلة المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
نقلا عن دوت مصر